/
/
“الناس في إسرائيل لا يفهمون ما نمرّ به، المقاطعة واسعة جدًا لدرجة أننا لا نقطف الثمار عن الأشجار”

“الناس في إسرائيل لا يفهمون ما نمرّ به، المقاطعة واسعة جدًا لدرجة أننا لا نقطف الثمار عن الأشجار”

"من يريد أن يستورد وجع رأس اسمه المحاصيل الإسرائيلية؟ أفضل زبون لديّ قال لي: 'اتركني وشأني، لا أريد الشراء منكم'. هذه المقاطعة تقضي علينا".
أيقون موقع وصلة Wasla
wasla brands
1 1
«قد يختفي تمامًا قطاع التصدير الذي كان رائدًا في الماضي قبل أن ينهي نتنياهو ولايته.» تصوير: دافيد بويموفيتش / جيني.

 

“لماذا يحتاجنا أصحاب المتاجر الكبرى في أوروبا أو أستراليا؟ هل هم بحاجة إلى وجع الرأس؟” يتساءل شاي بتروف، مدير قسم المحاصيل في كيبوتس غازيت، وهو يشهد أمام عينيه ضياع موسم الحمضيات. “تحمل كل البضائع في المتاجر هناك اسم البلد المصدر. وعندما يرى ناشطو المؤسسات الداعية لمقاطعة إسرائيل بضائع إسرائيلية في المتاجر التي تبيع منتجاتنا هناك، يحتجون على وجودها ويثيرون الفوضى، ويقلبون البضائع. لا يريد أصحاب المتاجر التعامل مع مشاكل كهذه”.

يتكرر الأمر في كلّ عام. فمع كل موسم، يشهد أحد القطاعات الزراعية صعوبات هائلة ناجمة عن مشاكل متراكمة تتفاقم من موسم إلى آخر. ففي الصيف مثلًا، شهدت زراعة المانجو موسمًا سيئًا جدًّا، بسبب حرب الرسوم الجمركية التي شنّها ترامب. فبعد أن رفع الرئيس الأمريكي الرسوم الجمركية بشكل كبير على المنتجات القادمة من البرازيل، ردّ البرازيليون بإغراق السوق الأوروبية بالمانجو الخاص بهم. ما تسبّب بضربة غير مسبوقة لزراعة المانجو في إسرائيل، نظرًا لأن تكاليف القطف والتعبئة والنقل أعلى من نظيراتها في البرازيل. والنتيجة: بقاء ثمار المانجو على الأشجار دون أن تُقطَف.

“في العام الماضي، كان الزبائن الأجانب مترددين في الشراء منا، لكنهم هذا العام ببساطة لا يشترون منا شيئًا”

 

الآن، ونحن على أعتاب الشتاء، جاء دور الحمضيات. فإلى جانب المشاكل “الروتينية” التي تعاني منها زراعة الحمضيات مثل تكلفة المياه والأيدي العاملة، بالإضافة إلى أزمة المناخ التي جعلت القطاع الزراعي أكثر هشاشة وعرضة للتقلبات، يضطر المزارعون أيضًا إلى التعامل مع الصورة القاتمة لإسرائيل في العالم. ووفقًا لتقرير صادر عن مدير قطاع الحمضيات في “مجلس النباتات” بوزارة الزراعة، سُجِّل انخفاض بنسبة 35 بالمئة في الصادرات الإسرائيلية بين عامي 2024/5 و2025/6. وفي قطاع يكاد يكون إنتاجه موجّهًا بالكامل نحو التصدير، تُعدّ هذه كارثة ذات تبعات مستقبلية مدمرة.

2 1
«بستان كلمنتينا. أصحاب المتاجر الكبرى في العالم لا يوجعوا رؤوسهم بالبضائه الإسرائيلية» تصوير: إلياهو هَرشيكوفيتش.

 

ما مدى حجم مقاطعة المنتجات الإسرائيلية؟

يقول بتروف: “الناس في إسرائيل لا يفهمون ما نمرّ به، ولكن المقاطعة واسعة جدًا، لدرجة أننا لا نقطف الثمار عن الأشجار”. “في العام الماضي، كان الزبائن الأجانب مترددين في الشراء منا، لكنهم هذا العام ببساطة لا يشترون منا شيئًا. كان لدينا زبونٌ دائم في أستراليا، وكان أفضل زبون لدينا، فالسوق الأسترالي أكثر الأسواق ربحية. لكنه هذا العام لم يشتر منا ولو كيلو جرام واحد. قال لي: ‘اتركني وشأني، لا أريد الشراء منكم’. هذه المقاطعة تقضي علينا”.

انتهت الحرب، ألا تشعرون ببعض الارتياح؟

“انتهت الحرب ولكن الدعاية الإسرائيلية لم تعمل قبل الحرب، ولا خلالها ولا حتى اليوم. معاداة السامية لن تنتهي غداً صباحاً ولا تزال هناك تداعيات. الأزمة لا تنتهي لحظة انتهاء الحرب، ولا يوجد زرّ سحري يغيّر الوضع بين يوم وليلة”.

