المنتجات الفلسطينية المصدّرة من الضفّة إلى القدس: باب رزق لآلاف الأسر مفتاحه في يد جندي على الحاجز

لم يسلم الاقتصاد الفلسطيني، الذي يعتمد بشكل كبير على تصدير منتجاته إلى السوق الإسرائيلي، من تداعيات السابع من أكتوبر. وللوقوف على الوضع الاقتصادي الراهن، حاورنا في وصلة مجموعة من الخبراء والمسؤولين الماليين في الشركات والمصانع الفلسطينية، لنطلع عن كثب على معاناتهم في تصدير منتجاتهم عبر المعابر "التجارية".
أيقون موقع وصلة Wasla
رحمة علي | خاص لوصلة

تشير بيانات الإحصاء الفلسطيني للفترة الممتدة بين 2017 و2019 إلى أن 82% من صادرات الضفة الغربية من السلع كانت نحو السوق الإسرائيلي. وتعتبر الفترة الحالية من الفترات الأحرج في تاريخ القضية الفلسطينية، والتي انعكست على جميع مناحي الحياة، دون أن يسلم الاقتصاد منها، فما هو واقع تصدير المنتجات الفلسطينية إلى السوق الإسرائيلي حاليًا؟ للإجابة عن هذا السؤال، حاورنا في وصلة مجموعة من الخبراء والمسؤولين الماليين في الشركات والمصانع الفلسطينية، لنطلع عن كثب على ما تعانيه منذ السابع من أكتوبر.

أحد منتجات شركة الجبريني للأغذية على رفوف المتاجر في القدس، تصوير: رحمة علي

“نقوم بفحص المعابر يوم بيوم”

أحمد النتشة، رئيس قسم المحاسبة في مصنع الجبريني لمنتجات الألبان والمواد الغذائية، وضّح لوصلة أنّهم يتابعون أوضاع المعابر بشكل يومي من خلال التواصل المستمر مع السائقين، لمعرفة حالة الطرق والمعابر التجارية لضمان تمرير المنتجات، وأشار إلى أن أوقات وأيام عمل المعابر التجارية تقلّصت خلال فترة الحرب على غزة، وأصبح نقل المنتجات يستغرق ساعات أطول. كما نوّه النتشة إلى أنّ الحصول على شهادة المواصفات الإسرائيلية، والتي تعد شرطًا أساسيًا لتسويق المنتجات في الأسواق الإسرائيلية، أصبح أصعب بكثير من السابق.

عبر معبر بيتونيا في رام الله، يتمّ نقل منتجات مصنع الجبريني التي تُصنَع في الخليل إلى مستودعات الشركة في القدس. “عملية نقل المنتجات إلى القدس تتم عبر شاحنات إسرائيلية تخضع لمعايير التبريد المناسبة، لضمان حفظ المنتجات بجودة عالية”، يقول النتشة، ويضيف: “كمية المنتجات التي تم إدخالها إلى القدس شهدت زيادة ملحوظة خلال فترة مقاطعة المنتجات الإسرائيلية بعد الحرب على غزة، لكن هناك مناطق معينة في القدس يمنع توزيع المنتجات الفلسطينية فيها رغم أن سكانها من الفلسطينيين، ويجب أن يكون هناك ترجمة باللغة العبرية على جميع العبوات التي يتم إدخالها”.

رغم ذلك، فإنّ الأوضاع الأمنية والسياسات المالية الإسرائيلية التي تستهدف الاقتصاد الفلسطيني منذ السابع من أكتوبر تزيد من قلق الشركات والمصانع الفلسطينية، فإغلاق المعابر بحجة الوضع الأمني، أو تشديد قيود التصدير، سيوجّهان ضربة كبيرة لهذه الشركات وعمّالها. “في حالة فقداننا للسوق المقدسي، فإنّ 20 موظف يعملون لدينا مهددون بفقدان وظائفهم، إلى جانب توقف خمس شاحنات نقل عن العمل، وانخفاض الإنتاج بنسبة تصل إلى 20%، كما سيؤدي ذلك الى تقليص عدد ورديات العمل، وتراجع في نسبة توفر المواد الخام سواء المستوردة أو المحلية”، يُعقّب النتشة، ويضيف: “تشكل الزراعة وتربية الحيوانات مصدر دخل لـ19.9% من الأسر الفلسطينية ولا يمكن للسوق المحلي الفلسطيني استيعاب كلّ المنتجات الزراعية والحيوانية، فلا بد من تصديرها، وعدم القيام بذلك سيكون له انعكاسات خطيرة على الواقع المعيشي للفلسطينيين”.

