“نحن عند مفترق طرق وعلينا أن نختار: إما السلام والازدهار وإما حرب أبدية تُدمر كل شيء”

استثمرت إيلا الكلعي، المديرة في بيت الاستثمار IBI، جزءًا كبيرًا من نشاطها المهني في الدمج ما بين الاستثمار والمبادرات الاقتصادية مع العمل الاجتماعي والتطوعي. "المجتمع العربي في إسرائيل حقق خلال العقد الأخير قفزة نوعية مذهلة وتتوفر اليوم إمكانيات استثنائية في هذا المجتمع كي يتحوّل إلى قوة فاعلة ومزدهرة – وهذا هو التحدي الذي ينبغي أن نركّز عليه."
أيقون موقع وصلة Wasla
نبيل أرملي
محرر موقع وصلة
الا الكلعي خلال أحد المؤتمرات، بلطف من موقع بكرا

خلف النجاحات اللافتة التي حققتها إيلا الكلعي في مجال إدارة الأموال والاستثمار، بصفتها مديرة في بيت الاستثمار IBI، تقف رؤية اجتماعية عميقة تتجاوز الأرقام والأرباح المادية. ففي السنوات الأخيرة، استثمرت الكلعي جزءًا كبيرًا من نشاطها المهني في الدمج ما بين الاستثمار والمبادرات الاقتصادية مع العمل الاجتماعي والتطوعي. “المجتمع العربي في إسرائيل حقق خلال العقد الأخير قفزة نوعية مذهلة وتتوفر اليوم إمكانيات استثنائية في هذا المجتمع كي يتحوّل إلى قوة فاعلة ومزدهرة – وهذا هو التحدي الذي ينبغي أن نركّز عليه.”

وصلت الكلعي إلى عالم المال والاستثمار من مكان غير متوقّع، فقد بدأت دراستها الأكاديمية في مجال العلوم وحصلت على لقب أول في علم الأحياء ولقب ثانٍ في الفيزيولوجيا الكهربائية وعلم الأدوية، ولاحقًا حصلت على ماجستير في إدارة الأعمال. عن تلك المرحلة تقول إلا “الدراسة كانت شيّقة جدًا، لكني أدركت أنني ببساطة لستُ من الأشخاص الذين يحبّون العمل في المختبر”.

في تلك الفترة اقترح عليها أبوها وهو أحد مؤسسي بيت الاستثمار IBI العمل في الشركة: “كان دائمًا يرغب في أن أدخل عالم المال. فقلت لنفسي، قبل أن أرفض الفكرة، من الأفضل أن أجرّب.”

الا الكلعي، تصوير: إيلان بسور
إيلا الكلعي، تصوير: إيلان بسور

هل كان ذلك مسارًا طبيعيًا بالنسبة لك — أن تنضمي إلى شركة عائلية؟

هذه ليست شركة عائلية بالمعنى التقليدي. صحيح أن الشركة أُسِّست من قبل ثلاث عائلات، واليوم هناك أربع عائلات فيها، لكننا نتحدث عن شركة عامة متداولة في البورصة وتخضع للتنظيم والرقابة وحوكمة الشركات بشكل كامل. لا يوجد هنا إدارة عائلية بالمفهوم الضيق.”

على مرّ السنوات، تقدّمت الكلعي في مسارات متنوعة داخل بيت الاستثمار، من محللة مالية، مرورًا بإدارة قسم الأبحاث، وصولًا إلى مناصب إدارية عامة. وبحسب قولها، فإن التنقل بين الأقسام ومجالات العمل المختلفة داخل المؤسسة شكّلت لها فرصة لتوسيع آفاقها وعدم البقاء في مجال واحد فقط.

اليوم أنتِ تشغلين منصب رئيسة صناديق الاستثمار التابعة لـ IBI، ماذا تفعلين بالضبط؟

“قبل أن أشرح ما هي صناديق الاستثمار، من المهم أن أوضح أنني أيضًا أدير مجال المسؤولية الاجتماعية في بيت الاستثمار، والذي يشمل مجال الـ ESG (بيئة، مجتمع، حوكمة) واستثمارات الـ Impact، أي الاستثمارات التي لا تهدف فقط لتحقيق الربح المالي، بل تهدف أيضًا إلى إحداث أثر اجتماعي أو بيئي إيجابي  إلى جانب العائد الاقتصادي. هذا عالم كامل يتطور بوتيرة سريعة.

