مع مرور عام على اندلاع الحرب، كشف المركز الإسرائيلي للإدمان والصحة النفسية (ICA) عن تقرير مقلق يوضح مدى تأثير الحرب على الصحة النفسية للمواطنين. التقرير يظهر زيادات دراماتيكية في استخدام المواد المخدرة والسلوكيات الإدمانية وتفاقم أعراض اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD). 25% من السكان يستخدمون الآن موادًا تُسبّب إدمانًا بشكل خطر، وزادت استخدامات الأدوية المهدّئة بنسبة 2.5 ضعفًا، مع تزايد واضح في الإدمان على الجنس، القمار، وألعاب الفيديو.
منذ بداية الحرب في أكتوبر 2023، ارتفع عدد المستهلكين للمواد المخدرة، مثل الكحول والماريجوانا والأدوية الموصوفة، إلى 25% من السكان. الشمال شهد ارتفاعًا بنسبة 8.5% ليصل إلى 28% من السكان، فيما ارتفعت النسبة في تل أبيب بنسبة 5% وفي الجنوب بنسبة 4%. إلى جانب ذلك، ارتفع استخدام المهدئات بين السكان إلى 9.5% من إجمالي السكان.
لم يتوقف الأمر عند المواد المخدرة، حيث أظهر التقرير زيادة في الإدمانات السلوكية مثل إدمان ألعاب الفيديو، والقمار، ووسائل التواصل الاجتماعي، والممارسات الجنسية القهرية. ارتفع إدمان وسائل التواصل الاجتماعي إلى 8.1% في عام 2024 مقارنةً بـ 5.5% في 2022، في حين أن 14% من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و26 عامًا أصبحوا عرضة لإدمان القمار، مقارنةً بـ 6.7% من السكان عامة.
شهدت الحرب ارتفاعًا غير مسبوق في عدد الذين يعانون من أعراض “اضطراب ما بعد الصدمة” (PTSD). في بداية الحرب، وصلت نسبة المواطنين الذين يعانون من هذه الأعراض إلى 25%، أي ربع السكان، لكنها انخفضت إلى 17.4% بحلول عام 2024. ومع ذلك، لا تزال هذه النسب مرتفعة، حيث ارتفعت الحالات في منطقة الوسط بنسبة 7.8% وفي القدس والشمال بنسبة 6%. وتمّ تسجيل أدنى زيادة في حيفا بنسبة 2%.
عن هذا الموضوع، تحدّثنا في وصلة مع ناديا اسطفان، المعالجة المختصة بمجال الادمان:
هل ارتفاع الإدمان على المخدرات والمهدئات عند الشبيبة بدأ منذ فترة الكورونا أم السبب يعود إلى الحرب؟
العديد من الأشخاص تكون تجربتهم الأولى في المخدرات أو المهدئات ناجمة عن ضغط اجتماعي أو طيش، ولا يدمن جميعهم. الإدمان على هذه المواد يكون ناجمًا عن عدم القدرة على التعامل مع صعوبات معينة، فبعد التجربة الأولى، يكتشف الشخص أنّ هذه الموادّ وفّرت له “حلًّا” أو “ردًّا” على الصعوبات التي يواجهها، أو “جوابًا” لاحتياجات معينة قد تكون موجودةً لديه منذ الطفولة. وهكذا يشعر بأنّ هذه الموادّ ساعدته، فيلجأ إليها كثيرًا بعد ذلك، خصوصًا في أوقات الأزمات، مثل الحرب والكورونا، التي تساهم في تعزيز الشعور بالعزلة والخوف، وتزيد من ارتباط الأشخاص بالشاشات. الأمر لا يتعلّق بشكلٍ خاصّ بالحرب أو بفترة جائحة كورونا، بل يتعلّق بالأشخاص غير القادرين على التعامل مع صعوباتهم بالأساس، والتي تزداد حدّتها في أوقات الأزمات.
ما هي العلامات التي قد تكشف على إدمان الشبيبة على المهدئات او المخدرات؟
لكي يتحوّل استعمال هذه المواد إلى إدمان، فهناك معايير معينة يجب أخذها بعين الاعتبار. من ضمنها الكمية التي يستهلكها الشخص وإذا كانت تزداد مع الوقت، أي هل لديه سيطرة على الكمية المستهلكة أم لا؟ كذلك، نأخذ بالاعتبار الوقت من اليوم الذي يتمّ فيه الاستهلاك، إذ يتمّ ذلك في البداية ليلًا، في أوقات الوحدة، لكنّه قد يتمّ أيضًا خلال ساعات النهار مع تفاقم الاستهلاك والدخول إلى مرحلة الإدمان. في هذه المرحلة، تظهر مجموعة علامات واضحة تشير إلى ذلك، من ضمنها تغيير في مجموعة الأصدقاء، أو وجود أصدقاء جدد أكبر سنًّا فجأةً في حياة المدمن. بالإضافة إلى تعبٍ جسديّ وأرق، وصعوبات في الاستيقاظ. من العلامات الشائعة أيضًا العيون الحمراء وتوسّع البؤبؤ. كذلك، يصاب المدمن بشعور بالإحباط، وعدم القدرة على ممارسة الأعمال الاعتيادية اليومية. وقد تظهر سلوكيات مثل الكذب، والسرقة، والسهر لساعات متأخرة خارج البيت، والعصبيّة، خاصة عند تنبيه البالغين للمراهق. هذه العلامات قد توجد عادة في جيل المراهقة، لكنها لدى المدمن قد تكون أكثر وأشدّ حدّة.
