/
/
“المطبات الهوائية لا تتوقف منذ كورونا”: كيف واجهت المكاتب السياحية العربية أزمة جديدة خلال الحرب مع إيران؟

“المطبات الهوائية لا تتوقف منذ كورونا”: كيف واجهت المكاتب السياحية العربية أزمة جديدة خلال الحرب مع إيران؟

شهدت الحرب الأخيرة على إيران أزمة طيران غير مسبوقة، حيث علق عشرات الآلاف من المواطنين في الخارج، بعد إغلاق المجال الجوي للبلاد وإلغاء الرحلات، فكيف استطاعت مكاتب السياحية العربية مساعدة زبائنها العالقين؟ وما هي الأضرار المالية التي سببها لها تعطّل السياحة في ذروة الموسم؟
أيقون موقع وصلة Wasla
wasla brands
flights
خلال الحرب الأخيرة، واجه قطاع السياحة في إسرائيل ضربة موجعة.

في أعقاب العملية العسكرية الأخيرة ضد إيران، واجه قطاع السياحة في إسرائيل ضربة موجعة تضاف إلى الصدمات الكثيرة التي تلقاها هذه القطاع منذ السابع من أكتوبر. فقد أعلنت شركات الطيران الإسرائيلية عن تعليق جميع الرحلات ووقف بيع التذاكر، واضطرت كذلك شركات الطيران الدولية لتعليق رحلاتها، فنجم عن كلّ ذلك أزمة لآلاف العالقين في الخارج.

وخلال التصعيد الأخير، عانت شركات السياحة من خسائر كبيرة في المبيعات وأزمة سيولة حادة، نتيجة الحاجة إلى إعادة الأموال التي دُفعت مسبقًا مقابل تذاكر الطيران التي أُلغِيَت رحلاتها. وتشير الصورة الأوسع إلى تراجع نسبة السياحة الوافدة إلى إسرائيل بما يفوق 70% خلال العام الحالي مقارنة بعام 2023، وبأنّها انخفضت بأكثر من 80% مقارنة بعام الذروة قبل جائحة كورونا في 2019.

وتقدّر وزارة السياحة بأن خسائر هذا القطاع منذ السابع من أكتوبر قد تجاوزت 12 مليار شيكل حتى الآن، وسط مخاوف حقيقية بشأن قدرة القطاع على الصمود في حال استمرت الأوضاع الإقليمية غير المستقرة والحرب على قطاع غزة.

وللاطلاع عن كثبٍ على واقع السياحة والسفر في البلاد، تحدّثنا في وصلة مع أصحاب مكاتب سياحية عرب، ليطلعونا على ما واجهوه من تحديات خلال فترة التصعيد العسكري الأخير مع إيران.

“دفعنا 9500 دولار من جيبنا لإعادة زبائننا إلى البلاد”

يعمل كوجان شبلي، صاحب مكتب “سالي ترافل” في قرية الشبلي، منذ أربع سنوات في هذا المجال. وقد واجه مكتبه تحديات كبيرة خلال الأحداث الأخيرة.  ففي السادس من حزيران، سافرت مجموعة مكونة من 32 مسافرًا إلى أذربيجان عبر المكتب، وكان من المفترض عودتهم في الثالث عشر من الشهر ذاته. إلا أن جميع الرحلات أُلغيت في ذلك اليوم بسبب إغلاق المجال الجوي الإسرائيلي، ما اضطر الشركة إلى التدخل الفوري وتنظيم رحلة بديلة على نفقتها الخاصة. تم نقل المسافرين إلى إسطنبول، ثم إلى شرم الشيخ، ومنها عادوا إلى البلاد، بتكلفة تراوحت بين 9500 و10000 دولار. 

يشير كوجان إلى أن مكاتب السياحة تعرضت في السنوات الأخيرة لضربات متتالية بدأت مع جائحة كورونا واستمرت حتى اليوم، وأن ما يقارب 2.5 إلى 3 سنوات مضت دون استقرار حقيقي في القطاع. وفي مثل هذا الوقت من العام، يكون النشاط السياحي في أوجه، إلا أن الحرب أدت إلى إلغاء 18 رحلة مجدولة، ولم يتبقَ سوى بعض الرحلات التي أمكن تحويلها إلى معابر برية نحو عمّان، والعقبة، وشرم الشيخ، في ظلّ توقف الطيران كليًا.

