
بينما يواصل الجيش الإسرائيلي حربه المدمرة على قطاع غزة، والذي خلّف حتى الآن عشرات الآلاف من القتلى ودمارًا شاملًا في كل مظاهر الحياة، تتسع دائرة التبعات لتصل إلى أحد أكثر القطاعات حساسية في إسرائيل: الأكاديميا والبحث العلمي. فمع تزايد الغضب الدولي من الانتهاكات الإسرائيلية في القطاع، تنمو الدعوات داخل أوروبا إلى إعادة النظر في العلاقة الأكاديمية مع إسرائيل، وخصوصًا مشاركتها في برنامج الأبحاث الأوروبي الأضخم “هورايزن” الذي يُعد شريان تمويل أساسي للجامعات ومراكز البحث.
برنامج “هورايزن أوروبا”، الذي تبلغ ميزانيته 95.5 مليار يورو على مدى سبع سنوات، يمثل رئة مالية وفكرية للتعاون الأكاديمي بين دول الاتحاد، وقد سمح لإسرائيل بالمشاركة فيه منذ أكثر من عقدين بموجب اتفاقات شراكة. لكن في الأسابيع الأخيرة، تصاعدت المطالبات بتجميد هذه الشراكة، بعد أن دعت عشر جامعات بلجيكية مرموقة — بينها KU Leuven — إلى وقف التعاون الأكاديمي مع إسرائيل، بسبب ما وصفته بـ”الهجوم العسكري المستمر على غزة والأزمة الإنسانية الناجمة عنه”، في انتقاد مباشر لصمت الاتحاد الأوروبي.
المخاوف في إسرائيل حقيقية. مسؤول في مجلس التعليم العالي الإسرائيلي حذر في تصريح لموقع كالكاليست من أن طرد إسرائيل من برنامج “هورايزن” سيكون بمثابة “إخراجها من أولمبياد العلم”، وقد يؤدي إلى هجرة العقول الأكاديمية نحو دول أوروبية يمكنهم فيها مواصلة أبحاثهم والحصول على التمويل. وهو ما سيشكل “ضربة قاصمة” للجامعات ومراكز البحث في إسرائيل، وسيهدد بتراجع مستواها.
التحذيرات لا تأتي من فراغ. أكثر من 700 حالة موثقة لرفض أكاديمي واجهها باحثون إسرائيليون منذ بداية عام 2025، بزيادة كبيرة عن الأشهر السابقة. هذه تشمل مقاطعات فردية، مثل رفض تحكيم أبحاث إسرائيلية أو استبعاد أكاديميين من مؤتمرات ومراكز بحث، لكنها تشمل أيضًا مقاطعات مؤسساتية واسعة، خاصة في هولندا وبلجيكا، حيث أعلنت جامعات كاملة عن تجميد التعاون.
وتزامن هذا التصعيد مع اجتماع عقده وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في 20 مايو، حيث بادرت هولندا إلى طرح مطلب بمراجعة اتفاق الشراكة الأوروبية مع إسرائيل، بما في ذلك برنامج “هورايزن”. ورغم أن تعليق الشراكة بالكامل يتطلب إجماعًا من 27 دولة، فإن تعليق إسرائيل من برامج محددة كـ”هورايزن” ممكن بموافقة 15 دولة تمثل 65% من سكان الاتحاد، وهو احتمال بات مطروحًا أكثر من أي وقت مضى.
من داخل الأوساط الإسرائيلية، هناك إدراك لتآكل الدعم الأوروبي التقليدي، حتى من الدول الحليفة. فقد صرّح السفير الإسرائيلي لدى الاتحاد الأوروبي مؤخرًا بأن “هناك انزلاقًا متسارعًا في المواقف”، وأن بعض الدول بدأت تقول علنًا: “كفى… أنهوا الحرب وقوموا بصفقة أسرى”.
ما يُقلق صناع القرار في إسرائيل أكثر، هو أن المقاطعة الأكاديمية ليست فقط رد فعل غاضب على الجرائم في غزة، بل آخذة في التحول إلى نمط مؤسسي ومنهجي. السيناريو الذي يُقارن بالمقاطعة المفروضة على الجامعات الروسية بعد غزو أوكرانيا، لم يعد مستبعدًا، بل قد يكون قريبًا ما لم تتغير سياسة إسرائيل على الأرض، وأبرزها وقف الحرب في قطاع غزة، والسماح بإدخال المساعدات وإعادة الإعمار.
مقالات ذات صلة: إذا استمرت الحرب في غزة، فإن كل أصل مرتبط بكلمة “إسرائيل” سيفقد قيمته











