“شو قصتك!؟” | قصص ملهمة لمبادرين/ات قرّروا تحويل مسارهم المهنيّ لتحقيق شغفهم في الحياة
لم يكن الملل من الوظيفة هو ما دفع رنين شومر، الزوجة والأم لثلاثة أطفال، لتسلك طريقًا مختلفًا في حياتها. منذ بداية مسارها المهني، كانت تدرك أن الوظيفة ليست سوى محطة مؤقتة، وأنّ هناك منعطفًا قادمًا سيتطلّب منها التوقف والتريّث قبل الانطلاق من جديد. لم تكن رنين بحاجة إلى تطبيق يعمل بتقنية GPS لتحديد وجهتها؛ كان لديها خطة واضحة وأهداف محددة منذ البداية، وهذا هو مسار قصتها.
كيف بدأتِ حياتك المهنية؟
بعد إنهاء المرحلة الثانوية، كنت أرغب في دراسة السياحة، لكن والدي رفض الفكرة تمامًا بسبب متطلباتها التي كانت تشمل السفر والتنقل المستمر. في ذلك الوقت، قبل 25 عامًا، لم تكن ظروف الحياة كما الآن، ولم يكن سهلًا على فتاة في مقتبل العمر السفر كثيرًا، لذلك قررتُ دراسة تصفيف الشعر، وهو خيار كان أكثر قبولًا. عملتُ في هذا المجال لمدة خمس سنوات، لكن بعد ولادة ابني البكر، جواد، بدأت أشعر أنّ هذا العمل يتطلب مجهودًا كبيرًا، خاصة مع ساعات العمل الطويلة. لم أرغب في أن يُربّي الأقاربُ ابني، فقررت ترك هذا المجال والبحث عن مسار جديد.
كيف دخلتِ مجال السياحة؟
رغم زواجي المبكّر، لم أتنازل عن حلمي في دراسة السياحة. حصلت على شهادة وكيلة سفر وعملت لمدة خمس سنوات في إحدى وكالات السياحة الناجحة في الناصرة. كنت أعمل بنصف وظيفة لأتمكن من التوفيق بين عملي ورعاية أطفالي. خلال هذه السنوات، اكتسبت خبرة واسعة في التعامل مع الزبائن وتلبية احتياجاتهم. وقد فتح لي العمل آفاقًا جديدة وعزّز ثقتي بنفسي، حيث كانت أجواء المكتب مميّزة للغاية.
لكنّي، كنتُ أشعر أيضًا بالرغبة بالإنطلاق إلى فضاءات توفّر إمكانيّات أوسع، وتولَّد لديّ في الوقت ذاته شغفٌ جديدٌ للدراسة. فقرّرتُ، بعد 5 سنوات من العمل المكتبيّ، أنّ الوقت قد حان لتغيير مساري مجدّدًا. ومن حسن الحظّ أنّي غادرتُ مجال السياحة قبل الأزمات العديدة التي عصفتْ به، كجائحة كورونا والحرب الحالية.
كيف كانت خطواتكِ الأولى في مسارك الجديد؟
قرّرتُ أن أصبح معلّمة للسياقة، وهو مجالٌ قريبٌ منّي، لأنّ زوجي يعمل أيضًا معلّم سياقة، وقد قرّرنا تأسيس مشروعنا العائليّ الخاص معًا. وفي تلك الفترة التي بدأتُ فيها دراسة هذا الموضوع، أصبحتُ أمّا لثلاثة أطفال، عُمْر أصغرهم سنة، فكان عليّ الموازنة بين الدراسة وتربية أطفالي.
كانت مدّة الدراسة اللازمة لأن أكون معلمة سياقة مؤهّلة سنتين. وكانت تكلفة التعلّم باهظة جدًا، وصلت إلى 50 ألف شيكل. وكانت كذلك من أصعب المواضيع التي تعلّمتُها، إذ يُعدّ امتحان القبول الخاصّ بها من أصعب الامتحانات، حيث ينجح شخصٌ واحدٌ فقط من بين عشرة أشخاص يقدّمونه، ولا يُسمَح بالتقدّم إليه سوى مرّة واحدة في السنة. لم تكن فترة الدراسة سهلة، كنت أتعلم ثلاثة أيام في الأسبوع في حيفا، وأدرس بقية الأيام لوحدي في البيت.