في محاولة لتقديم حلول، عرض المكتب على الزبائن خيار السفر إلى شرم الشيخ ومن هناك إلى وجهاتهم، إلا أن كثيرين رفضوا نظرًا لصعوبة السفر البري، خاصة للعائلات مع أطفال، ما أجبر المكتب على إرجاع الأموال لبعض الزبائن. ويوضح كوجان أن المكاتب السياحية ليست مسؤولة مباشرة عن إلغاء الرحلات، كونها تعمل كوسطاء بين الزبائن وشركات الطيران والفنادق.

كوجان شبلي
كوجان شبلي، صاحب مكتب “سالي ترافل” في قرية الشبلي

ويشير كوجان إلى أن فتح مطار العقبة أتاح إمكانية السفر إلى لارنكا، ومنها إلى وجهات أخرى، في حين أن وجهات مثل دبي أصبحت مكلفة للغاية، حيث وصلت تكلفة التذكرة إلى 1000 دولار للشخص.

وتمثلت إحدى العقبات الجديدة أثناء أزمة الطيران الأخيرة في السماح لكل طائرة بنقل 50 راكبًا فقط، ما يزيد من تكلفة الرحلة كاملة، وكأنهم يشغلون كل مقاعد الطائرة البالغ عددها 182 أو 186 مقعدًا. هذا الوضع دفع الكثير من العائلات الكبيرة إلى تفضيل السفر برًا إلى العقبة أو شرم الشيخ لتفادي الكلفة الباهظة.

ولتقليل التكاليف، نظّم المكتب رحلات جماعية بالحافلات بأسعار رمزية، مثل رحلة ذهاب وإياب للعقبة بـ300 شيكل، ورحلة إلى شرم الشيخ بـ 350 شيكل، في محاولة لإيجاد بدائل اقتصادية للمسافرين.

ويختتم كوجان حديثه بأن المجال السياحي الداخلي والخارجي بأكمله تضرر بشكل كبير، ولا يتوقع حصول المكاتب السياحية على تعويض أو دعم من الحكومة في المرحلة القادمة. “التعويض سيكون عملية طويلة ومعقدة، وحجم العمل في مكتبي تراجع بنسبة تتراوح بين 40% و50%” يؤكد كوجان. 

“تكبدنا خسائر كبيرة… وسنقف مع زبائننا حتى النهاية”

في خضم إغلاق المجال الجوي الإسرائيلي بسبب الحرب، وجد وكلاء السياحة أنفسهم في مواقف صعبة، كان أبرزها التعامل مع زبائن عالقين في عدة دول حول العالم. فايق محاميد، صاحب شركة الكابتن تورز في أم الفحم، يروي تجربته خلال الحرب الأخيرة:

“كان لدينا زبائن عالقيون في عدة مدن في الخارج، من بينها لارنكا، وروما، وباتومي، وطرابزون ودبي. الأغلبية عادوا على نفقتهم الخاصة، بعد أن قمنا في البداية بنصحهم بالانتظار عدة أيام أملاً في تحسن الوضع، لكن الغموض كان سيد الموقف، ولم يكن بوسعنا تحديد موعد للعودة أو تقدير عدد الأيام المطلوبة للإقامة الإضافية”.

ويوضح محاميد أن تمديد الإقامة في الفنادق شكلت عبئاً مالياً كبيراً على الزبائن، دون أن يعرفوا موعد عودتهم بالتحديد. ويضيف محاميد قائلًا: “وصل بعض الزبائن إلى مرحلة قالوا فيها: نريد العودة مهما كلف الأمر. أسعار التذاكر كانت خيالية، فمثلاً سعر تذكرة العودة من دبي وصلت إلى 6,000 شيكل للشخص الواحد، بسبب تحويل مسارات العودة عبر عمان، مع رسوم إضافية مثل 40 ديناراً للدخول، 10 دنانير للخروج، وتكاليف إقامة وتاكسي، وكل ذلك على حساب الزبون”.