يتفق معه نيتسان روتمان، وهو مرشد وزارة الزراعة المختص في الحمضيات في منطقة الجليل والجولان والذي يرافق المزارعين، ويتحدّث عن بعد آخر للأزمة. “إحدى المشاكل التي نعاني منها هي أن المقاطعة لا تكون دائمًا علنية. الأشخاص الذين اعتدنا على العمل معهم في الماضي يقولون: ‘لدينا بالفعل بضائع من إسبانيا وتركيا، لا نحتاج إلى بضاعتكم’. وهذه في الواقع مقاطعة غير مرئية”.

يوضح روتمان أن المشكلة لا تقتصر على أوروبا فقط. “نصف محصول الجريب فروت الأحمر، على سبيل المثال، يُصدّر إلى الشرق الأقصى. ولكن في العامين الماضيين، أصبح الطريق عبر قناة السويس مسدودًا أمامنا بسبب هجمات الحوثيين، ولذلك اضطررنا للالتفاف حول إفريقيا بأكملها. وبدلًا من أن تستغرق بضائعنا 30–35 يومًا في الوصول إلى البلاد التي تستوردها، تصبح المدة 70–80 يومًا، وعندها تكون الثمار قد أصحبت طرية، وتصبح عملية التصدير كلها بلا جدوى. وهكذا تمّ إغلاق أسواق الشرق الأقصى أمامنا، إضافة إلى الأسواق في أوروبا الغربية، وهي الوجهات الرئيسية لصادراتنا، ولم تفتح أسواقًا بديلة أمامنا في المقابل”.

كان دائمًا يُنظر إلى قطاع زراعة الحمضيات على أنه محصّن. فماذا حدث؟

“بمجرد أن أُغْلِقَت أبواب التصدير أمامنا، واجه الإنتاج للسوق المحلية مشاكل هو الآخر، وبالتالي لا يُمكِن لهذا القطاع أن يظلّ صامدًا. مزارعو التفاح والكمثرى يواجهون مشاكل أيضًا. كانت منتجاتهم مربحة في الماضي، ولكن بعد ذلك فتحت الدولة الاستيراد وأضرت بهم، دون أن يسهم ذلك في خفض الأسعار فعلًا”.

“وزير الزراعة السابق قضى على إنتاج الثوم الإسرائيلي”

هل يسير البرتقال على خطى الثوم؟

قطاع الحمضيات في إسرائيل يتجاوز كونه رمزًا عاديًا، إذ يرتبط بأيام تأسيس الدولة وبصورة إسرائيل كـ”أرض البرتقال” المشمسة. في السبعينيات، كان هو القطاع الزراعي الرائد في إسرائيل من حيث التصدير، مع حوالي 420 ألف دونم من بساتين الحمضيات. اليوم لم يتبق سوى 143 ألف دونم تقريبًا، نتيجة لارتفاع تكاليف الزراعة (المياه، العمال الأجانب)، وسعر صرف العملة القوي الذي يصعب الأمر على جميع المصدرين، وتغيّر خريطة الإنتاج والاستهلاك عالميًا. أصبحت مصر وجنوب أفريقيا مصدرتين رائدتين وأرخص بكثير من إسرائيل، وفي الوقت نفسه يتزايد نفور المستهلكين في جميع أنحاء العالم من المنتجات الإسرائيلية.

يذكر روتمان ماندرين «أور» الإسرائيلية كمثال، ذات الجودة الأفضل عالميًا اليوم: “هذه الثمرة مطلوبة وبأسعار مرتفعة جدًا، لكن إذا كان المزارعون قبل 20 عامًا يحصلون على أربعة شواكل للكيلوغرام، فاليوم وبسبب قوة الشيكل انخفض ذلك إلى شيكلين فقط. وهذا غير مجدٍ لهم”.

هل بدأ المزارعون في اقتلاع البساتين؟

“لا يقتلعونها إلا بعد سنوات عديدة وعندما لا يكون هناك خيار آخر حقًا. أنت تعلم أنّ المزارعين متفائلين بطبعهم حيث يقولون: ‘العام القادم سيكون أفضل’. لكن تدريجيًا، يركز المزارعون على السوق المحلي وهذا يقلص القطاع. في الماضي، كان حجم بساتين ماندرين ‘أور’ في البلاد يبلغ 55 ألف دونم، وبسبب انخفاض الربحية تقلصت مساحاتها إلى 35 ألف دونم، وإذا اضطروا للزراعة من أجل الاستهلاك المحلي فقط، فلن يحتاجوا لأكثر من 15 ألف دونم. هذا هو السبب في الانكماش في السنوات الأخيرة. الإنتاج في هذا القطاع آخذ بالتقلص”.

3 1
أحد البساتين في البلاد. “لا نريد أصلًا التفكير في اقتلاع البستان” تصوير: إلياهو هَرشيكوفيتش.

