في إطار عملها كمستشارة استراتيجية وخبيرة في مجال التسويق لعشرات المصالح التجارية الكبيرة والصغيرة في المجتمع العربي، يحدث أن تصل لإقبال دحلة عدوي توجهات من أصحاب مصالح وشركات يبحثون عن مشترٍ للمصلحة، لكنها تؤكد لوصلة حصول طفرة خطيرة بعد الحرب في عدد المصالح العربية التي تبحث عن طريق للخروج من السوق تحضيرًا لمغادرة البلاد.
في البداية حدثينا قليلا عن نفسك.
أتا مؤسِّسة ومديرة شركة “شارك” المتخصصة في مجال التسويق والتخطيط الاستراتيجي. أسست الشركة سنة 2011، وقدمنا وما زلنا نقدم خدمات الاستشارة التسويقية والتجارية لمئات الشركات والمؤسسات في المجتمع العربي. أسست أيضًا كلية “شارك” للأعمال التي تقدم التوجيه المهني والتدريبات لأصحاب المصالح الصغيرة والمتوسطة ليكتسبوا المهارات اللازمة في كل ما يتعلق بعالم التسويق والمبيعات لإنجاح مصلحتهم التجارية. قبل العمل بشكل مستقل، أدرت لسنوات طويلة قسم التسويق للمجتمع العربي في خدمات الصحة العامة “كلاليت” وكنت مسؤولة عن كل نشاطات واستراتيجيات المؤسسة التسويقية في المجتمع العربي.
أنتِ تعملين عادةً على مرافقة أصحاب المصالح من خلال تزويدهم بالأدوات والمهارات التسويقية والإدارية لتحسين عمل المصلحة، وفي هذا السياق تتعاملين مع عشرات المصالح بشكل يومي، كيف تصفين وضع المصالح التجارية في هذه الفترة؟
بعد الحرب الأخيرة في 7 أكتوبر، دخلت العديد من المصالح في ضائقة كبيرة للغاية. هذه الحرب جاءت بعد فترة الكورونا التي ألحقت أضرارًا جسيمة بالمصالح، ولم يُتح لها الوقت الكافي للتعافي، لتأتي الحرب وتفاقم الأوضاع. الأذى الذي سببته الحرب لأصحاب المصالح كان هائلًا، ليس فقط في التسويق والمبيعات، بل أيضًا في مجالات الإدارة العامة، التدفق النقدي، القروض، والمبيعات.
تسببت الحرب في ضربة قاسية لأولئك الذين كانوا في وضع مالي غير متين منذ البداية، والذين لا يمتلكون رأس مال يعتمدون عليه. من خلال تجربتي الشخصية وليس استنادًا إلى دراسات، ألاحظ أن من بين كل خمس مصالح، توجد مصلحة واحدة على الأقل تفكر بشكل جدي في بيع نفسها، ومصلحة أخرى اتخذت قرارًا نهائيًا وتبحث عن مشتري. هذه الظاهرة هي نتيجة لتوقف العائدات لدى البعض، وعدم القدرة على توفير البضائع، وتحمل المصروفات، والالتزام بالعمال.
هذه المعطيات مقلقة للغاية، ففي فترة ما قبل الحرب، كانت واحدة من بين عشر مصالح تفكر في بيع نفسها، وكانت الأسباب مرتبطة بجائحة الكورونا. لكن خلال الشهر الأخير وحده، أعلنت عن بيع خمس مصالح، بينما في السابق كنا نعلن عن مصلحة واحدة كل شهر أو شهرين. هذا تحول كبير ومقلق.
ما هي العوامل التي تدفع أصحاب المصالح للتفكير في البيع؟ هل الحرب والخشية من تدهور الأوضاع الأمنية هي السبب الرئيسي؟
ليس كل من يتوجه إليّ للبحث عن مشتري يتكبد خسائر. بعض المصالح تحقق أرباحًا وتود استغلال هذا النجاح، بينما البعض الآخر متوازن. هناك أيضًا من بدأ يرى الخسائر ولكنه لا يستطيع الاستمرار بسبب الصعوبات في تأمين البضائع والحفاظ على العمال.
الكثيرون بدأوا اليوم بالتفكير أن الحل الأنسب هو أن يعملوا كموظفين وليس أصحاب مصالح مستقلة. البعض يفكر في نقل مصلحته إلى الخارج إذا سنحت له الفرصة، وآخرون يفكرون في العمل عن بُعد أو حتى الهجرة إلى خارج البلاد.
ما هي نسبة الذين يرغبون في مغادرة البلاد؟
هذه المسألة تتطلب عدة حسابات تشمل العائلة والأصدقاء. ولكن إذا نظرنا إلى الثلاثين صاحب مصلحة الذين ألتقي بهم أسبوعيًا، نجد أن اثنين أو ثلاثة منهم على الأقل يفكرون بشكل جدي في مغادرة البلاد. هذه النسبة كبيرة مقارنة بما كان عليه الوضع قبل الحرب، وبعضهم قد بدأ بالفعل في اتخاذ خطوات نحو ذلك.
