
حتى نهاية نوفمبر 2022، كانت شركة OpenAI مجرد مختبر أبحاث صغير في مجال الذكاء الاصطناعي. لكن، كل ذلك تغيّر بين ليلة وضحاها مع إطلاق ChatGPT، الحدث الذي جعل الشركة تحت إدارة سام ألتمان تسابق الزمن لتتحول إلى عملاق تكنولوجي جديد، في مسار متسارع يشبه ما أنجزته شركات مثل غوغل وفيسبوك وآبل وأمازون ومايكروسوفت على مدى عقود، لكن في سنوات معدودة فقط.
منذ مطلع العام الحالي، لا يكاد يمر أسبوع دون إعلان جديد من OpenAI: إطلاق تطبيقات جديدة، توقيع صفقات ضخمة، وتحديثات في عديدة تطال خدماتها. جميع هذه الخطوات بحسب تقرير لموقع ذاماركر الاقتصادي تصب في اتجاه واحد، وهو تثبيت الشركة كقوة كبرى في عالم التكنولوجيا، ليس فقط من حيث القيمة السوقية بل أيضًا من حيث التأثير والهيمنة على المستخدمين. ومع ذلك، تبقى الشركة بعيدة عن أن تُعتبر “كبيرة لدرجة لا تسقط”، فأساسها المالي لا يزال هشًا، والمخاطر التي تحيط بها ضخمة بحسب تقرير ذاماركر.
في الأشهر الأخيرة، أصبحت OpenAI رسميًا أعلى شركة ناشئة قيمة في العالم بعد صفقة ثانوية لبيع أسهم الموظفين رفعت تقييمها إلى 500 مليار دولار. ويقدَّر معدل إيراداتها السنوي حاليًا بنحو 13 مليار دولار، رغم استمرارها في تسجيل خسائر كبيرة، وهو وضعٌ يشبه ما عاشته شركات التكنولوجيا في بداياتها. لكن المخطط المستقبلي الذي كشفت عنه الشركة يثير الدهشة: وفقًا لتقارير فايننشال تايمز، تعتزم إنفاق تريليون دولار خلال السنوات الخمس القادمة على البنية التحتية للحوسبة الفائقة، في وقت يسافر فيها ألتمان حول العالم، من آسيا إلى الخليج، باحثًا عن شراكات وتمويلات “إبداعية” لتحقيق هذه الرؤية الطموحة.
من الطبيعي أن تفكر الشركة في دخول البورصة كمصدر تمويل مستقبلي، ولهذا تعمل حاليًا على إعادة هيكلة شاملة لحل التعقيدات القانونية الناتجة عن كونها بدأت كمنظمة غير ربحية، تمهيدًا لطرح أسهمها للاكتتاب العام في واحدة من أضخم الطروحات المحتملة في تاريخ قطاع التكنولوجيا.
لكن قبل الوصول إلى ذلك، تحتاج OpenAI إلى تنويع مصادر دخلها، إذ إن نحو 70% من إيراداتها تأتي حاليًا من الاشتراكات في ChatGPT. ولهذا بدأت الشركة بإضافة خدمات جديدة، مثل إمكانية التسوق المباشر عبر ChatGPT بالشراكة مع Walmart وShopify وEtsy، وهي خطوة تمهّد لدخولها عالم التجارة الإلكترونية.
إلى جانب التسوق، يبدو أن الشركة تستعد أيضًا لدخول مجال الإعلانات الرقمية، وهو المجال الذي شكّل لعقود مصدر القوة الرئيسي لغوغل وفيسبوك. إذا دخلت OpenAI هذا السوق مستفيدة من المعلومات الشخصية الهائلة التي يشاركها المستخدمون معها أثناء محادثاتهم، فقد تحقق قفزة مالية ضخمة، لكنها في الوقت ذاته تفتح الباب أمام جدل واسع بشأن الخصوصية والتنظيم القانوني، بحسب ذاماركر.
من الأبحاث إلى تطبيق من بين الأكثر شعبية
بعد أن كانت مختبرًا علميًا يوظّف الباحثين والمبرمجين، تحولت OpenAI بسرعة إلى شركة تطرح منتجات جماهيرية ناجحة. فعدد مستخدمي ChatGPT الأسبوعي تجاوز 800 مليون مستخدم، ومع إطلاق تطبيق الفيديو الجديد Sora،الذي يشبه “تيك توك” لكنه يعتمد بالكامل على الذكاء الاصطناعي، أظهرت الشركة قدرتها على إعادة إنتاج النجاح. التطبيق حصد مليون تحميل خلال أقل من خمسة أيام، متفوّقًا على وتيرة ChatGPT نفسه عند الإطلاق.