لماذا نشهد في فترات التوتر والضغط ارتفاعًا في الإدمان على القمار والمشتريات؟
كل أنواع الإدمان في النهاية لديها أساس مشترك ومشابه، ويختلف الأمر من شخص إلى آخر. في موضوع القمار تحديدًا، هناك اختلافات أخرى تتعلّق عادةً بعائلة الشخص والبيت الذي تربّى فيه. ومن علامات الإدمان التي تظهر في حالة القمار بشكل خاصّ الكذب والسرقة. وتشبه حالة الإدمان على المشتريات حالة القمار أيضًا، حيث يزداد اللجوء إليهما في حالات الضغط كوسيلة للهروب. وهناك نقطة هامّة تخصّ القمار، ففي الفترات التي يزداد فيها التخوّف من الأزمات الاقتصادية، مثل حالة الحرب الحالية، يزداد اللجوء إلى القمار من طرف المدمن ذي الوضع الماليّ الصعب، حتّى يزيد “احتمالية” أن يربح أموالًا. فعند الحاجة المالية، أوّل ما يدور في بال المدمن هو اللجوء إلى القمار للحصول على الأموال، رغم أنّه يعلم أن نسبة فوزه بها قليلة جدًا.
ما هي إمكانيات العلاج ولمن يتمّ التوجّه من أجل ذلك؟
الجهة المسؤولة عن علاج الإدمان من جميع أنواعه، سواءً كان إدمان مواد سامّة كالكحول والمخدرات، أو سلوكيات كالقمار والجنس والمشتريات والطعام، هي وحدات موجودة في مكاتب الخدمات الاجتماعية في كلّ بلدٍ تقريبًا أو تابعة إليها. تساعد هذه الوحدات الأشخاص وعائلاتهم على العلاج من الإدمان، وتقدّم لهم علاجًا مجانيًّا. بعض البلدات لا يوجد فيها وحدات، ويستطيع المدمن التوجّه إلى الوحدة القريبة على منطقته. لكن، يوجد أشخاص يرفضون التوجّه إلى مكاتب الخدمات الاجتماعية خوفًا على سمعتهم أو اسمهم، أو خوفًا من اكتشاف المجتمع لأمر إدمانهم، إذ عند التوجّه إلى هذه المكاتب يتمّ فتح ملف باسمهم، وهو ما قد يشكّل عائقًا كبيرًا يمنعهم من التوجّه إلى هذه المكاتب حتّى لو كانوا يرغبون فعلًا في العلاج. لذلك، أصبحت تتوفّر في الفترة الأخيرة عيادات خاصّة من الممكن التوجّه إليها على حسابهم الشخصي.
هل من الممكن فرض العلاج على المدمن؟ كيف يمكن اقناع الفرد بالتوجه للعلاج وبأنّ في ذلك فائدة له؟
لا يمكن فرض العلاج في أغلب الحالات، إذ إنّ العلاج أمرّ يقوم به المدمن بشكل تطوّعي من تلقاء نفسه. يمكن فرض العلاج عند ارتكاب جريمة معينة أو مخالفة قانونية، مثل السرقات تحت تأثير المخدرات أو من أجل الحصول على الأموال للقمار، أو عنف تحت تأثير الكحول، في هذه الحالات قد تفرض المحكمة عليه علاجًا بدل الحبس.
العلاج هو عملية صعبة، حيث يحتاج المدمن أن يواجه الكثير من الصعوبات والمشاكل في حياته التي قد تعود إلى فترات قديمة كمرحلة الطفولة، وقد تتشكّل لديه صعوبة بالغة عند إعادة نبش الماضي والحديث عن هذه الأزمات والصدمات التي لجأ في الأساس إلى الإدمان كي يتجنّبها، وصعوبة إضافيّة تتعلّق بمحاولة تركه ما تعوّد عليه ولم يفكّر ربّما يومًا في تركه. العملية صعبة ومعقّدة، ولا يلجأ العديد من الأشخاص إلى العلاج إلّا عندما يدركون أنّهم بدأوا في خسارة أشياء ثمينة وهامّة بالنسبة إليهم، كالعائلة والصحّة والعمل، أو حين يتورطون مثلًا في السوق السوداء في حالة القمار، وتصلهم تهديدات لهم ولعائلتهم. من الممكن محاولة إقناع المدمنين على اللجوء إلى العلاج عبر طرح أسئلة عليهم تساعدهم في التواصل مع ذاتهم، وبأن يدركوا وقوعهم في مشكلة وبأنّهم بحاجة فعلًا إلى علاج، وأنّه من الممكن حلّ هذه المشكلة بنجاح. كذلك، من الممكن أن نعرّفهم على مدمنين “نظيفين”، استطاعوا الخروج من هذه الدائرة، الذين قد يشكّلون قدوة لهم. قد تتوجّه عائلات إلينا أيضًا من أجل نرشدها إلى التعامل الصحيح مع أحد أفراد العائلة الذي يعاني من الإدمان.