/
/
دماء على الطريق السريع إلى الهايتك: تقليص القرار 550 خيانة للمجتمع العربي ومستقبل البلاد

دماء على الطريق السريع إلى الهايتك: تقليص القرار 550 خيانة للمجتمع العربي ومستقبل البلاد

على الطريق السريع إلى الهايتك، يتدفق الدّم والأمل جنبًا إلى جنب - والدولة تغض البصر.
أيقون موقع وصلة Wasla
wasla brands
حديقة أزوريم التقنية في بتاح تكفا- المصدر: ويكيميديا
حديقة أزوريم التقنية في بتاح تكفا- المصدر: ويكيميديا

 

التقيت بشابة عربية تخرجت مؤخرًا مع شهادة بكالوريوس في علوم الحاسوب. حدّثتني بحماسةٍ عن وظيفة أحلامها وفخر عائلتها بفرصتها الأولى في التعليم العالي. لمعت عيناها إيمانًا بأن العمل الجاد سيقود إلى الإنجازات. ثمّ بعد أيام قليلة، سمعتُ أن ابن عمها قُتل. ضحية أخرى لموجة الجريمة في المجتمع العربي.

هذه المسافة بين الأمل بالمستقبل وقتامة الحاضر، هي الصورة الدقيقة لوضعنا في البلاد في العام 2025.

كان من المفترض أن نرى أرقامًا وبيانات تُشعرنا جميعًا بالارتياح، انطلاقًا من إيماننا بأن آفاقًا جديدة قد مُهدّت لأطفالنا

 

خلال العقد الماضي، أحرز المجتمع العربي تقدمًا ملحوظًا في مجال التعليم، حيث تضاعفت نسبة الطلاب العرب في الجامعات، وأصبحوا يشكّلون حاليًا حوالي 20٪ من إجمالي الطلاب في جامعات البلاد، وفي مجالات العلوم والهندسة، يُشكلون نسبةً أعلى تصل إلى 35٪. لكن وفي ذات الوقت، تُفجعنا المعطيات على أرض الواقع: 244 قتيلًا في عام 2023، و 230 في عام 2024، 223 ضحية إضافية حتى كتابة هذه السطور. وراء الأرقام – أسماء، وعائلات، وأحلام مُقطّعة، وقلق وجودي يُشلّ مجتمعًا بأكمله.

جعلت عقود من الإهمال المؤسسي المجتمع العربي أرضًا مشتعلة، يتفشّى فيها وباء الجريمة. وهذا فشل وطني وأخلاقي واقتصادي. الشباب الذين يفقدون الأمل والبوصلة ينجذبون إلى عالم الجريمة؛ والشباب الذين يستثمرون في دراستهم يواجهون حواجز غير مرئية في سوق العمل. والنتيجة: مجتمع يتعلم ويتفوق، لكنه يعيش في بلدٍ لا تريد استيعابه وانخراطه فيها.

عندما تصبح المساواة الاجتماعية شعارًا فارغًا تخسر ​​الدولة مليارات الدولارات

كانت خطة “تقدّم” (القرار 550) بمثابةِ وعدٍ بتغيير جذري في المجتمع العربي، يهدف إلى قلب المعادلة، ومعالجة كافّة المجالات من الجذور: التعليم والتوظيف والبنية التحتية والابتكار والتكنولوجيا المتقدمة، وتحويل المجتمع العربي إلى محرك نموٍّ حقيقي. إلا أنه وبعد خمس سنوات من إقرارها، تلاشى هذا الوعد. تأخرت الميزانيات، وتوقفت المبادرات، وعجز الوزراء المسؤولون عن تنفيذها، وعن استقطاب شركاء من قطاعات الأعمال والقطاع المدني والخيري والسلطات المحلية لدفعها قدمًا. خطة كان من المفترض أن تكون محركًا للنمو المجتمعيّ، علقت في الوزارات الحكومية التي استعملت محركًا معطّلًا لتشغيلها.

كان من المفترض أن نرى أرقامًا وبيانات تُشعرنا جميعًا بالارتياح، انطلاقًا من إيماننا بأن آفاقًا جديدة قد مُهدّت لأطفالنا. لكن الواقع مغايرٌ تمامًا للأسف. توجّه إلي مهندس شاب يبحث عن وظيفة في مجال التكنولوجيا المتقدمة منذ عام ونصف وسألني: “كيف يُمكن لبلدٍ يفخر بأنهُ بلد الهايتك والشركات الناشئة والابتكار، أن يكون في وضعٍ كهذا، حيث يجد شبابٌ متميزون أنفسهم عالقين بلا عملٍ ولا حياةٍ كريمة؟”.