 

نحن نتحدث عن الحمضيات – برتقال، كلمنتينا، ليمون، ماندرين، جريب فروت والبوملي– لكن هناك محصول واحد يطغى على المشهد كله، وهو الثوم. وزير الزراعة السابق، حتى قبل أن يغيّروا اسم وزارته إلى “الأمن الغذائي”، وعد بخفض غلاء المعيشة واختار بشكل غير مفهوم الثوم كنقطة بداية له. ألغى الرسوم الجمركية على استيراد الثوم، وهي خطوة تسببت بضرر بالغ للمزارعين الإسرائيليين، وفي النهاية لم ينعكس ذلك على الأسعار التي يدفعها المواطنون.

“عوديد فورير ألحق بنا خسائر مباشرة تبلغ قيمتها 30 مليون شيكل”، يقول بتروف. “كنت مديرًا عامًا لشركة ’شوم يسرائيل‘، وكان لدينا ألفا دونم واقتلعناها كلها. وماذا حصل؟ لم يتغير شيء. أسعار الثوم مرتفعة، وسلّة المشتريات لم تصبح أرخص، لكن لم يعد هناك ثوم إسرائيلي”.

هل يمكن أن يحدث ذلك لقطاع الحمضيات أيضًا؟

“يدففنا ذلك بالتأكيد للتساؤل إلى أين يتجه قطاع الحمضيات. أنا أقلّل الخسائر، وأحوّل كل إنتاج بساتيني نحو الصناعة، نحو العصائر، رغم أننا نربح أقل من نصف ما كنا نجنيه من التصدير. لكن ليست لدينا خيارات أخرى، نحن نحاول الحفاظ على الحمضيات في إسرائيل. لدينا بستان منذ عام 1960 ما زلنا نقطف منه، ولا أريد حتى التفكير في اقتلاعه”.

4 1
الحمضيات الإسرائيلية. انخفاض الصادرات بنسبة 35%. تصوير: موتي ميلرود

 

ويؤكد بتروف أن وزير الزراعة الحالي، آفي ديختر، يحاول أن يصغي للمزارعين لكنه لا يمنحهم ما يحتاجون إليه حقًا، وهو “مساعدتهم في دفع تكاليف المياه والرسوم المتعلقة بجلب العمال الأجانب من أجل الصمود في هذه الفترة”. وهذه أيضًا، برأيه، لن يكون كافيًا على المدى الطويل، ويجب على من يهمّه مستقبل الحمضيات الإسرائيلية أن يصلّي، لا من أجل حدوث تغيير محلي، بل من أجل وقوع أزمة عالمية. “عندما يسير كل شيء على ما يرام لدى الآخرين، فنحن ببساطة في مشكلة، لأن كل شيء عندنا أكثر تكلفة. وعندما تتوفر حمضيات من مصر وإسبانيا وأفريقيا، فمن يحتاج محاصيل إسرائيلية ذات حمولة سياسية ثقيلة؟“.

يضيف روتمان: “في الماضي كان لدينا وزير مالية اسمه بنحاس سابير، وكان يتجول بدفتره ويقوم بتخفيض العملة بجرّة قلم لصالح المُصدِّرين”. “اليوم لدينا سوق مستقل يسيطر عليه مشترو وبائعو العملات الأجنبية، وليس لدينا سيطرة حقيقية عليه. وهكذا، يُترك المزارعون إلى حد كبير بمفردهم في التعامل مع أسعار الصرف. وكذلك مع المقاطعة. أعلم أنهم أجروا اجتماعات ومشاورات، ولكن لا يوجد حاليًا ما يمكن فعله لمواجهة ذلك حقًا”.

كما يتفق روتمان أيضًا على ضرورة دعم المزارعين وتوفير شبكة أمان، على غرار ما يحدث في أوروبا حيث يضمنون للمزارعين الربح لحماية القطاع من الانهيار، ويضيف أن مستقبل الزراعة الإسرائيلية يكمن في الابتكار والتطوير. ولكنه لا ينسى التحذير بشأن الخطر الأكبر الذي كاد أن يُنسى تحت ضوضاء المقاطعة وإغلاق طرق التجارة: “حتى لو تغلبنا على الأزمة الحالية، ما زلنا لم نتحدث عن الأزمات الأخرى. لا يوجد مطر، لا توجد مياه، درجات الحرارة ترتفع. نحن نتجه نحو سنوات صعبة لقطاع الحمضيات الإسرائيلي“.

في مؤتمر عُقد في الولايات المتحدة عام 2019 قال يائير نتنياهو إنه قبل أن يتولى والده منصبه “كانت إسرائيل في وضع اقتصادي سيّئ للغاية وبلا تصدير تقريبًا، باستثناء البرتقال أو شيء من هذا القبيل”. وبالمعدل الحالي، يحذّر مزارعو هذا القطاع من أن قطاع التصدير الذي كان رائدًا في الماضي قد يختفي تمامًا قبل أن ينهي نتنياهو ولايته، بسبب خطوات حكومته التي أدت إلى مقاطعة غير مسبوقة.

المقال مُترجَم منشور في وصلة بإذن خاص من هآرتس 

مقالات مختارة