أقرت الحكومة، اليوم، وبصورة مفاجئة ومن دون إدراج الموضوع على جدول أعمالها، اقتراح قرار يقضي بتعديل القرار الحكومي رقم 550، يتضمن اقتطاعًا حادًا بقيمة 220.7 مليون شيكل من ميزانيات الخطة الخمسية المخصصة لتقليص الفجوات في المجتمع العربي.
وبحسب نص القرار، سيتم تحويل المبالغ المقتطعة لاستخدامات تتعلق بـ”مكافحة الجريمة في المجتمع العربي”، عبر الشرطة، وللمرة الأولى أيضًا لصالح جهاز الأمن العام (الشاباك)، في خطوة أثارت اعتراضًا واسعًا داخل الأطر المهنية في الوزارات الحكومية المختلفة.
رغم اعتراض المستويات المهنية
جميع الميزانيات التي تم تقليصها هي ميزانيات إضافية خُصصت أساسًا لتنفيذ الخطة الخمسية، وقد جرى اقتطاعها رغم معارضة شاملة من المستويات المهنية في الوزارات المعنية. ووفق تحذيرات هذه الجهات، فإن تقليص هذه الموارد من شأنه أن يضرب بشكل مباشر قدرة الوزارات على تنفيذ البرامج التي أُقرت في إطار الخطة.
تقليصات تطال التعليم، الثقافة، والشباب
ويبرز ضمن بنود التقليص المسّ بعدة وزارات مركزية:
وزارة التربية والتعليم: اقتطاع 16 مليون شيكل كانت مخصصة لبناء صفوف تعليمية ورياض أطفال، في وقت تعاني فيه السلطات المحلية العربية من نقص مزمن في البنى التحتية التعليمية.
وزارة الثقافة والرياضة: تقليص 13.25 مليون شيكل من ميزانية عام 2025، ما يُتوقع أن ينعكس سلبًا على تمويل المؤسسات الثقافية في المجتمع العربي، والتي تشكّل أطرًا حيوية لآلاف الشباب، وتسهم في بناء ركائز ثقافية مثل المسارح، السينماتيك، الغاليريهات والمتاحف.
سلطة الشباب: وقف كامل لميزانية بقيمة 15 مليون شيكل، كانت تُموّل عبر وزارة النقب والجليل، وتدعم عشرات مراكز الشباب في البلدات العربية. وتشير التقديرات إلى أن بعض هذه المراكز قد يواجه خطر الإغلاق. كما سيتأثر تمويل برامج أخرى للوزارة تتعلق بتطوير محركات نمو اقتصادي وبناء مرافق عامة ومناطق تشغيل.
تحويل ميزانيات “السنة الانتقالية” وإضعاف برامج اجتماعية
في مجال دعم الشباب أيضًا، جرى تحويل 13 مليون شيكل كانت مخصصة لبرامج “السنة الانتقالية” في وزارة المساواة الاجتماعية، بطريقة لا تتيح تطوير أو حتى الحفاظ على الأطر الحكومية القائمة. ويأتي ذلك رغم تأكيدات سابقة للوزارة بأن الاستثمار في هذه الفئة، خاصة بين الشباب غير المنخرطين في العمل أو التعليم، يُعد عنصرًا أساسيًا في مكافحة العنف والجريمة. كما تم، ضمن القرار، كبح الاستثمار في برامج موجهة لكبار السن في المجتمع العربي.
المدن المختلطة والسلطات المحلية… خارج الأولويات
كذلك، تم تحويل نحو 45 مليون شيكل كانت مخصصة لدعم خطط طويلة الأمد في المدن المختلطة، وذلك بعد أن امتنعت الحكومة الحالية عن تمديد قرار حكومي سابق بهذا الشأن. ووفق معطيات مهنية، فإن هذا التحويل سيمنع عمليًا تمويل برامج تقليص الفجوات في هذه المدن، رغم حساسيتها وأهميتها الاجتماعية والاقتصادية.
إضافة إلى ذلك، جرى اقتطاع 15 مليون شيكل من ميزانيات وزارة الداخلية المخصصة لإتاحة مؤسسات عامة، وهو مجال تعاني فيه السلطات المحلية العربية من فجوات كبيرة.
استهداف مباشر لسلطة التطوير
من أكثر الجهات تضررًا، سلطة التطوير الاقتصادي في وزارة المساواة الاجتماعية، المسؤولة عن تنسيق ومتابعة تنفيذ الخطة الخمسية. إذ شمل التقليص ميزانيات مخصصة للمتابعة، الرقابة، وتقييم الأداء، في تناقض صارخ مع ادعاءات رسمية سابقة حول ضرورة تحسين آليات المراقبة، إلى جانب تقليص برامج تهدف إلى تعزيز التنوع في سوق العمل داخل القطاع الخاص.
في المحصلة، يعكس القرار الأخير توجّهًا حكوميًا يُعيد تعريف أولويات الخطة الخمسية، من الاستثمار المدني طويل الأمد إلى مقاربة أمنية ضيقة، وسط مخاوف متزايدة من أن يكون الثمن مزيدًا من تعميق الفجوات بدل تقليصها.











