/
/
الرابحون والخاسرون من الرسوم الجمركية

الرابحون والخاسرون من الرسوم الجمركية

من الفولاذ إلى الآيفون: من المستفيد حقًا من سياسة الرسوم الجمركية لعام 2025 – ولماذا سيدفع المستهلك الأميركي الثمن الأغلى؟
أيقون موقع وصلة Wasla
wasla brands
ترمب يعرض مخططًا للرسوم الجمركية المتبادلة- الصورة: صفحة البيت الأبيض على موقع فليكر
ترمب يعرض مخططًا للرسوم الجمركية- الصورة: صفحة البيت الأبيض على موقع فليكر

إذا كنتم تقيمون في الولايات المتحدة، ففاتورة مشترياتكم ستصبح أغلى هذا العام، إذ ارتفعت أسعار الكثير من المنتجات، مثل الأحذية الرياضية والأدوية والآيفون، ومن المتوقع أن تواصل الأسعار الارتفاع. ولا يعود السبب إلى التضخم فحسب، بل إلى الرسوم الجمركية بشكل أساسيّ.

ورغم أن مصطلح “الرسوم الجمركية” قد يوحي بأنه مفهومٌ اقتصاديٌّ نظريّ بعيد عن حياتنا اليومية أو مجرّد تكتيك وسياسة اقتصادية، إلا أنه في الواقع أبسط بكثير وأقرب إلى الحياة اليومية، وخصوصًا حياة العائلات الأميركية من الطبقة الوسطى والفقيرة، التي ستضطر لأن تتحمّل هي فاتورة هذه الرسوم الجمركية، أكثر بكثير من المستوردين والمصدرين، وأكثر مما ستدفعه الدول الأجنبية التي تستهدفها الولايات المتحدة.

يُقدِّر “مختبر الميزانية في جامعة ييل” (The Budget Lab at Yale) أن الرسوم الجمركية لعام 2025 قد رفعت حتّى الآن مؤشر أسعار المستهلك بمقدار 2.1%. ورغم أنّ هذه النسبة قد تبدو للوهلة الأولى متدنية وبلا تأثير، إلّا أنّها في الواقع تتسبّب في عبءٍ ماليٍ كبيرٍ على الأسر، إذ تُكلف الأسرة الأميركية المتوسطة حوالي 2,800 دولار إضافية في السنة. كما يتحمّل المواطن الأمريكي تكلفة أخرى، تتمثل في بقاء أسعار الفائدة مرتفعة وعدم انخفاضها، وعند إضافة هذه التكلفة غير المباشرة إلى التكلفة المباشرة الناجمة عن ارتفاع الأسعار، فإنّ العبء السنوي المحتمل على الأسر قد يكون ضعف المبلغ السابق. ربّما، لا تعير العائلات التي يزيد دخلها عن مائة ألف دولار سنويًا بالًا لهذه الزيادة، لكن كلما انخفض دخل الأسرة عن هذا الحدّ السنويّ، كان الأثر على حياتهم أكبر.

في عام 2025، نفذت الولايات المتحدة واحدة من أكبر الزيادات في الرسوم الجمركية على الواردات في التاريخ الحديث. وقد وصفها البيت الأبيض بأنها خطوات “متبادلة” فُرضت على الدول التي ترجح كفّتها في الميزان التجاري بينها وبين الولايات المتحدة، أو التي كانت تفرض رسومًا جمركية على الواردات من الولايات المتحدة.

لكن في الواقع، تغطي هذه الرسوم اليوم تقريبًا كل السلع المستوردة، حيث تتراوح نسبها بين 10% و50%، ابتداءً من المواد الأساسية مثل الفولاذ والنحاس، مرورًا بمنتجات استهلاكية مثل الملابس والإلكترونيات، وحتى السيارات المصنعة بالكامل خارج الولايات المتحدة وقطع غيارها. وإذا كان معدل الرسوم الجمركية في بداية السنة لا يتجاوز 3%، فإنه بحلول منتصف العام قفز إلى نحو 20%، وهو المستوى الأعلى منذ قانون سموت-هاولي الذي فُرض خلال فترة الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي.

ورغم أن الخطاب السياسي يقدّم هذه الرسوم باعتبارها حماية للمصالح والشركات الأميركية، إلا أن حقيقةً مُرّةً تكمن تحت الشعارات والتصريحات الإعلامية، مفادها أن المستهلك الأميركي هو من يدفع الثمن، وسيدفع ثمنًا أكبر في المستقبل.

ويليس سي هاولي (يسار) وريد سموت في أبريل 1929، قبل وقت قصير من إقرار قانون سموت-هاولي في مجلس النواب، الصورة: ويكيميديا
ويليس سي هاولي (يسار) وريد سموت في أبريل 1929، قبل وقت قصير من إقرار قانون سموت-هاولي في مجلس النواب، الصورة: ويكيميديا

ضريبة مُقنَّعة

تُدفَع الرسوم الجمركية من قبل المستوردين الأميركيين على الحدود عند إدخال البضائع إلى الولايات المتحدة، لكن التكاليف تُنقل عبر سلسلة التوريد. فبائعو التجزئة، والمصنّعون، والموزعون، من المتوقع أن يردوا برفع الأسعار. وفي النهاية، فإن زبون أمازون، والمراهق الذي يشتري حذاءً رياضيًا، والأم التي تستبدل هاتفها المكسور، هم من يتحملون الكلفة.

