/
/
“أغلى من قسط مدرسي” : لماذا كانت تكاليف المخيمات الصيفية مرتفعة جدًا هذا العام؟

“أغلى من قسط مدرسي” : لماذا كانت تكاليف المخيمات الصيفية مرتفعة جدًا هذا العام؟

أبلغ الأهالي في كافة مدن البلاد عن صدمتهم من ارتفاع أقساط المخيمات هذا العام، بنسبة تراوحت بين 20% و40%، حتى في البلدات التي اعتادت على مبادرات محلية منخفضة التكلفة، فما هي أسباب ذلك؟ وكيف كانت تجربة الأهالي مع المخيمات في البلاد هذا الصيف؟ الأهالي ومديري المخيمات يتحدثون مع وصلة عن تجربتهم.
أيقون موقع وصلة Wasla
wasla brands
f75e427a 919c 4371 ac99 c1684ad9105f
الفتى نبيل عرطول مشارك بمخيم الاتحاد الأكاديمي

قبل أن تبدأ العطلة الصيفية بأسابيع، عانت رنين دباس، وهي أمٌّ عاملة من مدينة الناصرة، لإيجاد مخيم صيفي لطفلها البالغ من العمر خمس سنوات. فما يبدو في البداية كأمر بسيط، يصبح أكثر تعقيدًا عند محاولة الملاءمة بين عدة عوامل، مثل الفعاليات المقدمة للطفل، وتكاليف المخيم، وبعده عن البيت.

“بدايةً سجلت ابني في مخيم قريب من بيتنا، بتكلفة 1500 شيكل لأسبوعين، لكنه لم يُحب الأجواء هناك. ثم نقلته إلى مخيم الشبيبة الذي كلفني 1200 شيكل لأسبوعين، وكان سعره أفضل من غيره، فمعظم المخيمات مكلفة جدًا وتطلب 1000 شيكل لأسبوع واحد، وإذا أردت أن أضع ابني في مخيم صيفي لشهرين، فعلي أن أدفع 4200 شيكل! قسط المدرسة السنوي لا يصل إلى هذا الرقم”.

تجربة رنين لم تكن استثنائية هذا الصيف، إذ أبلغ الأهالي في كافة مدن البلاد عن صدمتهم من ارتفاع أقساط المخيمات، حتى في البلدات التي اعتادت على مبادرات محلية منخفضة التكلفة. وبحسب شهادات ومقابلات ميدانية، فإن تكلفة المخيمات الصيفية ارتفعت هذا العام بنسبة تراوحت بين 20% و40% في بعض المناطق، وهو ما انعكس مباشرة على قدرة العائلات على تسجيل أبنائها، خاصة في ظل موجة غلاء عامة طالت المواصلات، والمواد الغذائية، والخدمات.

“كل سنة ندفع أكثر” 

شادي عرطول، من بلدة المغار، اختار أن يرسل ابنه نبيل، 12 عامًا، إلى مخيم “الاتحاد الأكاديمي” في حيفا رغم بُعد المسافة: “دفعنا هذا العام 2200 شيكل، بالإضافة إلى 600 شيكل للسفريات. صحيح أن المبلغ ليس بسيطًا، لكن الفعاليات متنوعة وممتعة والمخيم منظم بشكل ممتاز. كأهل، نبحث عن تجربة تنمي ثقة أولادنا بأنفسهم، والمخيم يقدم ذلك”.

لكنه يضيف أن الأسعار ترتفع تدريجيًا عامًا بعد عام: “كل سنة ندفع أكثر، حوالي 100 إلى 200 شيكل زيادة. وهذا العام تحديدًا شعرنا بالفرق. لكن في المقابل، عدد الفعاليات زاد، وهناك تنوع حقيقي في الأنشطة”.

نبيل لم يكن مهتمًا بالمخيمات القريبة في بلدته المغار، فقد كان تركيزه منصبًا على هذا المخيم تحديدًا، رغم أنه بعيد عن بلدته. “كنت أريد هذا المخيم لأنه يقدّم لي كل ما أريده”، يقول نبيل، مشيرًا إلى وجود 42 مشاركًا من بلدات مختلفة، ما يمنح المشاركين فرصة للتعرف على أصدقاء جدد من خلفيات متنوعة.

الاتحاد الأكاديمي
مخيم الاتحاد الأكاديمي

“1600 شيكل لكل طفل، لكن لن أسجّل أولادي في مخيم بلا رحلات”

أما سهير خوري، التي تعمل في مجال السياحة الخارجية وتسكن في الناصرة، فقد دفعت 1600 شيكل عن كل طفل من طفليها (13 و8 سنوات)، عند تسجيلهما في مخيم “الصيف للكيف” في الناصرة الذي يعمل خمسة أيام في الأسبوع، ويقدّم رحلتين أسبوعيًا، وحصلت على خصمٍ بسيط قدره 50 شيكلًا مقابل تسجيل طفلين. “أعلم أن المبلغ كبير، لكني لا أرى فائدة في دفع 500 شيكل على مخيم داخل مدرسة، بلا رحلات، ولا فعاليات مثيرة للأطفال. فماذا أكون حينها قد قدمتُ لابني؟”.