غالبية الصناعات بالسوق الفلسطيني صغيرة

تغلب الصناعات الصغيرة على السوق الفلسطيني، ويعتمد قطاع الحرف اليدوية ومنتجات الخزف على التصدير، حيث لا يستطيع السوق الفلسطيني استيعاب معظم هذه المنتجات. ولذلك، يتأثر هذا السوق بشكل كبير بأي تقييدات على التصدير، كان آخرها ما أعلنته الحكومة الإسرائيلية من أن مرور البضائع من الجانب الفلسطيني إلى الجانب الإسرائيلي مسموح فقط عبر معبر ترقوميا، كما يجب شحن البضائع بواسطة شاحنات فلسطينية بعد وضعها على منصات خشبية وتغطيتها بأغطية بلاستيكية وأحزمة، ليتمّ فحصها بعد ذلك في الجانب الإسرائيلي من المعبر بالأشعة السينية (فحص أمنى)، ثم يتم فحصها فحصًا يدويًا آخر من قبل موظفي المعبر، وكثيرًا ما تتضرر هذه البضائع أثناء الفحص، ومن ثم توضع أخيرًا بشاحنات إسرائيلية محددة.

تقدر تكلفة نقل البضائع على شاحنة فلسطينية من الخليل إلى معبر ترقوميا بحوالي 300-500 شيكل، بينما يبلغ الحد الأدنى لشحن هذه البضائع عبر شاحنة إسرائيلية صغيرة من المعبر إلى القدس ألف شيكل. ومن الممكن أيضًا أن تُضاف رسوم تحميل وتفريغ وتخزين البضائع في المعبر. وبعد خروجها من المعبر، تتجه  هذه الحرف اليدوية، والتي ينتج معظمها في الخليل وبيت لحم، إلى محلات التحف والهدايا في البلدة القديمة بالقدس، وإلى نظيراتها في يافا والناصرة وطبريا وعكا ودالية الكرمل، من أجل بيعها للسياح عادة.

معبر ترقوميا، المصدر وزارة الدفاع
معبر ترقوميا التجاري في الخليل، المصدر “وزارة الدفاع”

وفي هذا الصدد، تحدثنا مع نادر التميمي، الرئيس السابق لاتحاد الصناعات التقليدية ورئيس مجلس إدارة شركة خزف التميمي في الخليل، الذي حدثنا عن تجربته في تصدير منتجات الخزف والزجاج، مؤكدًا محدودية قدرة السوق الفلسطيني على الاستهلاك: “السوق الفلسطيني محدود ولا يستطيع استيعاب سوى 10% من كامل الإنتاج. وتعد مدينة الخليل من أبرز المناطق الصناعية في فلسطين، حيث يتم أحيانًا نقل نحو 300 شاحنة محملة بالبضائع الى القدس عبر المعابر التجارية” يقول التميمي.

وأوضح التميمي أن السوق الفلسطيني تغلب عليه الصناعات الصغيرة، في حين أن قلة من التجار فقط يتمكنون من تصدير بضائعهم عبر المعابر، بسبب التكاليف الإضافية المرتفعة التي يتحملونها. وعن تجربته الشخصية بالتصدير، يقول التميمي: “أُصدِّر منتجات الخزف إلى القدس بمعدل لا يتجاوز المرتين أسبوعيًا، وتتراوح الكمية بين 20 إلى 40 كرتونة فقط في كل مرة، فأنا لا أستطيع تعبئة شاحنة كاملة كما هو الحال مع شاحنات المفروشات أو منتجات الألبان”، مؤكدًا أن بعض المواد يتم إرجاعها ولا يسمح بإدخالها ويطلب منه إعادة شحنها إلى القدس عبر معبر ترقوميا، ما يشكل عبئا ماليًا إضافيًا ويلحق خسائر به، إذ إن تكلفة شاحنة النقل عبر المعبر تصل إلى ألف شيكل.

نادر التميمي، الرئيس السابق لاتحاد الصناعات التقليدية

أوضح التميمي أن الوضع تحسّن حاليًا مقارنة ببداية الحرب، حيث كانت نسبة التصدير حينها لا تتجاوز 20%، بينما ارتفعت حاليًا إلى 50% تقريبًا. لكن، رغم هذا التحسّن، لا يزال وضع المعابر التجارية سيئًا للغاية. فكما أكد رائد نيروخ، عضو مجلس إدارة الغرفة التجارية في الخليل، تم تقليص أيام عمل بعض المعابر التجارية حاليًا، حيث لا يعمل أغلبها إلّا لثلاثة أيام في الأسبوع كحد أقصى من السابعة صباحًا حثى الثالثة عصرًا فقط، ما ينعكس سلبًا على توريد بعض المنتجات التي تتطلب شحنًا يوميًا كمنتجات الحليب والألبان.