في صناديق الاستثمار، دوري كرئيسة مجلس الإدارة هو رسم الاستراتيجية للشركة، والتأكد من أنها تعمل وفق القوانين، وتلتزم بالمعايير وتُدار بشكل جيد. يحتاج ذلك إلى توازن دقيق بين النظرة المستقبلية، والرقابة والمسؤولية، سواء من الناحية المهنية أو من الناحية العامة“.

 استراتيجية واقتصاد ما بعد السابع من أكتوبر

شكّل هجوم السابع من أكتوبر 2023، وما تبعه من حرب، زلزالًا اقتصاديًا ضرب إسرائيل في عمقها. فقد ارتفعت ميزانية الأمن والحرب إلى مستويات غير مسبوقة، فيما شهدت الخدمات المدنية تراجعًا حادًا، وتبدّلت التوقعات الاقتصادية رأسًا على عقب. ومع ذلك، ترى إيلا الكلعي أن المشهد أكثر تعقيدًا مما يبدو للوهلة الأولى، ولا يمكن اختزاله بهذه الصورة المبسطة.

مع كل ما حدث منذ السابع من أكتوبر، كيف يمكن وصف حال الاقتصاد اليوم؟ هناك من يشعر بأن الفوضى تسيطر على المشهد.

“الوضع الاقتصادي، سواء في إسرائيل أو في العالم الغربي عمومًا، جيد. نحن نشهد تشغيلًا شبه كامل، والبطالة تكاد تكون معدومة، وهناك دخل متاح. التضخم أيضًا تحت السيطرة نسبيًا. التقارير المالية لمعظم الشركات — سواء المحلية أو الأجنبية — ممتازة. طبعًا، هناك دائمًا استثناءات وقطاعات تتأثر أكثر بارتفاع الفائدة، مثل سوق العقارات، لكن بصورة عامة، الاقتصاد أكثر استقرارًا مما يتصور كثيرون.”

لكن يوجد شعور حاد بعدم اليقين، ليس فقط من الناحية الأمنية، بل سياسيًا أيضًا.

عبر التاريخ كانت فترات عديدة سادت فيها حالة من عدم اليقين. في الفترة بين مارس–أبريل 2020، بداية جائحة كورونا، كان هناك شعور بأن العالم انتهى. ملايين الأشخاص كانوا مهددين بالموت، وكان الاقتصاد العالمي مشلول، ولم نكن نعرف كيف سنكمل حياتنا. قبل ذلك، في عام 2008 (الأزمة المالية في أمريكا ن.أ)، وعام 2011 (الأزمة المالية في أوروبا ن.أ) كانت هناك أحداث مُزلزلة اقتصاديا. لكن الفارق الأساسي بين ما كان وما يحدث الآن هو أنه في تلك الفترات كان هناك شعور معين بالأمان بأن من يشغلون المناصب الرئيسية في واشنطن، في تل أبيب، هم أشخاص جادون، يفهمون في الاقتصاد، ويمكن الوثوق بهم. السؤال المطروح الآن هو هل مؤسسات الدولة في إسرائيل وفي الولايات المتحدة قوية بما يكفي لتصمد أمام شخصيات تسعى لتقويضها أم أن هذه الشخصيات ستنتصر هذه المرة على المؤسسات. نحن لا نعرف.

عدم اليقين اليوم مختلف، لأنه نابع أيضًا من تأثيرات تكنولوجية هائلة. فالمسألة ليست فقط أننا لا نعرف ما الذي سيحدث، بل إن سرعة وعمق التغييرات لا يمكن استيعابها”.

ثورة تكنولوجية غير مسبوقة، وقيادة لا تواكب الوتيرة

الثورة التكنولوجية لم تعد مسألة مستقبل بعيد. وفي هذا الصدد، تتحدث الكلعي عن الفرص الكامنة فيها، ولكن أيضًا عن مخاطر هذه الثورة. “نحن في خضم تحوّل تكنولوجي عميق وسريع جداً. الأمر لا يقتصر على الذكاء الاصطناعي أو العملات الرقمية (الكريبتو). إنه تغيير سيزعزع، على الأرجح، سوق العمل والاقتصاد والمجتمع بأسره“.