ومع ذلك، الأمل موجود، والتغيير أمرٌ ممكن وغير مستحيل. يُقدم برنامج “فرصتك”، الذي تُديره وزارة العمل، نموذجًا يُتيح للمواهب العربية الاندماج في مجال التكنولوجيا المتقدمة. ليس بمنّةٍ من أحد، بل بفضل جدارة وموهبة هذه المواهب. يُثبت هذا البرنامج أن الاندماج المهني ليس بادرةً اجتماعية، بل استراتيجية اقتصادية حكيمة.

ميسم جلجولي، المديرة العامة لمؤسسة تسوفن تشبيك: "لقد قطعنا شوطًا كبيرًا، ومن المخيف التفكير في أن كل ذلك قد ينهار". تصوير: أور كابلان.
ميسم جلجولي، المديرة العامة لمؤسسة تسوفن تشبيك. تصوير: أور كابلان.

 

لكن الآن تحديدًا، وبينما يُثبت البرنامج جدارته، تهدّد وزيرة المساواة الاجتماعية بإلغاءه، في خطوةٍ تُجسّد قصورًا جوهريًا في فهم قيمته الاقتصادية والاجتماعية. هذه ليست مُفارقة فحسب، بل خطرٌ وطني. إن نية اقتطاع 2.9 مليار شيكل من القرار 550 للعامين 2025-2026 ليست مجرد إجراء مالي ظالم، بل إنها قرار كارثي يضر بالرأسمال البشري في البلاد. والهدف واضح: عرقلة مسيرة التنمية، وزعزعة الثقة، وتعميق الشرخ بين الدولة ومواطنيها العرب. وبذلك، ستستمر الجريمة في حصد الضحايا، وسيفقد التعليم غايته، وسيظل المجتمع العربي محرومًا من تحقيق إمكاناته الهائلة. لا يمكن مكافحة الجريمة من خلال زيادة عدد أفراد الشرطة فقط، بل يجب أن نستثمر في التعليم والتوظيف والبنية التحتية والرعاية الاجتماعية. هذا التخفيض ليس خيانة للمجتمع العربي فحسب، بل هو خيانة لمستقبل البلاد عامّةً.

المجتمع العربي لا يطلب الرحمة، بل يطلب فرصة

 

إن الدولة التي لا تعمل على دمج 20٪ من مواطنيها بشكل صحيح تُكبد خسائر بالمليارات سنويًا وتُضر بمكانتها الدولية. إن السياسة الاقتصادية المسؤولة لا تُضر بالقوى التي تُحرك مستقبلها. إن عدم دمج الشباب الموهوبين ليس ظلمًا اجتماعيًا فحسب، بل خطأ اقتصاديًا فادحًا. المجتمع العربي لا يطلب الرحمة، بل يطلب فرصة. إن النضال من أجل دمج الشباب في قطاع الهايتك والصناعات الرئيسية الأخرى هو أيضًا نضال من أجل هوية البلاد المستقبلية، لأن من يُعيق الميزانيات عن العرب يُعيق الاقتصاد الإسرائيلي.

على الحكومة الإسرائيلية أن تختار: إما الرّهان على المستقبل والاستثمار في رأس مال بشري مُبدع، أو الاستمرار في خسارة الفرص والأرواح والمستقبل. المستقبل لا يزال مفتوحًا. إذا اختارت الدولة الاستثمار ببناء الثقة والشراكة بدلًا من الخوف والتمييز، يُمكننا جميعًا السير على نفس الطريق، ليس فقط نحو الهايتك والتكنولوجيا المتقدمة، بل نحو مجتمع أكثر إصلاحًا.

حتى تتمكن الشابة الطموحة التي قُتِل ابن عمها من تحقيق أحلامها، وحتّى لا تسقط ضحيةٌ أخرى من أقربائنا، علينا أن نستيقظ الآن.

*ميسم جلجولي المديرة العامة لمؤسسة تسوفن-تشبيك.

مقالات ذات صلة: توسّع “إينفيديا” في الشمال خبر سار لمواهب الهايتك في المجتمع العربي

مقالات مختارة