ورغم الصعوبات، لم يتخلَ محاميد عن زبائنه، فقام بالبحث لهم عن فنادق بأسعار منخفضة في المناطق التي علقوا بها، وقد كان بعضهم يقيم في فنادق خمس نجوم واضطروا للانتقال إلى فنادق بنجمة واحدة فقط. كما أن بعض الزبائن لم يكن لديهم سوى المال الكافي لتكاليف رحلتهم الأصلية التي خططوا لها سابقًا قبل اندلاع الحرب مع إيران، وإثر ذلك اضطروا للتواصل مع البنوك لرفع سقف السحب أو تلقي تحويلات مالية طارئة، لتغطية التكالية المالية الجديدة لتمديد إقامتهم.

فايق محاميد
فايق محاميد، صاحب شركة الكابتن تورز في أم الفحم

ويشير محاميد إلى أن الحرب تسببت بإلغاء 10 رحلات سياحية عبر مكتبهم كانت مقررة إلى دبي، وجورجيا، ولارنكا، وقبرص التركية، شملت نحو 30 مسافراً. ويؤكد أن شركات الطيران – في دبي – أبدت بعض التعاون، حيث عوضت المسافرين بقسائم أو رحلات مستقبلية، في حين تباينت ردود أفعال الفنادق؛ بعضها رفض تعويض الزبائن، بحجة أن الحرب ليست في بلدهم، بينما تفهمت فنادق أخرى الوضع ووافقت على تأجيل الحجوزات أو تعديل التواريخ مقابل فروقات بسيطة.

من جانب آخر، يوضح محاميد أن بعض الزبائن أصبح لديهم وعي أكبر بعد أزمة كورونا، وهم أكثر تفهماً لفكرة أن قيمة التعويض ليست دائماً نقدية، بل قد تكون على شكل قسائم أو خصومات مستقبلية، خاصة في حال كانت الحجوزات تشمل طيران وفنادق معاً.

وحول البدائل التي لجأت إليها شركته خلال الحرب الأخيرة، يقول محاميد أنهم استخدموا المعابر البرية مثل طابا، إضافة إلى مطار شرم الشيخ كوسائل بديلة للخروج من البلاد، مع تحويل الوجهات عبر إسطنبول أو عمان. لكن ذلك ترافق مع ارتفاع كبير في التكاليف التي تحملها المسافرون. على سبيل المثال، بلغت تكلفة السفر من مطار الملكة علياء في الأردن إلى أوروبا باتجاه واحد أكثر من 700 دولار للشخص الواحد. وقد تكلّفت إحدى الزبائن لديه 1200 دولار لرحلة باتجاه واحد إلى آيسلندا، مرورًا بباريس، هو مبلغ يتجاوز بكثير أسعار التذاكر الاعتيادية من تل أبيب إلى وجهات مشابهة، التي لم تكن تتجاوز 600-700 دولار ذهابًا وإيابًا.

رغم التحديات، يرى محاميد أن الطلب على السفر سيبقى قائمًا، قائلاً: “في أصعب ظروف الكورونا، الناس واصلت السفر للدراسة والعلاج والعمل. أسباب السفر هذه ستظل موجودة دائمًا“. ويضيف أن هناك مؤشرات لتحسّن وتيرة الرحلات الجوية تدريجياً، مشيراً إلى أنه تلقى إشعارات حول استئناف بعض الرحلات في شهري تموز وآب، بما يشمل رحلات إلى وجهات سياحية مثل بانكوك وبوكيت في تايلند عبر ” الـ-عال “و”فلاي دبي“، وهي وجهات أصبحت شائعة مؤخرًا، خاصة في رحلات شهر العسل.