ورغم الانتقادات التي طالت Sora بوصفه سيفتح الباب أمام فيض من المحتوى المزيف، إلا أنه يؤكد أن OpenAI وجدت المعادلة السحرية لتحويل نماذج الذكاء الاصطناعي إلى منتجات عصرية تخاطب الجيل الشاب.
وبحسب تقرير ذاماركر، أصبحت الشركة أيضًا قوة لا يستهان بها في سوق الشركات، إذ تتيح خدماتها عبر واجهات برمجة التطبيقات (API) لمئات الشركات حول العالم، ما يشكل نحو 30% من دخلها. بهذا تحوّل نظامها إلى قاعدة تعتمد عليها منتجات ذكاء اصطناعي خارجية كثيرة، ما يمنحها نفوذًا مضاعفًا يسمح لها في الوقت نفسه بجذب الشركاء ومنافستهم إن أرادت.

نحو منصة شاملة
في مؤتمر المطورين الأخير، عرضت OpenAI رؤيتها الجديدة: تحويل ChatGPT إلى منصة مركزية يمكن دمجها مع تطبيقات وخدمات خارجية. يستطيع المستخدم مثلًا أن يكتب داخل الدردشة: “أنشئ ملصقًا عبر Canva” أو “احجز فندقًا عبر Booking”، ليُنفذ ChatGPT هذه الأوامر مباشرة عبر التكامل مع التطبيقات. وتشمل هذه الشراكات حاليًا خدمات مثل Figma وSpotify وZillow، وسيضاف إليها لاحقًا Uber وDoorDash وغيرها.
الهدف هو أن يصبح ChatGPT بوابة الدخول إلى الإنترنت بأكمله، بحيث يجري كل شيء من خلاله دون الحاجة إلى التنقل بين التطبيقات. محللون شبّهوا هذا التوجه بمحاولة بناء نظام تشغيل جديد — مثل ويندوز أو أندرويد — لكن يعتمد على الذكاء الاصطناعي كمحرك رئيسي.
طموح الشركة لا حدود له
طموح الشركة لا يتوقف عند البرمجيات بحسب ذاماركر. في مايو الماضي، اشترت OpenAI شركة IO التابعة للمصمم الأسطوري جوني آيف (مصمم أجهزة آبل سابقًا) مقابل 6.4 مليارات دولار، لتطوير جهاز جديد يوصف بأنه “الآيفون الخاص بالذكاء الاصطناعي”. لم يُكشف بعد عن تفاصيله أو موعد طرحه، لكنه يُتوقع أن يكون نقطة التحول القادمة في تجربة المستخدم مع تقنيات الذكاء الاصطناعي.
تسعى OpenAI إلى امتلاك السيطرة على كافة طبقات التكنولوجيا: من المعالجات إلى الخوادم فالتطبيقات. الشركة أبرمت صفقة ضخمة مع Oracle لبناء مراكز بيانات، وتعمل بالتوازي مع شركات مثل Nvidia وAMD لتأمين إمدادات الرقائق الإلكترونية، بينما تطور بالتعاون مع Broadcom شرائح ذكاء اصطناعي خاصة بها بقيمة تقديرية تتراوح بين 350 و500 مليار دولار. هذه الخطوة تمنحها استقلالية تشغيلية وتحسن هوامش الربح، تمامًا كما تفعل اليوم كبريات شركات الحوسبة السحابية.
بين الطموح والمخاطرة
من الناحية النظرية، كل هذه الخطط ترسم صورة لعملاق تكنولوجي متكامل، قادر على الجمع بين البحث العلمي والتطبيقات التجارية الواسعة. لكن الواقع أكثر تعقيدًا: الشركة تحرق كميات هائلة من الأموال، وتخطط لإنفاق تريليون دولار إضافي دون أن يكون واضحًا بعد من أين ستحصل على التمويل.
في الوقت نفسه، بدأ الحماس حول الذكاء الاصطناعي يهدأ قليلًا، فيما تتزايد الشكوك بشأن تباطؤ التقدم نحو “الذكاء الفائق” الذي وعد به ألتمان. دخولها في مجالات الإعلانات وجمع البيانات الشخصية قد يجلب عليها عواصف تنظيمية، وأي فشل في هذه الاستراتيجيات قد يكشف أن OpenAI ليست سوى شركة ناشئة طموحة أكثر من اللازم، تخسر الأموال بمعدل لا يمكن تحمله.
وبحسب تقرير ذاماركر، إذا تعثرت الشركة أو انهارت، فإن سقوطها قد يهزّ سوق الذكاء الاصطناعي بأكمله، وربما يوقف موجة الحماس العالمية تجاه هذه التقنية التي وعدت بتغيير مستقبل البشرية.
مقالات ذات صلة: “اختطاف” عباقرة الذكاء الاصطناعي لا يتوقف: مهندس “سيري” ينضم إلى ميتا











