/
/
“أصرف في كل زيارة 3,000 شيكل”: أهل الداخل “شريان الحياة” لسوق الخليل منذ عامين

“أصرف في كل زيارة 3,000 شيكل”: أهل الداخل “شريان الحياة” لسوق الخليل منذ عامين

"الخليل معروفة تاريخًا بتجارتها وبضاعتها المميزة، ونحب أن نساعد الناس في ظل هذه الظروف، ونحن نساعد أنفسنا لأن أسعارها أفضل"
أيقون موقع وصلة Wasla
wasla brands
1 2
“موقف مجاني لفلسطيني الداخل في القدس” – لافتة في أحد شوارع الخليل

 

ثمة فارق بين ما كانت عليه الحالة الاقتصادية قبل السابع من أكتوبر 2023، وبين الحالة التي آلت إليها حتى يومنا هذا؛ بسبب الحرب على قطاع غزة، وإغلاق المداخل بين المدن والقرى والبلدات في محافظات الضفة الغربية، بالإضافة لاحتجاز إسرائيل أموال المقاصة الفلسطينية ومنع عمال الضفة من العمل في الداخل، حيث تجاوزت البطالة 30% حسب الإحصائيات الرسمية، وقد تكون البطالة الحقيقية أعلى بكثير.

تلقّى سوق الخليل، الذي يعتبر قلب الاقتصاد الفلسطيني ويمثّل أكثر من 40% من الناتج المحلي في الضفة الغربية، ضربة قويّة عقب الحرب على قطاع غزة، أصابت عصب الصناعة خاصة والقطاع التجاري الاقتصادي بشكل عام، ولم يبقَ من سيولة نقديّة غير ما يوفره أهل الداخل خلال زياراتهم إلى الخليل ومدن الضفة الأخرى، حتى باتوا أشبه بـ”الإبر المغذيّة” لهذه الأسواق المنهكة.

“أهل الداخل، باتوا طوق النجاة لسوق الخليل، فلم يعد هناك سيولة نقديّة ترفد للسوق إلا من خلال تسوقّهم، ولهذا تشهد أيّام السبت من كل أسبوع استعدادًا لاستقبالهم.”

 

في حديثه مع وصلة، قال عبده إدريس، رئيس اتحاد الغرف التجارية الصناعية ورئيس غرفة تجارة وصناعة الخليل، إن اعتداءات المستوطنين والانتهاكات التي تطال القطاع الخاص بمختلف مكوّناته تفرض مخاطر اقتصادية جمّة. وأوضح أن الإغلاقات المتواصلة وتقطيع أوصال الضفة الغربية بأكثر من ألف بوابة وساتر أدّت إلى ارتفاع كلفة النشاط الاقتصادي على المجتمع الفلسطيني بما يصل إلى 20%.

d0dcd647 1b24 4104 b0e7 7f2f34827200
حافلة تحمل زوارًا من فلسطيني الداخل

 

وأكّد إدريس أن الأضرار لا تقتصر على ذلك، موضحًا أن منع نقل البضائع من الضفة الغربية إلى غزة، والتي كانت تمثّل 30% من النشاط التجاري، فاقم من الأزمة. كما أشار إلى أن توقف العمال الفلسطينيين عن العمل في إسرائيل بشكل كامل أدى إلى انقطاع تدفقات مالية كانت تتراوح بين 1.3 و1.5 مليار شيكل شهريًا.

وما زاد الطينة بلّة كما يقول إدريس هو حجز إسرائيل أموال المقاصة التي تجاوزت عشرة مليارات شيكل، والتي أثّرت على دفع رواتب الموظفين ومستحقات القطاع الخاص التي تُقدَّر بمليارات الشواكل. وأكد إدريس أن “أموال المقاصة هي أموال الشعب الفلسطيني، واستمرار حجزها يُبقي عجلة الاقتصاد مشلولة، ويؤدي إلى انكماش اقتصادي وتراجع القدرة الشرائية لدى المواطنين”.