ما أكثر ما يجذبكِ في مجال تعليم السياقة؟
موضوع السياقة شيّق جدًا ومتجدّد. معظم زبائني من الطلّاب، وهم يأتون من خلفيات متنوعة، وكل طالب له قصته الخاصة. هناك طلاب يفهمون بسرعة “عالطاير”، وآخرون يحتاجون إلى مزيد من الوقت والصبر. يتطلب الأمر منّي كثيرًا من التفهّم والذكاء الاجتماعي حتى أتمكن من تعليمهم القيادة الصحيحة. ولا يقتصر الأمر على ذلك فقط، بل عليّ أيضًا أن أغرس فيهم قيم الحذر والسلامة على الطريق، وكلّ ما يضمن عودتهم إلى بيوتهم سالمين دون أن يتسبّبوا بالضرّر لأنفسهم أو لغيرهم. وينبغي بالطبع تجهيزهم لاجتياز امتحان السياقة للحصول على رخصة القيادة.
كيف تصفين تجربتك في العمل كمستقلة؟
العمل كمستقلة له العديد من الإيجابيّات، حيث يمنحني حريةً في تنظيم وقتي واستقلاليّةً في اتّخاذ قراراتي، فلا أحتاج مثلًا أن أطلب الإذن من المدير للتغيّب عن العمل. وهذا أمرٌ هام جدًا بالنسبة إليّ كوني أُمًّا لثلاثة أولاد، حيث أُعطي الأولوية دائمًا لاحتياجات أولادي قبل متطلّبات عملي.
لكنّه يضع أمامنا أيضًا العديد من التحدّيات التي تحتاج يقظة وترتيبات خاصّة. عندما تكون موظفًا، تنتهي مسؤولياتك بانتهاء ساعات العمل. أمّا من يعمل بشكلٍ مستقلّ، فإنّه يجلب عمله معه إلى البيت. أنا أعمل لساعات طويلة، قد تمتدّ إلى 16 ساعة في اليوم. وأحتاج إلى إدارة كل شيء بنفسي، من الحسابات إلى الضرائب وحتى المصاريف، كتكلفة صيانة السيارة، وتجهيزاتها المختلفة، إذ يحتاج معلّمو السياقة مثلًا إلى تركيب دوّاسات خاصّة تكلّف تقريبًا 8 آلاف شيكل، وكاميرا داخل السيارة قد يصل ثمنها إلى 4 آلاف شيكل، بالإضافة إلى تأمينٍ خاصّ بتكلفة أكبر من تأمين السيارات العادية، حيث توجد احتمالية أكبر للتعرّض للحوادث أثناء التدريب على السياقة.
ما هي نصيحتكِ للباحثين عن مسارهم في الحياة؟
نصيحتي لكلّ شخص أن يختار للدراسة مجالًا يحبّه ويتوافق مع إمكانياته، وأن يكون في الوقت ذاته مناسبًا لاحتياجات سوق العمل. التعليم ليس مجرد شهادة، بل هو وسيلة لتأمين مدخول جيّدٍ يُمَكّننا من فتح بيتٍ والإنفاق على أولادنا وتوفير مستلزمات حياتنا.
من المهم أن يسأل كلُّ شخص نفسه خصوصًا في بداية حياته: أين أرى نفسي بعد عدة سنوات؟ وهل طموحي أن أكون موظّفًا أم مستقلًّا؟ لقد وجدتُ إجاباتي الشخصيّة على هذه الأسئلة، فبالنسبة إليّ، فإنّ الموظّف هو شخصٌ محدود الدخل والطموح في كثيرٍ من الأحيان. وقد جعلني تغيير مساري المهني أكثر شغفًا بالحياة، وحسّن من حالتي النفسية والمادية، وأكسبني خبراتٍ حياتية جديدة.