“نعمل بشكل قانوني وبالرغم من ذلك دائمًا ما تؤثر التوترات الأمنية علينا”

على الجانب الآحر من الحاجز، يستفيد تجاريًا وكلاء مقدسيون يعتمدون في أعمالهم على استيراد المنتجات الفلسطينية المنتجة في الضفة الغربية. وفي هذا السياق، قال ناصر الإمام، صاحب شركة الإمام للصناعات الغذائية في القدس، في حديثه مع وصلة، بأنه يعمل على إدخال المنتجات الغذائية الى مدينة القدس وقراها مثل الطور، وصور باهر، وشعفاط، وبيت حنينا، والعيساوية. موضحًا أن السوق الفلسطيني في القدس يتميز بتنوع أنماط الاستهلاك وتعدد الأصناف المتوفرة ما يعزز من مستوى المنافسة، ويؤدي إلى توفير المنتجات بأسعار مناسبة للمواطن المقدسي. “هناك عامل مهم آخر، فوجود هذه المنتجات في القدس يتوافق مع الثقافة الاستهلاكية الفلسطينية، على عكس بعض المنتجات الإسرائيلية” يقول الإمام.

ناصر الإمام، صاحب شركة الإمام للصناعات الغذائية

ويؤكد الإمام أيضًا على تأثير التوترات الأمنية المباشر على إدخال المنتجات الفلسطينية إلى القدس: “رغم التزامي الكامل بالإجراءات القانونية، يتم أحيانًا منعي من إدخال البضائع الفلسطينية إلى القدس في بعض الأيام بسبب الأوضاع الأمنية، ما ينعكس سلبًا على حجم المبيعات لدينا، وسير العمل في شركتنا التي توظف 45 موظفًا، بالإضافة إلى فريق توزيع ميداني يضم عشرة من مندوبي المبيعات وعدة شاحنات لنقل المنتجات”.

“يتم اختيار المعابر التجارية حسب الوضع الأمني”

أمل توفيق مديرة حسابات شركة البركة، الوكيل المقدسي لمصنع الجنيدي لمنتجات الألبان في الخليل، قالت في حديثها معنا بأنّ معظم منتجات الألبان والأجبان التي يُدخلونها من الضفة الغربية تكون موجهة إلى السوق المقدسي، مع نسبة ضئيلة مخصصة لمدن الداخل. وأوضحت توفيق أنّ ادخال هذه المنتجات الى القدس وضواحيها يتطلب الحصول على تصريح من وزارة الصحة الإسرائيلية، وبعد الحصول عليه تنقل المنتجات بواسطة ثلاجات خاصة لضمان الحفاظ عليها.

أحد منتجات شركة الجنيدي للأغذية على رفوف المتاجر في القدس، تصوير: رحمة علي

وأضافت أمل أنّ اختيار المعبر التجاري المستخدم يعتمد على الأوضاع الأمنية السائدة، حيث يتم أحيانًا نقل البضائع من الخليل الى القدس عبر معبر ترقوميا في الخليل، وأحيانًا أخرى عبر معبر بيتونيا قرب رام الله. وأوضحت أن عملية نقل البضائع لديهم تتمّ أولًا من مصنع الجنيدي الى المعبر بواسطة شاحنة من الضفة، ثم تُنقل إلى شاحنة إسرائيلية أخرى توصلها إلى القدس. وعادة ما تدخل المنتجات الغذائية إلى القدس يومين أو ثلاثة أيام فقط في الأسبوع.

رد وزارة الزراعة 

ردت وزارة الزراعة الإسرائيلية على استفساراتنا موضحة أنّ المسوقين الإسرائيليين يشترون المنتجات الزراعية والحيوانية (كمنتجات الألبان) من أراضي السلطة الفلسطينية عبر المعابر المعتمدة لتسويق المنتجات الزراعية مثل : معبر افريم وجلبوع وبيتونيا وترقوميا.

وأكدت الوزارة في ردّها أن هذه المنتجات تحتاج إلى تصريح خاص يسمح باستيرادها وفقا لقانون الغذاء الذي وضعته وزارة الصحة الإسرائيلية. وأضافت الوزارة أن مفتشيها يقومون بأخذ عينات من المنتجات من هذه النقاط ويجرون فحوصات خاصة عليها، مثل فحص بقايا المبيدات في المنتجات الزراعية، وذلك للتأكد من خلوها الآفات وما يضر بالصحة العامة.

وفيما يتعلق بالمنتجات الزراعية والحيوانية، أكدت الوزارة أنّ هناك عدد من المصانع في الضفة الغربية تمت الموافقة عليها في السابق، التي يُسمَح لها بإدخال هذه المنتجات إلى مناطق القدس الشرقية فقط، لكن لا يُسمَح لها بتسويق منتجاتها في مناطق أخرى من إسرائيل.

مقالات ذات صلة: “صادر الجيش مركبتي لستة أشهر، ولم يعترف بالأضرار”: تجنيد مركبات وآلات المواطنين خلال الحرب

مقالات مختارة