واختتم محاميد حديثه بالتأكيد على أن العمل السياحي قائم على التوازن بين الربح والخسارة وعلى مساعدة الزبائن والشعور بهم، قائلاً: “كما نربح، نتعرض أحيانًا للخسارة. بعض الزبائن خططوا للبقاء 3 أو 4 أيام، لكن انتهى بهم الأمر بالبقاء 20 يوماً، ونحن لسنا أفضل من الزبائن وإننا ملتزمون بالوقوف معهم حتى النهاية”.

الخطة البديلة والمرونة في الإلغاء تحميان من خسائر كبيرة

منذ عام 2017، تدير سناء جبارين مكتب “هوليدي دريم تورز” في مدينة أم الفحم، وقد اكتسبت خلال ثماني سنوات من الخبرة دراية واسعة في مجال السياحة الداخلية والخارجية. ومع اندلاع الحرب الأخيرة، وجدت نفسها ليس فقط مسؤولة عن زبائن عالقين في الخارج، بل أيضًا واحدة من المسافرين الذين تقطعت بهم السبل. تتحدث سناء عن هذه التجربة: “كنت في إيطاليا مع زوجي وأولادي، وكان من المفترض أن أعود صباح يوم السبت، لكنني تلقيت إشعارًا بإلغاء تذكرة الطيران مساء الجمعة، بعد بدء الحرب بساعات.”

وبينما كان القلق يعم بين المسافرين، قررت جبارين التعامل مع الموقف بهدوء، وبدأت بوضع خطة بديلة للعودة، عبر تمديد الإقامة وحجز تذاكر بديلة قبل ارتفاع الأسعار. فحجزت رحلة من إيطاليا إلى إسطنبول، ومن هناك إلى عمان، بتكلفة لم تتجاوز 400 دولار، واستغلت خبرتها في المجال لتحذر زبائنها من ارتفاع وشيك في الأسعار، وتنصحهم بالتصرف سريعًا. وبالفعل، التذاكر التي كانت تُباع بـ 200 دولار وصلت إلى 800 دولار خلال أيام، في حين بلغ سعر تذاكر رحلات الإجلاء بين 600 و800 دولار للشخص، باتجاه واحد فقط.

70 من زبائن مكتبها كانوا عالقين أثناء الأزمة، وقد اختلفت طرق تعاملهم مع الموقف، تقول سناء: “الأهم بالنسبة لنا كان سلامة الزبائن. البعض استأجروا شققًا، البعض مدّد إقامته، وآخرون عادوا بطرق بديلة عبر الأردن أو شرم الشيخ. كل شخص كانت له ظروفه الخاصة، لكننا لم نترك أحدًا دون دعم أو توجيه”.

سناء جبارين
سناء جبارين مديرة مكتب “هوليدي دريم تورز”

وتحرص جبارين دائمًا أن يكون لدىها خطة بديلة لتقليل الخسائر عند وقوع الأزمات، وتقول بهذا الصدد: “أحجِز فقط الفنادق التي تتيح الإلغاء المجاني، وأتجنب أي التزام غير مرن مع الزبائن”. كما توضح أن شركات الطيران تُعيد قيمة التذاكر الملغاة بالكامل خلال فترة تتراوح بين 30 إلى 90 يومًا، إلا أن عدم وجود بدائل فورية كان سيُكبّد المكتب خسائر كبيرة.

أما عن الوضع المالي، فتقول سناء: “الضرر الحقيقي لم يكن في الإلغاءات فقط، بل في انعدام الحجوزات الجديدة خلال فترة الحرب. تراجعنا بنسبة تقارب 90% في حجم العمل، لكننا مستمرون رغم الظروف، كما فعلنا خلال جائحة كورونا”.

واختتمت جبارين حديثها بالتأكيد على أهمية سياسات المرونة في الإلغاء التي تبناها مكتبها منذ أزمة كورونا، وتقول: “صحيح أن التكلفة ستكون أعلى قليلًا على الزبون، لكنها بالمقابل تحميه من خسائر كبيرة عند حدوث الأزمات”.

مقالات ذات صلة: “صادر الجيش مركبتي لستة أشهر، ولم يعترف بالأضرار”: تجنيد مركبات وآلات المواطنين خلال الحرب

مقالات مختارة