ماذا عن تأثير تفشي العنف والجريمة المنظمة في البلدات العربية وانتشار ظواهر من الخاوة والابتزاز المالي بصورة غيرة مسبوقة المجتمع العربي؟
هذا الموضوع بالتحديد يعتبر أخطر ما يهدد المصالح العربية وخاصة المبادرين والمبادرات الذين يخططون لتأسيس مشاريعهم التجارية في مختلف المجالات، وهو الهاجس الذي يُسيطر على تفكيرهم وتخطيطاتهم، وفي كثير من الأحيان يكون السبب في عدم خوضهم لتجربة فتح مصلحة جديدة. على سبيل المثال، نخطط حاليًا لفتح مطعم جديد لأحد زبائني في مدينة باقة الغربية، وأول سؤال نسأله قبل اختيار موقع المطعم هو وضع الأمن والأمان في المنطقة وإذا كانت خالية نسبيا من مظاهر العنف.
المشكلة في هذا السياق هي الغياب التام للقانون والأجهزة الرسمية التي عليها مكافحة الجريمة وعصابات الإجرام. لا يمكن الحديث عن أي تطوير اقتصادي وتجاري في المجتمع العربي بدون توفير الحد الأدنى من الأمن والأمان المجتمعي.
عندما يتوجه إليكِ أصحاب المصالح للنصح، هل تبدأين بالبحث عن مشتري أم تحاولين إقناعهم بالعدول عن القرار؟
أنا لست في موقع يخولني إقناعهم بالعدول عن قرارهم إذا كانوا قد اتخذوا قرارهم بالفعل وهم مقتنعون بالخطوة. دوري يتمحور حول تقديم النصيحة فيما يتعلق بما هو الأفضل لمصلحتهم، وليس حياتهم الشخصية. أهم الاعتبارات هنا تتعلق بالتوقيت المناسب للبيع، وما إذا كان من الأفضل البحث عن شريك أو مستثمر، أو حتى نقل المصلحة إلى أحد أفراد العائلة.
هناك خشية لدى صاحب المصلحة من تأثير الإعلان عن بيع مصلحته على سمعتها، وهذا السبب يجعلهم يلجأون إليّ للقيام بهذه المهمة بشكل سري ومهني.
ما هي أبرز التحديات التي يواجهها أصحاب المصالح في ظل الحرب الحالية؟
التحدي الأبرز يكمن في الاستمرارية: الاستمرار في جذب الزبائن، توظيف العمال، وتوفير البضائع وسط العقبات المتعلقة بالاستيراد وارتفاع تكلفة المعيشة. هناك أيضًا مشكلة في الحصول على التمويل من البنوك، حيث أصبح من الصعب الحصول على قروض، وإن كانت متاحة، قد لا يكون لديهم القدرة على سدادها.
المستهلك العربي، هو العامل الأكثر تأثيرًا، فقد تغيرت حالته الشرائية بشكل كبير بعد الحرب. لم يعد لديه القدرة الشرائية التي كانت لديه في السابق، وأصبح أكثر حكمة وحذرًا في نفقاته.
هل الضرر الناتج عن الحرب متساوٍ بين المصالح العربية واليهودية؟
بالتأكيد لا. على الرغم من أن المصالح اليهودية القريبة من الحدود تأثرت بالحرب، إلا أن المصالح اليهودية عمومًا تتمتع بامتيازات ودعم حكومي أكبر من تلك العربية. خلال الحرب، أُنشئت صناديق دعم للمصالح المتضررة، ولكن عند النظر إلى المعايير، نجد أنها صُممت لاستثناء المصالح العربية.
العديد من المدن العربية تأثرت بشكل مباشر نتيجة توقف السياحة والمقاطعة، مثل الناصرة، شفاعمرو، طمرة، وغيرها. حتى مكاتب وشركات الاستشارة في المجتمع العربي تأثرت بقرار المصالح اليهودية تقليص استثماراتها في هذا المجتمع. ظنًا منهم أن المجتمع العربي سوف يتخذ نفس الخطوة بمقاطعة المصالح في المجتمع اليهودي وبالتالي يقررون تقليص الاستثمار
ما هي أكثر المصالح التي تضررت نتيجة الحرب؟
المصالح التي لا تقدم الاحتياجات الأساسية تعرضت لأضرار جسيمة، مثل قطاع المطاعم والترفيه والملابس والأحذية. في المقابل، هناك ارتفاع في الطلب على الخدمات التي تحسن الحالة النفسية، مثل الاستشارات النفسية.
حتى محلات التجميل التي كانت تشهد ازدحامًا خلال موسم الأعراس، تعاني الآن من انخفاض شديد في المبيعات والزبائن. على الرغم من استمرار الأعراس، إلا أن الناس أصبحوا أكثر حرصًا في نفقاتهم.
ما هي النصيحة التي توجهينها لأصحاب المصالح في هذه الفترة الصعبة؟
أنصح أصحاب المصالح بالتصرف بحكمة واختيار المستشار المناسب لمصلحتهم. من الخطأ الكبير الاعتماد فقط على نصائح العائلة، رغم أهميتها. يجب التوجه إلى خبراء مهنيين للحصول على استشارة ملائمة، مثل المستشارين الاقتصاديين، البنوك، المحاسبين، وشركات التسويق والإعلان. من الضروري الاستفادة من خبرات هؤلاء الخبراء لضمان اتخاذ القرارات الصائبة.