
يدفع وزير المالية بتسلئيل سموتريتش نحو إصلاح واسع يقوم على خفض سعر الحليب الخام وفتح السوق أمام الاستيراد، وهو ما أثار موجة غضب لدى مربي الأبقار وشركات الألبان على حد سواء، وسط شكوك متزايدة حول ما إذا كان سيسهم فعلًا في خفض الأسعار على المواطنين كما يأمل الوزير.
أبرز ما جاء في مشروع القانون الذي نشرته وزارة المالية هو خفض فوري بنسبة خمسة عشر بالمئة في سعر الحليب الخام الذي تشتريه شركات الألبان من مربي الأبقار، ابتداء من شهر أبريل المقبل. الوزارة تصف هذه الخطوة بأنها مرحلة انتقالية، لكنها في الواقع أداة ضغط مباشرة تهدف إلى إخراج مربي الأبقار الذين لا يستطيعون تحمّل السعر المنخفض من قطاع منتجات الألبان، ودفعهم إلى بيع حصص الإنتاج التي يملكونها للدولة. كلفة هذه الخطوة تقدّر بمليار شيكل، وهي جزء من خطة أوسع تهدف إلى تقليص إنتاج الحليب المحلي بشكل كبير.
اليوم ينتج قطاع منتجات الألبان المحلي حوالي مليار ونصف مليار لتر من الحليب سنويا، فيما تسعى وزارة المالية إلى خفض هذه الكمية إلى مليار لتر فقط. الفجوة التي ستنشأ نتيجة هذا التقليص من المفترض أن تُسد عبر توسيع الاستيراد، خصوصا الجبن الصلب ومنتجات الألبان والحليب ذات فترة الصلاحية الطويلة. وبحسب ما تعتقد الوزارة، سيؤدي فتح السوق وزيادة الاستيراد إلى تعزيز المنافسة وخفض الأسعار، لكن العاملين في هذا القطاع يشككون بالأمر.
الفترة التي حددها مشروع القانون كمرحلة انتقالية تمتد من الأول من أبريل 2026 حتى الثلاثين من يونيو 2028. خلال هذه الفترة سيتم استبدال السعر الحالي الملزم بسعر جديد أقل بنسبة خمسة عشر بالمئة، مع الاستمرار في تحديثه وفق الآلية المعمول بها اليوم. مربي الأبقار يحذرون من أن هذا الخفض سيجعل استمرار الغالبية الساحقة منهم مستحيلًا، وسيضطرون إلى الخروج من هذا القطاع خلال وقت قصير.

التوتر لا يقتصر على مربي الأبقار فقط، بل يشمل أيضا شركات الألبان. هذه الشركات تجد نفسها عالقة بين مسارين متناقضين. من جهة، يُلزمها القانون بشراء الحليب الخام المحلي بسعر محددٍ، ومن جهة أخرى سيتم فتح السوق أمام منتجات مستوردة أرخص ثمنا، في وقت تخضع فيه أسعار عدد من منتجات الألبان للرقابة الحكومية ولا يمكن رفعها لتعويض الخسائر. في ظلّ هذا الواقع، تحذر الشركات من أن إنتاج هذه المنتجات قد يصبح غير مجد اقتصاديا، ولهذا تلوّح بتقليص إنتاجها أو التوقف عنه.
إلى جانب خفض السعر، يتضمن الإصلاح تغييرات بنيوية عميقة في طريقة إدارة قطاع منتجات الألبان. مشروع القانون يقضي بتغيير اسم القانون القائم وحذف مفهوم التخطيط منه، وتعديل أهدافه بحيث يتحول القطاع رسميا إلى سوق مفتوح وتنافسي، مع الاكتفاء بالنص على ضمان تزويد منتظم بالحليب ومنتجاته. كما ينص على إخضاع القطاع لقانون المنافسة الاقتصادية ابتداء من نهاية الفترة الانتقالية، بعد أن كان مستثنى منه لسنوات طويلة.
من التغييرات اللافتة أيضًا إلغاء مجلس الألبان، الذي تأسس عام 1956 وشكّل على مدار عقود منصة مشتركة للحكومة ومربي الأبقار وشركات الألبان والمستهلكين لتنظيم شؤون القطاع والتوصل إلى تفاهمات. إلغاء المجلس يعني إنهاء هذا الإطار التوافقي، ونقل مركز الثقل في اتخاذ القرارات إلى الحكومة، وتحديدا إلى وزارة المالية. ومع إلغاء نظام الحصص، لم يعد الحديث يدور حول حصص فردية لكل مربي أبقار، بل عن تحديد كمية إجمالية من الحليب الخام على مستوى الدولة.
في موازاة ذلك، اتخذ سموتريتش خطوة إضافية عبر توسيع كميات الجبن الصلب التي يمكن استيرادها دون جمارك. فبعد أن كانت الكمية المسموح بها محدودة، يجري توسيعها بشكل كبير خلال عام 2026. هذه الخطوة تهدف إلى زيادة الضغط على الإنتاج المحلي، وتقليص الطلب على الجبن المصنّع في البلاد، وبالتالي تقليل الحاجة إلى شراء الحليب الخام من مربي الأبقار.
يبقى السؤال الأساسي ما إذا كانت هذه الخطوات ستؤدي فعلا إلى خفض أسعار الحليب ومنتجات الألبان على المواطنين. حتى الآن، لا توجد ضمانات واضحة على أن تقليص الإنتاج المحلي وفتح السوق أمام الاستيراد سيترجمان إلى أسعار أقل للمستهلك، خصوصا في ظل تقلبات الأسعار في الأسواق العالمية والظروف الاقتصادية التي تعيشها الشركات خارج البلاد.
مقالات ذات صلة: “ثورة سموتريتش” في قطاع منتجات الألبان: هل ستسهم في خفض الأسعار؟