في عام 2024، بلغت عائدات الرسوم الجمركية للولايات المتحدة نحو 77 مليار دولار في السنة المالية (التي تبدأ في الأول من أكتوبر وتنتهي في 30 سبتمبر من العام التالي). وبحلول أغسطس 2025 تجاوزت الإيرادات حاجز 150 مليار دولار، وتتوقع وزارة الخزانة الأميركية أن تصل بنهاية العام الجاري إلى 300 مليار دولار، نتيجة توسيع نطاق الرسوم ورفع معدلاتها.

إن الرسوم الجمركية هي بمثابة ضريبة غير مرئية، لم تُفرَض عبر تشريع في الكونغرس، ولا تظهر في فاتورة الزبون، لكنها تُقتطع بهدوء من محفظته في كل مرة يدفع فيها ثمن مشترياته.

وهي أيضًا بمثابة ضريبة “متناقصة” (Regressive tax، أي أنها تتناقص كلما ارتفع الدخل)، ما يعني أنها خيار سياسي يزيد من حدة عدم المساواة ويتغطّى بشعارات برّاقة عن “جعل أميركا عظيمة”. والأكثر إثارة للقلق أنها ضريبة تعزز سلطة الرئيس، الذي يملك صلاحية تحديد الاستثناءات للشركات التي تقدّم إليه “فروض الطاعة”. وكان إيلون ماسك هو أوّل من تملّق الرئيس، لكن المشهد الأخير مع تيم كوك خلال الإعلان عن زيادة الرسوم الجمركية على الرقائق الإلكترونية واستثناء منتجات “آبل” قدّم لنا لمحة عن كواليس عالم الرسوم الجمركية.

تيم كوك رئيس أبل أثناء إحدى لقاءاته في البيت الأبيض- المصدر: ويكيميديا
تيم كوك رئيس أبل أثناء أحد لقاءاته مع ترمب في البيت الأبيض- المصدر: ويكيميديا

الخاسرون والرابحون

بالتأكيد، لا تشمل الخسائر جميع الصناعات. فبعض المنتجين المحليين يستفيدون من قلة المنافسة، مثل مصنّعي الفولاذ، الذين يربحون عندما ترتفع تكلفة استيراد الفولاذ. لكنّ السؤال الذي يطرح نفسه هنا، كيف ستنعكس هذه الميزة التي حصلوا عليها (الناجمة عن ارتفاع أسعار المنتجات المستوردة المنافسة) على الصناعات الأخرى التي تعتمد على منتجاتهم؟

لنأخذ صناعة السيارات كمثال. تستورد شركات السيارات الأميركية مثل جنرال موتورز (GM) وستيلانتس (Stellantis) جزءًا كبيرًا من أجزاء وقطع سياراتها، بل وحتّى سياراتها ذاتها أحيانًا، من دول فُرضت عليها الآن رسوم جمركية تتراوح بين 25% و35%، مثل المكسيك وكندا وكوريا الجنوبية. وفي ربع واحد فقط، تكبّدت جنرال موتورز خسائر في الأرباح بلغت 1.1 مليار دولار بسبب الرسوم الجمركية، أي بانخفاض نسبته 32% في الأرباح التشغيلية. أما ستيلانتس، فقد عانت من خسائر وأضرار مالية بلغت 330 مليون دولار في الأشهر الستة الأولى.

وماذا عن قطاع التكنولوجيا؟ تعتمد شركات التكنولوجيا الأميركية بدرجة كبيرة على الصين وجنوب شرق آسيا في التصنيع. وهكذا، أصبح هاتف آيفون وحاسوب ماك بوك من آبل، المُصنّعان في الصين، عرضة لرسوم جمركية مرتفعة جدًا أو لتكاليف باهظة مرتبطة بنقل الإنتاج أو جزء منه إلى الولايات المتحدة. كذلك، أصبحت شركات إنتاج الرقائق مثل Nvidia وAMD، التي تعاني أصلًا من قيودٍ أمريكية على تصدير رقائقها، تواجه ارتفاع تكاليف المواد الأولية وإجراءات انتقامية من الخارج. حيث لم تَرُدَّ الصين فقط بفرض رسوم جمركية من طرفها، بل فرضت أيضًا قيودًا تنظيمية على الشركات الأمريكية، وشنّت حملات مقاطعات ضد منتجاتها، وشجّعت بدائل محلية للمنتجات الأميركية.