وبحسب قولها، فإن المجال الذي يُجسّد بشكل واضح حجم التحوّل والتغيير هو مجال المواصلات. “في السنوات المقبلة سنبدأ برؤية سيارات أجرة ذاتية القيادة، روبوتاكسي. شركة تسلا بدأت مثل هذا النشاط التجاري، وبحلول عام 2026، من المفترض أن يصبح هذا الأمر حاضرًا في حياتنا“.

سيارة الأجرة الروبوتية Cybercab من تسلا- الصورة: ويكيميديا
سيارة الأجرة الروبوتية Cybercab من تسلا- الصورة: ويكيميديا

إذًا ماذا سيحدث للسائقين؟ ولصناعة النقل؟

هنا تحديدًا مربط الفرس. مجالات كاملة ستختفي. والأمر يحدث بسرعة. لا نتحدث هنا عن تطور بطيء كما في التسعينيات، هذه ثورة. ليست المسألة أننا نستطيع أو ينبغي أن نُعيق التقدّم، لقد شهدنا اختفاء مهن ومجالات عمل في الماضي. وهذا ما سيحدث قربيا لذلك يجب الاستعداد والتخطيط للتعامل مع هذا الأمر. الدولة يمكنها أن تعرض منذ الآن مسارات لإعادة التأهيل المهني، أن تُجري أبحاثاً، وأن تبادر لتحمل المسؤولية عن هؤلاء الناس، وبذلك تمنع انزلاقهم إلى دائرة البطالة. المصلحة العامة تستوجب وجود أكبر عدد من الناس العاملة والتي تدفع الضرائب بدل الاتكال على المخصصات الاجتماعية من الدولة.”

وبحسب الكلعي، فإنّ ثورة الطائرات المسيّرة (درونز) أيضًا، ستغيّر مجالات اللوجستيات والتوصيل. “الخيال العلمي يتحوّل إلى واقع. هذه ليس مجرد نظرية، هناك تجارب ميدانية وتحضيرات. التحوّل قادم وقد يكون تحولّا إيجابيا بالنسبة لمعظمنا”. ولم تنسَ الكلعي موضوع العملات الرقمية. “عندما تكون هناك عملات لا تخضع لسيطرة دولة، يجب أن نسأل: ماذا يفعل ذلك لمفهوم السيادة الاقتصادية؟ للدَين القومي؟ للقدرة على إدارة سياسة نقدية؟

لكن ربما ما يقلق الكلعي أكثر من التكنولوجيا هو الفجوة بين سرعة التغيير وما يحدث في قمة هرم السلطة. “إذا كنا في السابق نشعر أن من يجلسون في مواقع القوة — سواء في واشنطن أو في تل أبيب— هم أشخاص مسؤولون، مهنيون، ويفهمون في الاقتصاد، فاليوم الشعور مختلف تمامًا“.

تشير الكلعي إلى ترامب ونتنياهو كنماذج للاضطراب العميق في ثقة الناس بالقيادة “المشكلة ليست فيما يقولونه، بل في أنهم يتصرفون لمصالحهم الشخصية. وهذا يحدث تحديدًا في فترة نحتاج فيها إلى قيادة متزنة وشفافة وشجاعة“.

ترمب ونتنياهو خلال لقائهما في البيت الأبيض- الصورة: صفحة البيت الأبيض على فليكر

وما الخطر الكامن في الذكاء الاصطناعي؟

“الخطر مزدوج: فمن جهة، هناك تغيير تكنولوجي جذري يتطلب تكيفًا سريعًا؛ ومن جهة أخرى، لدينا قيادة سياسية لا ترى مصلحة الجمهور. إذا لم نعرف كيف نبني جسورًا بين هذه الفجوات، قد يكون الثمن باهظًا”.

لقد تلقينا الآن مثالًا واضحا على سُلّم الأولويات لدى الرئيس الأمريكي، الذي يعمل على تمرير ميزانية تتضمن من جهة تسهيلات ضريبية لأغنى الأغنياء، ومن جهة أخرى إيقاف التأمين الصحي والمساعدات الاجتماعية لعشرات الملايين من الناس.

