/
/
ماذا يجب أن يفعل مؤتمر المناخ

ماذا يجب أن يفعل مؤتمر المناخ

أيقون موقع وصلة Wasla
wasla brands
1024px COP21 participants 30 Nov 2015 23430273715
قادة دول العالم في مؤتمر الامم المتحدة للمناخ عام 2015، الصورة: ويكيميديا

يأتي مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ هذا العام في البرازيل (مؤتمر الأطراف الثلاثين) في لحظة فارقة، ليس فيما يتصل بالأجندة المناخية فحسب، بل التعاون الدولي في عموم الأمر. بعد “مؤتمر الأطراف المالي” الذي عُقد العام الماضي في باكو ــ حيث اتفقت الدول على مضاعفة الهدف العالمي لتمويل العمل المناخي إلى ثلاثة أمثاله ــ يؤَطَّـر اجتماع هذا العام على أنه “مؤتمر الأطراف المعني بالتنفيذ”.

بعد سنوات من المفاوضات، انقضى زمن التعهدات الطموحة. نحن الآن في احتياج إلى عمل ملموس. وهذا يعني التعبئة الفعلية لتمويل المناخ، ليس كعمل خيري، بل كاستثمار استراتيجي في القدرة العالمية على الصمود، والازدهار المشترك، والأمن المتبادل.

لن تأتي البلدان النامية إلى طاولة المفاوضات خالية الوفاض. فنحن نُـحضِر معنا خططا مناخية طموحة، والتزامات وطنية، وتمويل محلي من مواردنا. بنجلاديش، على سبيل المثال، تستمد 75% من تمويلها للمناخ من مواردها الخاصة، وتخصص 6-7% من ميزانيتها السنوية للجهود المرتبطة بالمناخ.

كما تقدم بلدان نامية عديدة مساهمات محدثة محددة وطنيا (المصطلح الذي استخدمه اتفاق باريس للمناخ للتعبير عن خطط خفض الانبعاثات)، فتعزز أطر سياساتها، وتقدم حلولا رائدة مدفوعة محليا من الممكن أن تسترشد بها أفضل الممارسات العالمية. وهكذا، قدمت بنجلاديش مؤخرا “مساهماتها المحددة وطنيا 3.0″، والتي تحدد هدفا غير مشروط لخفض الانبعاثات بنسبة 6.39% بحلول عام 2035 (في سيناريو العمل كالمعتاد)، وهدفا مشروطا بنسبة 13.92%.

لكن إجمالي الاستثمارات المطلوبة لتنفيذ مساهماتنا المحددة وطنيا تبلغ 116 مليار دولار أميركي، وهو مبلغ شديد الضخامة. ولهذا السبب أنشأنا أيضا منصة بنجلاديش للمناخ والتنمية (BCDP)، وهي آلية مملوكة وطنيا مصممة لتوسيع نطاق تمويل العمل المناخي ودمج استراتيجيات المناخ الوطنية. وبفضل الدعم السياسي القوي، تجمع منصة بنجلاديش للمناخ والتنمية بين أكثر من عشر وزارات، وهذا يمثل علامة فارقة في العمل المناخي المنسق الذي تقوده الدولة.

باعتبارها بلدا ساحليا، تُـعَـد بنجلاديش موطنا لبعض من أكثر الأنظمة البيئية هشاشة في العالم، بما في ذلك غابات سونداربانز لأشجار المانحروف وأكبر دلتا نهرية في العالم. توفر هذه الأنظمة البيئية خدمات أساسية مثل تنظيم المناخ، وعزل الكربون، والحد من مخاطر الكوارث. وتشكل حمايتها ضرورة حيوية ليس لبنجلاديش فحسب، بل لكوكب الأرض أيضا. غير أن القيام بذلك يتطلب دعما دوليا.

تنطبق الرسالة ذاتها في مختلف أنحاء الجنوب العالمي. ففي حين تكثف البلدان النامية جهودها، فإن خططها تتطلب دعما خارجيا. ويجب أن يكون التزام مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين بحشد 300 مليار دولار سنويا في تمويل العمل المناخي الدولي، بدءا من العام المقبل، هو خط الأساس. لا يزال هذا الرقم يمثل فقط جزءا صغيرا من المطلوب، وما زلنا في احتياج إلى ضمان إدارة التمويل بمستوى أعلى من المساءلة. ويجب أن تفي البلدان المتقدمة بالتزاماتها، بحيث يكون التمويل الجديد إضافيا حقا، بدلا من إعادة توجيهه من مساعدات التنمية الحالية.

