في أجواء مفعمة بالحضور المهني والرؤية الاستراتيجية، شهدت مدينة الناصرة اليوم (18.11.2025) انعقاد مؤتمر التشغيل السنوي “نقود التغيير” الذي تنظّمه مؤسسة الفنار، ليشكل منصة مركزية للنقاش والتفكير في مستقبل التشغيل والاقتصاد في المجتمع العربي. وفي قلب هذا الحدث البارز، قدم مدير عام المؤسسة السيد حسام أبو بكر كلمة شاملة رسّخ من خلالها موقع الفنار كفاعل ريادي في صياغة سياسات التشغيل في البلاد، وقدّم رسالة لافتة موجهة لكل دوائر صنع القرار في البلاد: الاقتصاد الإسرائيلي غير قادر على النمو دون المجتمع العربي.
التشغيل هو مفتاح النمو: فلسفة “العجلات الثلاث“
خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر قدّم أبو بكر رؤية شاملة تربط بين التشغيل والنمو الاقتصادي والحصانة الاجتماعية، قائلًا: “نمو المجتمع يبدأ من النمو الاقتصادي، ولا يمكن بناء مجتمع قوي وصامد دون قاعدة اقتصادية متينة.” ولتبسيط الفكرة، شرح نموذج “عجلات النمو الثلاث”: “التشغيل هو العجلة المركزية، التي تدفع عجلة المتانة الاجتماعية، وتولد عجلة القوة المجتمعية. هذه الفلسفة ليست مجرد إطار نظري، بل هي الأساس الذي بنت عليه مؤسسة الفنار استراتيجيتها الجديدة، والتي نقلتها خلال العامين الأخيرين من مؤسسة تنفيذية إلى مؤسسة مبادرة وصانعة سياسات.“

من التشغيل إلى صناعة التأثير
وللتأكيد على مركزية الدور الذي تلعبه الفنار وسيرورة تطورها، استعرض أبو بكر رحلة التحول التي مرت بها المؤسسة، قائلاً: “على مدار سنوات عملت الفنار كجهة منفذة، لكن بعد بناء الأساس كان علينا التوقف وسؤال أنفسنا: كيف نرتقي بعملنا إلى مرحلة التأثير الحقيقي؟“ هذا السؤال قاد إلى تغيير جذري في الأساس التنظيمي للمؤسسة، الذي ارتكز على عنصرين أساسيين: المبادرة الميدانية وصناعة الحلول بدل انتظارها. وأكد أبو بكر بأن الفنار لم تعد تنتظر المناقصات أو البرامج الحكومية، بل تبادر إلى تحديد الفئات التي تحتاج إلى دعم حقيقي، وعلى رأسها فئة الشباب الذين أطلق عليهم أبو بكر تعبيرًا جديدًا: “شباب الظل“، “الحلول المخصصة لهذه الفئة قليلة جدًا، لذلك قررنا أن نكون مبادرين ونطوّر حلولًا عملية بأنفسنا.” هذه الروح الريادية جعلت المؤسسة أكثر قربًا من احتياجات السوق وأكثر قدرة على تقديم حلول فورية ومبتكرة.
التأثير على صناع القرار من موقع قوة
أبو بكر أكد في كلمته بأن العمل الميداني أتاح للفنار بناء قاعدة بيانات ومعطيات، تُشكل أداة ضغط اقتصادي محترفة تجاه الحكومة. “لا يمكن لأي دولة أن تحقق نموًا اقتصاديًا دون استنفاد إمكانات خُمس سكانها. المجتمع العربي لا يزال غير مستثمَر فيه كما يجب، وهذه فجوة على الدولة سدّها فورًا.“ هذا التصريح لم يكن مجرد نقد، بل دعوة صريحة لإعادة صياغة السياسات الاقتصادية الوطنية بما يتناسب مع الواقع الديمغرافي والاقتصادي في البلاد.
“نحن لا ننام ليلًا“
وفي سياق تطرقه لخطورة الخطوات التي تتخذها الحكومة في الفترة الأخيرة تجاه المجتمع العربي، حذّر أبو بكر من التقليصات المتوقعة في الخطة 550 المخصصة للتطوير الاقتصادي في المجتمع العربي، “نحن لا ننام ليلًا ونعمل على مدار الساعة لمحاولة التصدي لهذه القرارات، لأنها قرارات قاسية جدا وستؤثر على مستقبل آلاف العائلات.” وأضاف أن التركيز لا يجب أن يكون على منع التقليص فقط، بل على تعزيز الاستثمار: “لا يكفي منع القرار، بل يجب زيادة حجم الاستثمار الحكومي في المجتمع العربي أضعاف ما هو قائم اليوم.“ بهذه الكلمات، وضع أبو بكر قضية الاستثمار في المجتمع العربي في إطارها الصحيح: ليس امتيازًا، بل ضرورة لنمو الاقتصاد الإسرائيلي.
الإنسان أولًا: رأس المال البشري هو سر النجاح
وفي ختام كلمته، أكد أبو بكر أن العامل البشري هو المحور الأساسي في نجاح المؤسسة: “رأس المال البشري هو الضمان الأساسي لنجاحنا. التكنولوجيا أداة مساعدة، لكنها بلا قيمة من دون الإنسان.” وأشار إلى أن الفنار ضاعفت عدد موظفيها خلال العامين الأخيرين، وأن فريق العمل كان يعمل حتى ساعات الفجر لإنهاء تحضيرات المؤتمر، ما يعكس روح الالتزام والرسالة التي تحملها المؤسسة.
كلمة حسام أبو بكر أظهرت أنّ الفنار لا تكتفي بإدارة مشاريع تشغيل، بل تقود رؤية اقتصادية متكاملة: رؤية ترى في المجتمع العربي محركًا أساسيًا للنمو، وتعتبر الاستثمار فيه استثمارًا في مستقبل الاقتصاد الإسرائيلي بأكمله، لا بندًا يمكن شطبه أو تقليصه.