تدرك سهير أن البلاد تعيش موجة غلاء واسعة، لكن ما يخفف من وطأة ذلك أنّ المخيم منظم جيدًا ويقدم لطفليها تجربة مميزة وممتعة وفعاليات جديدة، وتقول بهذا الصدد: “لم أفكّر أبدًا أن أنقل أولادي إلى مخيم آخر، لأنني شعرت أن القيمة التي يحصلون عليها توازي ما أدفعه. طفلاي سعيدان جدًا فيه، ويريدان العودة إليه كل يوم، وذلك أفضل من أن يبقيا جالسين في البيت أمام التلفاز وأنا في عملي”.

وعن وقت انتهاء المخيم وتأثيره على الأهل، تعلّق سهير: “كنت أتمنى لو كان المخيم ينتهي يوميًا في الساعة الثانية بدلًا من الواحدة، فهذا يسهل علينا كأهل، لكنني أتفهم أن هناك معلمات أمهات أيضًا، ويردن العودة إلى بيوتهن”.

الصيف للكيف مخيم
من فعاليات مخيم “الصيف للكيف”

“أسبوعان فقط، وبعدها لا إطار لذوي الاحتياجات الخاصة”

حنة سعادة، من بلدة كفر ياسيف، هي والدة لطفلة من ذوي الاحتياجات الخاصة، تحدثت إلينا عن تجربتها الأكثر تعقيدًا، فبين قلة الأطر المناسبة وغلاء الأسعار، تجد نفسها مضطرة للتعامل مع واقع محدود الخيارات. “المخيم المدرسي التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية كلفنا فقط 100 شيكل كتأمين، واستمر حتى 15 آب، لكن بعد ذلك؟ لا يوجد مخيمات، وأُخطّط لأخذ ابنتي في رحلات إلى البحر أو برك السباحة، فهذه المشاوير أقل تكلفة من أي مخيم خاص”.

وعن باقي المخيمات المتوفرة في البلدة، تقول: “لدينا في كفر ياسيف مخيمات كنسية خاصة، وكانت توجد أيضًا مخيمات تابعة للمجلس المحلي، لكن على حد علمي، لم تُنظَّم هذه المخيمات منذ جائحة كورونا”. وتضيف: “لا توجد في بلدتنا مخيمات خاصة مخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة خارج الإطار المدرسي”.

يثقل ارتفاع تكاليف المخيمات الخاصة غير المدعومة كاهل الأسر، ويضاف إليها أيضًا تكاليف المواصلات، وفي هذا الصدد تقول حنة: “مخيم صيفي خاص قد يكلف من 1000 إلى 1200 شيكل للطفل الواحد، فكيف ستتعامل أسرة لديها أكثر من طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة مع الوضع؟”.

رغم أن حنّة لا تعمل حاليًا، إلا أنها لديها العديد من الالتزامات اليومية في بيتها، وهي ترغب كأي أمّ بأن تنال ابنتها الرعاية الملائمة: “لا أستطيع تحمّل تكلفة جليسة أطفال، وأنا كأيّ أم بحاجة لإطار يرعى ابنتي وتشعر فيه بالأمان”.

“منطلع راس براس”

على جانب الآخر من هذه القضية، يعاني المسؤولين عن المخيمات الصيفية من ارتفاع تكاليف تشغيلها أيضًا. “الفعالية التي كانت تكلفنا 40 شيكل، أصبحت تكلف 70 أو حتى 100 شيكل هذا العام، وبعض المزودين يطلبون 100 شيكل للفعالية الواحدة”، يقول عنان جرجورة، مدير مخيم “الصيف للكيف”، ويضيف: “الميزانية التشغيلية ارتفعت بنسبة 25% مقارنة بالعام الماضي. لا نربح شيئًا. نغطي التكاليف فقط، ونخرج راس براس”.

مخيم “الصيف للكيف” استقبل نحو 400 طفل هذا الصيف، ويعمل فيه 22 معلمًا و60 متطوعًا. كلفة التسجيل للطفل الواحد بلغت 1600 شيكل، لكن يتم منح إعفاءات تصل إلى 70% للعائلات المحتاجة. “27 عائلة حصلت هذا العام على إعفاء تام. لا نقبل أن يُقصى أي طفل لأسباب اقتصادية. لكننا لا نستطيع استيعاب الجميع، وهناك 100 طفل لم نجد مكانًا لهم”، يوضح جرجورة.

الصيف للكيف
عنان جرجورة، مدير مخيم “الصيف للكيف”

ويؤكد جرجورة: “نحاول دائمًا ألا نفرض أسعارًا مرتفعة على الأهل نظرًا للأوضاع الصعبة، لكن الواقع الاقتصادي والارتفاع الكبير في تكلفة الفعاليات والمزودين يجعل من ذلك مهمة شبه مستحيلة”.