1024px
غابات سونداربانز في بنغلادش، الصورة: ويكيميديا

تتعلق أولوية أخرى بنوعية التمويل، الذي يجب أن يكون منظما بشكل جيد ومتاحا وفعالا. وهذا يعني توضيح مقدار ما ستساهم به كل دولة متقدمة؛ وكيفية موازنة الموارد بين جهود التخفيف، والتكيف، والخسائر والأضرار؛ وكيف من الممكن أن يكون التسليم قابلا للتنبؤ ومنصفا.

الواقع أن القروض التي تدفع البلدان النامية إلى مزيد من الديون ليست مستدامة. يجب أن تأتي حصة أكبر كثيرا من التمويل في هيئة مِـنَـح وتدفقات ميسرة للغاية. من غير الممكن أن يبني العالم القدرة على الصمود والتكيف مع تغير المناخ على خلفية انعدام الاستقرار المالي. كان هذا بالفعل موضوعا متكررا في باكو، والآن يمنحنا مؤتمر الأطراف الثلاثين فرصة لترجمته إلى إطار سياساتي واضح.

إن تمويل العمل المناخي يعبر عن فِـكر اقتصادي سليم، ويمثل فرصة وليس مجرد التزام. تُظهر الدراسات أن كل دولار يُستثمر في التكيّف من الممكن أن يدرّ أكثر من 10 دولارات من الفوائد البعيدة الأمد. وبالنسبة للبلدان المتقدمة، فإن دعم التكيف والقدرة على الصمود في الخارج يساعد في تثبيت استقرار سلاسل الإمداد، والحد من مخاطر الكوارث، ومنع الأزمات التي ستمتد عبر الحدود في المستقبل.

في الوقت ذاته، تمتلك البلدان النامية إمكانات هائلة، غير مستغلة في كثير من الأحيان، لدفع تحول الطاقة العالمي، وحماية النظم الغذائية، وتعزيز النمو المستدام. بنجلاديش، على سبيل المثال، تُـعَـد ثالث أكبر منتج للأرز. ومساعدتنا على تحقيق المرونة في مواجهة الصدمات المناخية أمر بالغ الأهمية للأمن الغذائي المحلي والعالمي. ونحن نساهم أيضا في سلاسل القيمة العالمية من خلال المأكولات البحرية، والمنسوجات، والقوى العاملة الديناميكية الماهرة. يشكل الشباب 28% من سكاننا، وهذا يمنحنا القدرة على العمل كشريك رئيسي في عدد كبير من صناعات النمو في المستقبل.

باعتباره استثمارا في مستقبلنا المشترك، يستلزم تمويل العمل المناخي إقامة شراكات تعود بالنفع على الجميع ــ اقتصاديا، واجتماعيا، وبيئيا. لكن مجرد زيادة أهدافنا التمويلية لن يكون كافيا. في العام الماضي، انخرطت البلدان النامية بحسن نية في المداولات الرامية إلى التوصل إلى اتفاق بشأن تمويل العمل المناخي، وإن كانت النتيجة لم تعكس احتياجاتنا بالكامل. هذا الالتزام بالحوار يجب أن يقابله الآن التزام بالوضوح والتنفيذ. نحن في احتياج إلى المشاركة البنّـاءة من جانب جميع البلدان في تشكيل هيكل التمويل المرتبط بالمناخ. والمسألة ليست فقط كم التمويل، بل كيفية تدفقه، وكيف يمكن استخدامه على أفضل وجه لدفع التحولات البعيدة الأمد.

بالفعل، تتشارك البرازيل وأذربيجان في قيادة جهود الهدف منها رسم خريطة طريق لتوسيع نطاق تمويل العمل المناخي إلى 1.3 تريليون دولار سنويا بحلول عام 2035. ولكن لا يمكننا الوصول إلى هذا الهدف دون إرساء الأساس اللازم. وهذا يعني توفير مبلغ الثلاثمائة مليار دولار الموعود سنويا من خلال آليات شفافة، وعادلة، وفعّالة.

في ظل الأزمة التي تمر بها تعددية الأطراف، يتعين علينا أن نستعيد الثقة في العملية. لقد أنجزت التعددية أهدافها من قبل، وهي لا تزال قادرة على تكرار ذلك. ومؤتمر الأطراف الثلاثين هو المكان الذي يمكننا فيه إثبات قدرة النظام الدولي على الانتقال من الالتزام إلى التنفيذ، ومن الانقسام إلى التعاون. فنحن نمتلك الأدوات، ولدينا المعرفة. ما نحتاج إليه الآن هو الإرادة لتحويل تمويل العمل المناخي إلى محرك مشترك للنمو، والأمن، ومستقبل أكثر عدلا.

ترجمة: إبراهيم محمد علي   

سيدة رضوانة حسن مستشارة البيئة والغابات وتغير المناخ في بنجلاديش.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2025.

مقالات مختارة