في ظل كل هذه الاتجاهات، كيف ترى القيادة في إسرائيل مستقبل الاقتصاد؟

نحن عند مفترق طرق. القيادة السياسية في إسرائيل تتوجه نحو إقامة دولة دينية، والعيش على حد السيف والحروب لألفي عام أخرى. وهناك الجمهور. جزء من هذا الجمهور يفكر بشكل مختلف، لا أحد يستطيع الإجابة على سؤال ماذا يحمل المستقبل. لا أعتقد أن هناك من يستطيع أن يتنبأ بذلك بأي مستوى أو بأي طريقة. من ناحية يمكننا أن ندخل عصرًا مدهشًا، هو أفضل حتّى مما كنا نتخيله، عصر سلام وازدهار وتكنولوجيا وتجارة. ويمكننا، من ناحية أخرى، أن نسلك طريقًا نحو استمرار الحرب، ضحايا وقتلى، عالم يُقاطعنا، ارتفاع بالضرائب والجمارك، وقد نقع في مأزق اقتصادي، ومأزق سياسي، ومأزق وجودي. إسرائيل اليوم لا تزال قادرة على الاختيار بين هذين المسارين.”

الا الكلعي خلال أحد المؤتمرات، بلطف من موقع بكرا
إيلا الكلعي في مؤتمر “التغيير المجتمعي” في الناصرة، بلطف من موقع بكرا
يوجد رأس مال، توجد قدرات لكن تنقص روح الجماعة

إلى جانب عملها كرئيسة لصناديق الاستثمار في IBI، تنشط الا الكلعي وهي حاضرة بشكل ملموس في المجتمع العربي. فهي تشغل منصب عضو إدارة في الصندوق الجديد لإسرائيل، وهو من أبرز الصناديق الداعمة لمنظمات المجتمع المدني العربية، وفي مجلس إدارة جمعية البيادر وومجلس إدارة مؤسسة الفنار، وهما من أبرز المؤسسات الاجتماعية في المجتمع العربي، كما أنها شخصية معروفة وحاضرة بشكل دائم تقريبًا في كل مؤتمر أو منتدى مهم يتناول قضايا التنمية والمساواة والشراكة المدنية في المجتمع العربي.

لماذا يهمك المجتمع العربي؟

هذا سؤال جيد. لكنني أعتقد أن الجواب هو أن المجتمع العربي يجب أن يكون مهمًا لنا جميعًا. السؤال الصحيح يجب أن يكون: لماذا لا يهتم الآخرون بالمجتمع العربي؟ نحن نعيش هنا في نفس المكان، جميعنا شركاء، وجميعنا نريد أن يكون هنا خير وازدهار. لذلك، نحن ملزمون بأن نعمل معًا لتحقيق ذلك“.

إلى جانب كل مشاكل التمييز ضد المجتمع العربي، والجريمة والعنف المستشريان، ما هو التحدي الذي ترينه، بصفتك امرأة تعرف المجتمع العربي، ولا يتم الحديث عنه أو لا يوجد وعي به؟

أنا لا أستطيع أن أقول إنني أعرف المجتمع العربي. أستطيع أن أقول إن لدي صديقات ومعارف عرب. إذا كانت هناك مشكلة واحدة حارقة فعلًا، فهي العنف. العنف والجريمة المنظمة، التي تنخر المجتمع من الداخل. من الواضح أن هذا ليس ذنب المجتمع العربي. هناك هنا مسؤولية عميقة تقع على عاتق الدولة، والشرطة، ومؤسسات الحكم التي لا تعمل ولم تعمل كما يجب.

ومع ذلك، إذا كان هناك أمر يمكن تحسينه فعلًا من الداخل موضوع بناء القدرات المجتمعية المحلية وروح الجماعة. في المجتمع اليهودي توجد “مجتمعات محلية وظيفية”، أطر محلية قائمة على التنظيم المدني: الكشافة، والمراكز الجماهيرية، والنشاطات الثقافية والترفيهية. هذه قوة هائلة. انظر ماذا حدث بعد السابع من أكتوبر عندما انهارت أجهزة الدولة، نظم المواطنون أنفسهم. وتولت المبادرات المدنية القيادة. هذا نموذج غير موجود بدرجة كافية في المجتمع العربي.

هناك أسباب عميقة لذلك، سواء بسبب البينة العائلية التقليدية، أو بسبب غياب بناء سليم للسلطات المحلية على مر السنين. هناك سلطات محلية عربية رائعة اليوم لكن هذا هو الاستثناء. وهناك أيضًا مسألة الموارد. عندما تكافح من أجل مأوى، ولقمة العيش، والطعام والخدمات الصحية الأساسية، لا يكون لديك وقت أو طاقة لبناء مجتمعات محلية فاعلة.

