
شهد عالم التكنولوجيا الأسبوع الماضي حدثًا أثار الإعجاب والقلق في آنٍ واحد، مع إطلاق نسخة جديدة من تطبيق الفيديو (Sora) التابع لشركة OpenAI، وهو تطبيق يسمح بإنشاء مقاطع فيديو فائقة الواقعية باستخدام الذكاء الاصطناعي. ورغم أن النسخة الجديدة أُتيحت فقط لمجموعة محدودة من المستخدمين، فإن التجارب الأولى أظهرت أن ما كان يُعتبر خيالًا تقنيًا أصبح واقعًا ملموسًا… ومقلقًا.
يصف صحفيان من صحيفة نيويورك تايمز تجربتهما مع التطبيق بأنها مذهلة ومزعجة في الوقت نفسه. فقد أمضيا ساعات يشاهدان مقاطع قصيرة تُظهرهما في مواقف غير معقولة تمامًا: أحدهما يقفز بالمظلة مستخدمًا قطع بيتزا كبديل للمظلة، والآخر يلعب البيسبول أمام جمهور من الروبوتات. وفي مقاطع أخرى ظهر أحدهما يقاتل رونالد ماكدونالد (مهرج مطاعم ماكدونالدز) في مشهد مستوحى من فيلم ذا ماتريكس مستخدمًا البرغر كسلاح، بينما أرسل لاحقًا مقطعًا لنفسه يرقص مع كلبه أو يجلس على عرش من الجرذان. المشاهد كانت واقعية لدرجة أن بعض زملائهما اعتقدوا أن المقاطع حقيقية.
الصحفيان أدركا سريعًا أن «Sora» ليس مجرد تطبيق عادي لإنشاء الفيديوهات، بل شبكة اجتماعية تشبه في تصميمها وأسلوبها تطبيق «تيك توك» من حيث واجهة الاستخدام، ونظام التوصيات، والتفاعل بين المستخدمين. الفارق هذه المرة أن المستخدم لا يحتاج إلى كاميرا أو مواقع تصوير، بل يكفي وصف نصي بسيط ليحصل على فيديو تشبه الحقيقة خلال دقائق معدودة.
ورغم الإبداع المبهر، بدأت المخاوف تظهر فورًا. فبعض المستخدمين الذين حصلوا على إمكانية الوصول المبكر للتطبيق استخدموه لإنشاء مقاطع تتضمن شخصيات من أعمال فنية محمية بحقوق التأليف، مثل شخصيات «ريك ومورتي» و«بيكاتشو». كما نشر الصحفي مايك أحد المقاطع التي أنشأها على صفحته في «إنستغرام»، وسأله أصدقاؤه إن كان هو فعلًا الشخص الظاهر في الفيديو، ما أثار تساؤلات حول احتمال فقدان القدرة على التمييز بين الحقيقي والمزيف.
الأخطر من ذلك هو أن هذه التقنية قد تُستخدم لتوليد مقاطع مزيفة (Deepfakes) لأشخاص حقيقيين، ما قد يغذي موجات التضليل الإعلامي حول العالم. فالمقاطع التي يمكن إنشاؤها بسهولة عبر «Sora» قد تُظهر أحداثًا لم تقع أصلًا، لكنها تبدو واقعية لدرجة قد تدفع الناس إلى تصديقها والتفاعل معها في الواقع. ورغم أن هذا الخطر موجود أصلًا في أدوات أخرى، إلا أن سهولة وسرعة استخدام «Sora» ترفع مستوى القلق إلى حد غير مسبوق.

تتيح المنصة للمستخدمين مسح وجوههم ضوئيًا ليظهروا في المقاطع كأفاتارات واقعية، أو حتى استخدام صور أشخاص آخرين، بمن فيهم الرئيس التنفيذي لـ OpenAI سام ألتمان. تُطلق الشركة على هذه الميزة اسم “Cameos”، اقتباسًا من تطبيق شهير يسمح بشراء مقاطع فيديو شخصية من المشاهير. إلا أن خبراء أمن المعلومات يرون في هذه الميزة بابًا خطيرًا لأنواع جديدة من الاحتيال والتزييف الرقمي. فقد انتشر مؤخرًا مقطع وُلد باستخدام «Sora» يُظهر «نسخة مزيفة من سام ألتمان» تسرق شريحة حاسوب من متجر، بدا وكأنه التُقط بكاميرا مراقبة. وعلّقت ريتشل توبيك، المديرة التنفيذية لشركة SocialProof Security، قائلة: “لم نرَ من قبل طريقة أسهل وأسرع لإنتاج مقاطع ديب فيك حقيقية المظهر بهذا الشكل”.
تحاول OpenAI فرض قيود معينة على المحتوى الذي يمكن إنشاؤه. فالتطبيق يمنع إنتاج مواد ذات طابع جنسي أو استخدام شخصيات محمية بحقوق ملكية فكرية دون إذن. يمكن مثلًا إنشاء مقطع يتضمن شخصيات من مسلسل «ساوث بارك»، لكن لا يُسمح باستخدام شخصيات «باتمان» أو «سوبرمان». كما تتيح الشركة لأصحاب الحقوق تقديم اعتراض رسمي إذا لم يرغبوا باستخدام أعمالهم داخل النظام، على أن يُفحص كل طلب بشكل فردي.
ورغم تلك القيود، أثارت المقاطع التي تسربت من «Sora» إلى الشبكات الاجتماعية موجة واسعة من الدهشة والريبة. البعض رأى فيها إنجازًا تقنيًا مدهشًا، وآخرون وصفوها بأنها بداية عصر جديد من «القمامة الرقمية» — وهو مصطلح يستخدمه النقاد لوصف الكم الهائل من مقاطع الذكاء الاصطناعي عديمة المعنى التي تغرق الإنترنت.
في المقابل، تبدي هوليوود قلقًا متزايدًا من طريقة استخدام «Sora» لصورة المشاهير دون تعويضهم. وبعد يوم واحد من إطلاق التطبيق، أرسلت وكالة المواهب الأميركية WME مذكرة إلى وكلائها تؤكد فيها أنها ستتخذ خطوات قانونية لحماية زبائنها من الاستخدام غير المرخص لصورهم.
ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن التطبيق الجديد يملك قوة جذب هائلة. فحتى المستخدمون الذين ليست لديهم أي خبرة في صناعة الفيديوهات استطاعوا خلال دقائق إنتاج مقاطع واقعية تمامًا، مستخدمين القليل من الخيال وكثيرًا من قدرات الذكاء الاصطناعي. أحد المقاطع التي أنتجها الصحفيان أظهرهما يتصارعان للفوز بلقب “أفضل صحفي تقني في العالم”، وهو فيديو استغرق توليده بضع دقائق فقط من المعالجة الحسابية.
مقالات ذات صلة: فوق ظهر حصانين أو على سطح القمر: تطبيق Sora الجديد من OpenAI يصنع لك فيديو في أي موقف تتخيله











