
في الوزارات الحكومية، يسود الاعتقاد أنّه كلما زاد حجم العمل، يجب توظيف موظفين إضافيين. لكن مع دخول عام 2026 وتوفّر بنية سحابية حكومية وأدوات الذكاء الاصطناعي، أصبح من الضروري فحص الحلول التكنولوجية أولًا قبل طلب تعيين موظفين جدد، لأن هذه الحلول قد تقدّم الخدمة بشكل أسرع وأفضل وبتكلفة أقل.
في كل وزارة تتكرر المشكلة نفسها: العمل يزداد، والطلبات تتراكم، وطوابير الانتظار تطول. وردّ الفعل الإداري المعتاد هو طلب تعيين المزيد من الموظفين. ويبدو المنطق الكامن وراء هذه الفكرة سليمًا للوهلة الأولى، فكلما تراكم العمل نحتاج إلى مزيد من القوى العاملة. لكن في عام 2026 لم تعد هذه الطريقة مناسبة كما كانت في الماضي.
“لا تلغي التكنولوجيا دور الموظفين، بل تعمل في صفهم، ويجب أن يكمل كل منهما الآخر”
تعمل الحكومة حاليًا على خطة غير مسبوقة: أي وزارة تطالب بزيادة سنوية في القوى العاملة تتجاوز عشرة موظفين أو 5% من عدد الموظفين لديها ستكون مطالبة أولًا بفحص البدائل الرقمية الممكنة. والفكرة وراء هذه الخطة بسيطة: قبل تعيين موظفين جدد، يجب التأكد مما إذا كانت التكنولوجيا تستطيع القيام بالمهمة نفسها بشكل أسرع، وبجودة أعلى، وبتكلفة أقل.
دول كثيرة سبقت إسرائيل في هذا المجال. ففي إستونيا، مثلًا، تُقدَّم معظم الخدمات الحكومية اليوم من دون تدخل بشري، وهو توجّه يوفّر للدولة ما يقارب 2% من الناتج المحلي سنويًا بحسب تقديرات الاتحاد الأوروبي. أما في بريطانيا، فقد أثبتت سلطة الضرائب (HMRC) أنه يمكن تحسين الخدمة من دون زيادة عدد الموظفين. ففي عام 2025، أعلنت سلطة الضرائب البريطانية أنها تعمل على تحقيق هدف واضح ضمن ضمن خطة Transformation Roadmap، وهو أنه بحلول عام 2030 ستكون 90% من تعاملاتها مع المواطنين رقمية بالكامل، وهو ما سيؤدي إلى تقليص كبير في الأعمال اليدوية.
وتوجد في إسرائيل اليوم فرصة حقيقية لتحقيق أمر مماثل. فالبنية السحابية الوطنية “نيمبوس” تتيح لأول مرة دمج أدوات الذكاء الاصطناعي وعمليات التحول الرقمي على نطاق حكومي واسع في وقت قصير نسبيًا. وهذا يمنح الحكومة فرصة لكسر أساليب العمل القديمة وتحسين مستوى الخدمة بشكل كبير. وتشير تقديرات مهنية إلى أن ما بين 30% و40% من المهام في القطاع العام يمكن أتمتتها، وهو ما يوفّر إمكانية كبيرة لتسريع الإجراءات وتقليل التكاليف خلال السنوات المقبلة.

ولا يقتصر الأمر على تحسين الكفاءة فحسب، بل على توفير التكاليف كذلك، إذ إن إضافة موظفين جدد تُعد خطوة مكلفة جدًا. وفقًا لبيانات مفوض الأجور، تصل تكلفة الموظف الحكومي إلى 25,329 شيكل شهريًا، أي ما يزيد على 300 ألف شيكل سنويًا. وهذا يعني أن كل وظيفة جديدة تفرض التزامًا ماليًا طويل الأمد على الميزانية، في وقت تعاني فيه الوزارات من صعوبة في جذب موظفين مهنيين في سوق عمل تنافسي.
ويجب التأكيد على نقطة مهمة هنا، أنّ التكنولوجيا لا تُلغي الحاجة إلى الموظفين، بل تلغي بعض المهام فقط. إذ لا يمكن أتمتة التعاطف البشري أو الحكم المهني أو المسؤولية العامة؛ لكن يمكن بسهولة أتمتة الطباعة، والمسح، وإدخال البيانات. حيث تمنح أدوات الذكاء الاصطناعي وبيئة العمل الحديثة الموظفين اليوم ما يقارب 20 ساعة شهرية إضافية، وهو وقت يمكن استثماره في المهام المهنية الجوهرية وتقديم خدمة بشرية أفضل.
وفي هذه المرحلة تبرز فرصة استراتيجية أوسع. فمسودة الخطة الاقتصادية الحكومية تتضمن خارطة طريق شاملة لاعتماد بنية خدمات سحابية حكومية، وتنفيذ التحول الرقمي، ووضع إستراتيجية وطنية للبيانات، وهي خطوات يمكن أن تغيّر الأداء الحكومي بشكل جوهري. فهذه الخارطة ستجعل الخدمات أسرع وأسهل للمواطن، وستُحسّن التنسيق بين الوزارات، وتختصر الإجراءات، وتوحّد المعايير، وتتيح اتخاذ قرارات تعتمد على البيانات الدقيقة، إضافة إلى توفير في الميزانيات قد يصل إلى مليارات الشواكل. ولتحقيق هذه النتائج، يجب تخصيص الموارد اللازمة لتطبيق الخطة الآن، مع تحديد أهداف قابلة للقياس، ومعايير موحّدة، وآليات رقابة واضحة.
الخلاصة:
لا يمكن لإسرائيل التعامل مع الزيادة المتواصلة في حجم العمل من خلال التوظيف المتواصل لموظفين جدد. فالطريقة الحديثة والفعّالة لتطوير الخدمات الحكومية هي استخدام التكنولوجيا والأنظمة الرقمية وبيانات الدولة بشكل ذكي، بحيث تخفّف الضغط عن الجهاز الحكومي، وتساعد الموظفين على التركيز في عملهم المهني، وتُحسّن الخدمة التي يحصل عليها المواطن بشكل واضح. لا تلغي التكنولوجيا دور الموظفين، بل تعمل في صفهم، ويجب أن يكمل كل منهما الآخر.
محمود رحمان هو مستشار اقتصادي واستراتيجي، وشغل سابقًا منصب نائب مفوض الأجور في وزارة المالية.
* المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة موقع وصلة للاقتصاد والأعمال.











