
مؤخرًا، تزايدت تصريحات كبار المديرين التنفيذيين في شركات التكنولوجيا حول استخدام الذكاء الاصطناعي كبديل محتمل للمبرمجين البشريين، في محاولة لإثارة إعجاب المستثمرين وتبرير موجات تقليص الوظائف في قطاع الهايتك. غير أن المعطيات والمراجعات الميدانية تكشف أن الطريق إلى استبدال المبرمجين لا تزال طويلة، وقد تكون وعود تلك الشركات أقرب إلى الترويج الإعلامي منها إلى الواقع المهني.
ووفقًا لتقرير صدر مؤخرًا عن “مصلحة الاستخدام والتشغيل“، فإن عدد الباحثين عن عمل في شركات الهايتك قد تضاعف منذ عام 2019، حيث تتركز الزيادة الأكبر في البطالة في مهن البرمجة الأساسية، مثل مطوري البرمجيات، الذين اعتُبروا سابقًا من أكثر الفئات طلبًا في سوق العمل.
أحد التفسيرات الرائجة لهذه الظاهرة يعزوها إلى التطورات السريعة في أدوات الذكاء الاصطناعي، مثل GitHub Copilot الذي أُطلق نهاية 2021، وWindsurf في 2022، وCursor في 2023. وقد جذبت هذه الأدوات اهتمامًا واسعًا نظرًا لقدرتها على إكمال كتاب الأكواد البرمجية تلقائيًا أو توليد كود جديد استنادًا إلى أوامر نصية.
وقد أعلنت شركات كبرى مثل Salesforce، Meta، وMicrosoft أن نسبة كبيرة من الأكواد تُنتج اليوم بواسطة أدوات الذكاء الاصطناعي، حيث صرّح مارك بينيوف المدير التنفيذي لشركة “سيلز فورس” أن الذكاء الاصطناعي ينفذ 30% إلى 50% من المهام في شركته، فيما كشف مارك زوكربيرغ عن خطط لتقليص عدد المهندسين البشريين، وأكد ساتيا ناديلا أن 30% من الكود في مايكروسوفت يُنتج آليًا.
لكن، بحسب تقرير لصحيفة ذاماركر، فإنّ هذه التصريحات لا تعكس بالضرورة الواقع التقني. ففي مؤتمر عُقد مؤخرًا في سان فرانسيسكو، عرض الباحث ييغور دينيسوف-بلانش من جامعة ستانفورد دراسة واسعة حللت أداء 100 ألف مبرمج عبر GitHub. وتبيّن أن أدوات الذكاء الاصطناعي حسّنت الإنتاجية بنسبة تصل إلى 40% في المهام البسيطة والمشاريع الحديثة. أما في المشاريع المعقدة والقديمة التي تضم ملايين الأسطر من الكود، فقد تراجعت الفائدة إلى 10% أو أقل، خاصة في المهام المعقدة.
الدراسة أظهرت أن أدوات الذكاء الاصطناعي تساهم في توليد كود جديد بنسبة تصل إلى 40%، لكن 15% إلى 20% من هذا الكود يتطلب مراجعة أو إصلاحًا من قِبل المبرمجين البشريين، ما يقلل فعليًا من تأثير أدوات الذكاء الاصطناعي.
تجربة أخرى نُشرت مؤخرًا من قِبل معهد METR شملت 16 مطورًا برمجيًا خضعوا لـ246 مهمة برمجية باستخدام أدوات مثل Cursor Pro وClaude من شركة Anthropic. وعلى الرغم من توقّعات المشاركين بتحسن الأداء بنسبة 24%، إلا أن النتائج أظهرت تباطؤًا في الأداء بنسبة 10%، خصوصًا في المهام التي يعرفونها مسبقًا. كما وافق المطورون على أقل من 44% من مقترحات الذكاء الاصطناعي، وقضوا 9% من وقتهم في مراجعة هذه المقترحات.
المطور كوينتن أنتوني الذي شارك في التجربة أشار في منشور له إلى أن “الإدمان على زر توليد الكود” يدفع المبرمجين لانتظار نتائج أفضل، بدلًا من إنجاز العمل بأنفسهم بسرعة، وهو ما يؤدي غالبًا إلى تشتيت الانتباه وقضاء وقت غير منتج في تصفح الشبكات الاجتماعية.
من ناحية أخرى، أشار تقرير مشترك صادر عن باحثين من جامعات بارزة مثل MIT، ستانفورد، وكورنيل إلى أن أدوات الذكاء الاصطناعي لا تزال تُختبر في بيئات مبسطة مقارنة بتعقيد الواقع البرمجي. وأكد التقرير أن الكود الناتج غالبًا ما يفتقر للمنطق، أو ينتهك قواعد التنسيق المتبعة، أو لا ينسجم مع البنية العامة للمشروع.
أرماندو سولار-لزاما، الأستاذ في قسم الهندسة الكهربائية وعلوم الحاسوب في MIT، صرّح بأن من يعتقدون أن الذكاء الاصطناعي سيقضي قريبًا على الحاجة إلى المبرمجين، يتجاهلون أن البرمجة لا تقتصر على كتابة الشيفرة. فهناك مهام إضافية كتحسين الكود القديم، توثيق العمليات، ورصد الثغرات، وتحسين الأمان. وهي مجالات لا تزال أدوات الذكاء الاصطناعي تفتقر فيها إلى الخبرة والفعالية.
في المحصلة، وعلى الرغم من الضجيج الإعلامي حول قدرات الذكاء الاصطناعي في صناعة البرمجيات، يبدو أن الحديث عن “استبدال المبرمج البشري” لا يزال مبكرًا، بل ربما هو أداة دعائية أكثر من كونه تصورًا واقعيًا لتطورات السوق التكنولوجي.
مقالات ذات صلة: تقرير جديد يرسم وجهًا صادمًا لقطاع الهايتك: عدد الباحثين عن عمل يتضاعف إلى 15 ألف