ولا يقتصر الأمر على قطاع التكنولوجيا، فحتّى العلامات التجارية الشهيرة مثل نايكي، التي تعتمد على استيراد الأحذية والملابس، تعاني من ارتفاع الأسعار. وقد بيّنت دراسة أجرتها جامعة “ييل” أن أسعار الأحذية ارتفعت بنسبة 44% على المدى القصير نتيجة الرسوم الجمركية. ولذلك، تجد الشركات نفسها بين خيارين: إما أن ترفع أسعار منتجاتها أو تتحمل هي الخسائر للحفاظ على حصتها السوقية. وفي كلتا الحالتين، ينتقل الثمن الاقتصادي من السلع المنتَجة في الخارج إلى المستهلك الأميركي.

Apple store shanghai 24513943492
متجر أبل في شنغهاي، صورة توضيحية، المصدر: ويكيميديا

التداعيات العالمية

لم تمرّ الرسوم الجمركية دون ردّ فعل من الدول. فقد اتخذت كل من كندا والمكسيك والصين، أقرب الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، إجراءات انتقامية خاصة بها. على سبيل المثال، أزالت المتاجر الكحولية التابعة للحكومات المحلية في كندا الويسكي الأمريكي من على الرفوف. وتُعزو جامعة “ييل” الانخفاض في الإنتاج الزراعي الأمريكي بنسبة 0.8% وتراجع الصادرات الأمريكية على المدى الطويل بنسبة 17.5% إلى الاضطراب التجاري الناجم عن ردود الفعل الدولية على الرسوم الجمركية الأميركية.

المزارعون، الذين يعانون أصلًا من تقلبات الأسعار، والمخاطر المناخية، والعديد من الصعوبات الأخرى المتعلقة بالزراعة، أصبحوا الآن في مرمى نيران هذه الحرب التجارية العالمية. ومن بين الشركات الزراعية الأمريكية المتأثرة، شركة “جون دير” للمعدات الزراعية، التي تراجعت مبيعاتها بشكل كبير، كما تم تجميد خطط بناء مصانع تقطير جديدة في كنتاكي وتينيسي.

الصورة الشاملة

قد تكون سياسة الرسوم الجمركية لعام 2025 هي الأكثر طموحًا منذ ثلاثينيات القرن الماضي، لكنها تعيد إلى الأذهان درسًا تعلمناه في الماضي: الحمائية غالبًا ما توفر حماية قليلة وتكلّفنا الكثير.

تاريخيًا، فاقمت رسوم “سموت-هاولي” الكساد الكبير لأنها قوّضت التجارة العالمية بدلًا من أن تعززها. وتشمل المخاطر الكامنة في حرب الرسوم الجمركية التي يقودها ترامب اليوم: ركودًا تضخميًا، واضطرابات في سلاسل التوريد، وتزعزعُا في الأسواق. وكلّ هذه المخاطر تشير إلى أن الرسوم الجمركية قد لا تكون الأداة الاقتصادية الصحيحة لسياسة “أمريكا أولاً”.

بلا شك، هناك العديد من التشوّهات في التجارة العالمية التي تتطلب تصحيحًا، وعلى رأس هذه القائمة يأتي تجاهل الصين التام لحقوق الملكية الفكرية وتشجيعها على تقليد وإعادة إنتاج المنتجات المحمية ببراءات الاختراع. أما المرتبة الثانية فستكون على الأرجح الدعم الحكومي الصيني الكبير لصناعات معيّنة داخل الصين، ما يمنحها ميزة استثنائية غير عادلة، مثل شركات السيارات الكهربائية والألواح الشمسية. كما يمكن أن تظهر في هذه القائمة سياسة الدول الأوروبية المتمثلة في تقييد مساهمتها في حلف الناتو على حساب دافعي الضرائب الأميركيين.

Design for website 7
على الإدارة الأمريكية أن تكون صادقة مع مواطنيها بشأن الثمن الذي سيدفعونه هم عندما ترتفع الرسوم الجمركية

تبنى ترامب سياسة تستجيب لهذه التشوهات وتعتبر الرسوم الجمركية وسيلة فعالة للتعامل مع اختلال التوازن في التجارة العالمية، وأداة تفاوض تمنح أمريكا صفقات أفضل. وحتى الآن، ترى الإدارة الأمريكية أن المزايا التي تمنحها إياها سياسة الرسوم الجمركية تفوق الصعوبات التي تعاني منها الطبقة الوسطى الأمريكية بسبب هذه السياسة.

والخلاصة هي أن هناك طرقًا أكثر ذكاءً لتعزيز القدرة التنافسية الأميركية، منها: الاستثمار في الابتكار، والتعليم، والبنى التحتية، والإنتاج المحلي. واستخدام الحوافز الاستراتيجية بدلاً من العقوبات الشاملة. وبناء التحالفات بدلًا من إبعاد الشركاء. وفوق كل شيء، على الإدارة الأمريكية أن تكون صادقة مع مواطنيها بشأن الثمن الذي سيدفعونه هم عندما ترتفع الرسوم الجمركية.

كاي بريزم – مساعد في قسم الأبحاث والدراسات في IBI، إلا الكلعي– رئيسة مجلس إدارة صناديق الاستثمار المشتركة IBI

مقالات مختارة