ومع ذلك، أعتقد أن المجتمع العربي حقق قفزة نوعية لافتة في العقد الأخير. فهناك قدرات، وهناك رغبة بالتغيير، وحان الوقت الآن لترجمة ذلك إلى بناء مجتمع قوي ومتماسك. هذا سيكون بمثابة ردٍّ على العنف. الحل ليس في يد الشرطة فقط، بل أيضًا في بناء مجتمع مدني قوي.

“العنف والجريمة هي المشكلة الحارقة”- مظاهرة ضد العنف في مفرق شفاعمرو، المصدر: ويكيميديا

هناك مجالات يكاد لا يكون فيها وجود للمجتمع العربي، مثل مجال سوق المال والاستثمارات. لا توجد صناديق استثمار عربية، ولا صناديق رأس مال مخاطر. ما رأيك؟

لا شك أن هناك فرص ضائعة، لكننا نرى أيضًا خطوات أولى للمجتمع العربي في هذا الطريق. هناك بوادر لنشاط في جميع مجالات سوق المال تقريبًا، وهذا مشجّع. وعلى عكس الكثير من المجالات الأخرى — مجال الاستثمارات المالية لا يشمل تقريبًا أي عوائق هيكلية. العوائق الحقيقية هي نفسية أو ثقافية، عوائق نضعها لأنفسنا. الناس يفكرون “أنا لا أفهم في هذا”، أو “ليس لدي وقت لأتعلّم ذلك الآن”، وهذا كل شيء. لكن في الواقع، الأمر يتعلق بأمور أساسية: فأن تفهم ما هو صندوق الاستثمار، وأن تبني محفظة استثمارية بسيطة، فإنّ ذلك لا يتطلب لقبًا أكاديميًا أو علاقات، بل فضولًا ورغبة في التعلّم فقط. والجميل هو أن سوق المال لا يسأل من أنت، ولا من أين أنت، أو ما هي خلفيتك. هو يقول لك ببساطة: هذا حسابك الاستثماري، وتستطيع أن تفعل به ما تشاء. ابدأ بمقدار صغير، تعلّم، اكسب الثقة، وبعد ذلك يمكنك أن تنمو.”

هناك من قد يقول إن مجال الاستثمارات المالية في المجتمع العربي ضعيف جدًا لأنه مجتمع فقير ومنشغل بأساسيات الحياة والبقاء.

أنا لا أعتقد أن المشكلة هي بالضرورة نقص في الموارد المالية. هناك عدد غير قليل من الناس الميسورين جدًا، بل وحتى الأغنياء، في المجتمع العربي في إسرائيل. ليسوا «تايكونات» يوزعون المليارات، لكن بالتأكيد هناك من جمعوا ثروة كبيرة بجدارة واستحقاق، هناك أشخاص عرفوا كيف يقتنصون الفرص الاقتصادية ويستغلونها لصالحهم، وتصرّفوا بحكمة على مدى سنوات. هناك أيضًا طبقة وسطى مهمة: محامون، أطباء، محاسبون، أشخاص وضعهم المالي جيد، وسوق المال يمكن أن يكون بالنسبة لهم مسارًا مهمًا للنمو الشخصي والعائلي.

المشكلة الأساسية في رأيي هي ثقافية، والحقيقة هذه المشكلة ليست فقط في المجتمع العربي، فحتى الطبقة الوسطى اليهودية اكتشفت البورصة فقط في فترة كورونا. هذه ظاهرة لا يتجاوز عمرها 4–5 سنوات على الأكثر. إنه توجّه آخذ في النمو والتطور في المجتمع اليهودي. جميعنا — يهودًا وعربًا على حد سواء — متأخرون بنحو 20 سنة عن الأمريكيين فيما يتعلق بالاستثمارات المالية المُستقلة، والوصول إلى سوق المال، واستخدام الأدوات المالية. أنا لا أقول إنه يجب أن نقلّد نموذجهم حرفيًا، لكن بالتأكيد هناك ما يمكن أن نتعلمه منهم في موضوع تحمّل المسؤولية الشخصية بموضوع المعرفة المالية، للاستفادة من الفرص الاقتصادية. هذه سيرورة تتشكّل وتتطور ببطء، لكنها موجودة.

مقالات ذات صلة: ماذا نفعل الآن؟ ثلاث خطوات عملية في زمن عدم اليقين الاقتصادي

مقالات مختارة