“نعتمد فقط على رسوم التسجيل”

بسيم عصفور، رئيس مجلس الطائفة الأرثوذكسية في الناصرة، يشرف على المخيم الأكبر في المدينة الذي يضمّ 1500 طفل (من عمر 6-12 عامًا) و300 موظف (100 مرشد و200 مساعد). ويؤكد أن المخيم، الممتد على مدار 16 يومًا، يعتمد في تمويله ما يدفعه الأهل فقط: “كل الميزانية، التي بلغت نحو مليون و400 ألف شيكل بسبب زيادة عدد المشاركين، تأتي من رسوم التسجيل”.

السبب في ارتفاع الكلفة يعود إلى غياب أي دعم من بلدية الناصرة أو الوزارات، خاصة أن أنظمة العطاءات الحكومية لا تتيح دعمًا مباشرًا للجمعيات. “البلدية تمر بأزمة مالية، ولا يوجد دعم لمخيماتنا. نحن نعمل وحدنا، ونقدم إعفاءات كاملة وفق لجنة تخفيضات خاصة”.

وأضاف عصفور: “اضطررنا لقبول عدد أكبر هذا العام نتيجة نقص المخيمات الصيفية في المدينة، خاصة مع غياب المخيمات التابعة لبلدية الناصرة، والتي تمر بأزمة مالية، ما جعلنا في غنى عن طلب أي تمويل منها”.

بسيم عصفور
بسيم عصفور، رئيس مجلس الطائفة الأرثوذكسية في الناصرة

وفيما يخص التسهيلات، أكد عصفور وجود إعفاءات كاملة لبعض العائلات وخصومات لعائلات أخرى حسب جدول مُحدد، حيث تتولى لجنة تخفيضات فحص الحالات وتقديم المساعدة اللازمة.

وحمل المخيم هذا العام عنوان “طين وعجين”، في إشارة إلى التأكيد على الجذور والتراث، ويؤكد عصفور أن للمخيم دورًا مهمًا في إخراج الأولاد من البيت، وإبعادهم عن الآفات الاجتماعية، ووضعهم في إطار آمن يسهم في تطوير شخصياتهم ودعمهم نفسيًا واجتماعيًا.

طين وعجين
مخيم طين وعجين

“دعم حكومي محدود، وعدد المسجلين انخفض للنصف”

في مدينة طمرة، تدعم وزارة المعارف المخيمات حتى الصف الثالث فقط، وهي مجانية بالكامل لحوالي 3500 طفل. “لكن ما بعد الصف الثالث، يوجد رسوم، وهي 500 شيكل للطفل، مع تخفيض 50 شيكل للطفل الثاني”، يقول شهاب ياسين مدير مركز العمل الجماهيري في طمرة.

ويوضح ياسين أن المدينة تُنظم أيضًا مخيمًا للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث يُشرف على كل 28 طفلًا معلمٌ مسؤول، ويُقدَّم لهم الطعام، وتُجرى لهم الرحلات، وتقدّم أيضًا خدمات السفريات دون أي رسوم إضافية حتى الصف الثالث.

شهاب ياسين
شهاب ياسين مدير مركز العمل الجماهيري في طمرة

وأشار ياسين إلى أنه في السنوات السابقة، كان الأهالي يدفعون ما بين 350 إلى 400 شيكل تكاليف المخيم، وكان يُسجَّل ما يقارب 400 طفل. أما اليوم، فقد انخفض عدد المسجلين إلى نحو 100 فقط، بسبب الارتفاع الكبير في التكاليف. وعلّل هذا الارتفاع بزيادة أسعار المواصلات، حيث ارتفعت تكلفة السفريات من 200 إلى 500 شيكل، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الوقود والخبز، ما أدى إلى زيادة تكلفة الوجبات، وبالتالي ارتفاع تكاليف المخيم ككل.

وعن التمويل وإشراف وزارة المعارف يقول ياسين: “تُجرى فحوصات دورية من قبل وزارة المعارف لمراقبة سير المخيمات، وفي نهاية كل دورة يُقدَّم تقرير مفصل للوزارة التي تُموّل بدورها النفقات بناءً على معايير دقيقة، منها ضرورة تخصيص معلم لكل 28 طالبًا، وأن يعمل المعلم 90 ساعة خلال فترة المخيم. كما تشمل الميزانية وجبة طعام لكل طالب، بتكلفة يومية تصل إلى 8 شيكل”. واختتم ياسين بالقول إن الهدف من المخيمات ليس ربحيًا، لكن لا يمكن تحمل الخسارة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية.

 مقالات ذات صلة: “المطبات الهوائية لا تتوقف منذ كورونا”: كيف واجهت المكاتب السياحية العربية أزمة جديدة خلال الحرب مع إيران؟

مقالات مختارة