رغم التصريحات الإسرائيلية الرسمية المتكررة بشأن محاربة ما يسمونه “اقتصاد الإرهاب”، تظهر السياسات المالية التي ينتهجها وزير المالية بتسلئيل سموتريتش نتائج معاكسة على الأرض، إذ تدفع الاقتصاد الفلسطيني أكثر فأكثر نحو التعامل النقدي، وهو المغذي الأكبر لكل النشاطات الاقتصادية التي تعتبرها الحكومات حول العالم غير شرعية، وتبتعد به عن المسارات البنكية الخاضعة للرقابة.
وبحسب تقرير ميراف الوزوروف في دا ماركر، فمنذ اندلاع الحرب الأخيرة وبسبب سياسات سموتريتش المتعمدة، ارتفعت السيولة النقدية في الأراضي الفلسطينية من مستوى يتراوح بين 5 و6 مليارات شيكل إلى ما بين 11 و12 مليار شيكل، وفق التقديرات الأخيرة. هذه الزيادة الكبيرة لا تعكس نمواً اقتصادياً، بل تمثل تحوّلاً قسرياً نحو الاقتصاد النقدي بسبب التآكل المستمر في العلاقة المالية بين البنوك الفلسطينية والإسرائيلية.

خنق العلاقة البنكية بين الضفة الغربية والعالم
في قلب هذه الدينامية يقف موقف وزير المالية الإسرائيلي، الذي ضغط خلال الأشهر الماضية لوقف التعاملات المالية بين البنوك الإسرائيلية (بنك هبوعليم وبنك ديسكونت) والبنوك الفلسطينية. هذه العلاقة ضرورية لربط البنوك الفلسطينية بمنظومة الشيكيل وبالنظام المالي العالمي. وعلى الرغم من التوصل إلى تمديد مؤقت لهذه العلاقة حتى نوفمبر 2025، إلا أن الرسالة كانت واضحة: هذه الجسور قد تنهار في أي لحظة.
نتيجة ذلك، بدأت البنوك الإسرائيلية بتقليص خدماتها للبنوك الفلسطينية إلى الحد الأدنى، بينما عمد الفلسطينيون إلى تخزين الأموال النقدية، وتجنب النظام البنكي الهش وغير المضمون، بسبب خشيتهم من انهيار البنوك الفلسطينية إما بسبب قطع علاقاتها مع العالم، أو نتيجة انهيار اقتصاد السلطة الفلسطينية المتأثر بالحرب والسياسات التي ينتهجها سموتريتش، مثل منع منح تصاريح للعمال الفلسطينيين. وهكذا، تضاعف حجم الاقتصاد النقدي في الضفة الغربية، في ظل غياب بنية مصرفية موثوقة وآمنة.
التحدي البنكي وغياب البدائل
كانت إسرائيل تدرك منذ سنوات أن البنوك الإسرائيلية لا ترغب في تحمل مسؤولية التعامل مع النظام المالي الفلسطيني. منذ 2018، أوصت لجنة حكومية تضم ممثلين عن بنك إسرائيل ووزارة المالية والجيش، بتأسيس كيان حكومي بديل يقوم مقام البنوك في تسيير العلاقة البنكية.
وبحسب موقع ذاماركر، تم بالفعل إنشاء شركة حكومية خُصص لها 72 مليون شيكل لتمكينها من نقل الأموال والتحويلات بين الجانبين، لكن انطلاق نشاطها الفعلي ما زال معلقًا في ظل غياب تشريع قانوني يُمنحها صلاحيات العمل. وبالتالي، قلصت البنوك الإسرائيلية تعاملاتها مع نظيراتها الفلسطينية إلى الحد الأدنى، ما عزز المخاطر المحيقة بالقطاع المصرفي الفلسطيني.

مخاطر على الأمن والاستقرار
لا يقتصر التحول نحو الاقتصاد النقدي على كونه تراجعًا في الشفافية المالية، بل يحمل مخاطر أمنية واقتصادية جادة. فالنظام النقدي يُصعّب على السلطات الرقابة ويُسهل حركة الأموال بطرق تعتبرها السلطات غير مشروعة، ما يُضعف جهود مكافحة تمويل التنظيمات المسلحة والجرائم المالية.
وهكذا يقع سموتريتش في تناقض صارخ، فمن جهة، هو من أشد المصرّين في الحكومة الإسرائيلية على “القضاء الكامل على حركة حماس” وتهجير سكان قطاع غزة، ومن جهة أخرى فإن سياساته الموجّه نحو تدمير الاقتصاد الفلسطيني، تزيد الاعتماد على “الكاش” وتقلل من الرقابة المالية، وهو ما يصبّ فعليًا في صالح حماس.
وقد عبّرت أوساط أمنية إسرائيلية ومؤسسات مالية عن قلقها مرارًا من هذه السياسات، باعتبارها تُنتج عكس ما يُروّج له سموتريتش عن نفسه، ليلًا نهارًا، من أنه الحارس الأكبر “للأمن القومي الإسرائيلي”.
مقالات ذات صلة: هكذا يُخطط سموتريتش لتدمير الاقتصاد الفلسطيني