“أهل الداخل، باتوا طوق النجاة لسوق الخليل، فلم يعد هناك سيولة نقديّة ترفد السوق إلا من خلال تسوقّهم، ولهذا تشهد أيّام السبت من كل أسبوع استعدادات لاستقبالهم”، يقول إدريس، ويضيف: “ومع ذلك يجتهد الاحتلال في قطع شريان الحياة هذا عبر الاغلاقات المستمرّة واستهداف الأسواق. أسواق الخليل كبيرة، وسوق الظاهرية مركز تجاري مهم، والاحتلال أغلقه بصورة شبه كاملة بعد هدمه قرابة 340 محل ومنشأة تجارية”.

رائد نيروخ، عضو غرفة تجارة وصناعة الخليل، أشار في حديثه مع وصلة إلى أن حركة أهل الداخل والقدس إلى مدن الضفة الغربية كانت نشطة للغاية قبل الحرب، إلا أن الحرب وما رافقها من حواجز ومعوّقات واعتداءات من المستوطنين حدّت بشكل كبير من هذه الحركة. “لكن أهلنا من الداخل والقدس مصرّين على زيارة محافظات الضفة دعمًا لأهلها وتنشيطًا للحياة الاقتصادية في أسواقها” بحسب نيروخ.

عبده ادريس
عبده إدريس: “أهل الداخل، باتوا طوق النجاة لسوق الخليل، فلم يعد هناك سيولة نقديّة ترفد السوق إلا من خلال تسوقّهم”

تحظى زيارة أهل الداخل والقدس إلى الخليل باهتمام كبير من غرفة تجارة وصناعة الخليل، خاصة في ظل تجمّد روافد الدخل الأساسية، لما له من أثر اقتصادي إيجالبي على المحال التجارية والمطاعم والفنادق. وفي هذا الإطار، تعمل الغرفة على تنظيم استقبال الزائرين وتوفير مواقف مجانية لحافلاتهم ومركباتهم الخاصة. وأوضح رائد نيروخ أن عدد الحافلات التي كانت تصل إلى الخليل أيام السبت قبل الحرب بين إسرائيل وإيران كان يتراوح بين 40 و50 حافلة، لكنه تراجع بعد ذلك إلى نحو 25 حافلة. أما عدد المركبات الخاصة فكان يتراوح قبل الحرب مع إيران بين 600 و800 مركبة، بينما يتراوحد عددها حاليًا بين 200 و300 مركبة، في حين تكون حركة المركبات خلال باقي أيام الأسبوع قليلة نسبيًا.

“اقتصاد الخليل منهار بسبب رواتب الموظفين المجتزأة وتوقف تصريحات العمل، ولهذا ننتظر يوم السبت لأنه يحرك الحياة في الأسواق”

 

جواد ناشف من سكان المثلث، الطيبة، يقول “جئنا للخليل لأننا نحب الخليل وأهلها والتجارة فيها جيّدة والمعاملة طيّبة والأسعار أفضل من أسواقنا في الداخل”. ويضيف ناشف “الأوضاع صعبة، وهناك واجب أخلاقي وديني في الوقوف بجانب أهلنا في الضفة. وأنا شخصيًا كلما زرت الخليل أشتري بألفي شيكل”. ثم يستطرد :”بشتري من الدبسة للكوباية للأكل”.

وتقول مها جبر من القدس: “الخليل معروفة بأسواقها الشعبية الجميلة، وأسعارها المقبولة، وبضاعتها المميزة والنظيفة. أنا وأسرتي نفضّل التسوق من الخليل، وصراحة أزور الخليل أسبوعيًا للتسوق لي ولعائلتي. غالبًا ما أتسوق في الخليل أكثر من القدس، بسبب ارتفاع الأسعار في القدس خصوصًا مع زيادة الضرائب. لذلك، كلما سنحت لي الفرصة أزور الخليل لخليل لأنها أوفر”.

f612798a f50a 416a b6a5 24f275bcd753
زوار من فلسطينيي الداخل في الخليل

 

يتفق صبري عثامنة من كفر قرع مع جبر، ويقول في هذا السياق: “الخليل معروفة تاريخًا بتجارتها وبضاعتها المميزة، ونحن نحب أن نساعد الناس خاصة في ظل هذه الظروف، بالاضافة أننا نساعد أنفسنا لأن أسعارها أفضل”.

يعمل صبري في القطاع السياحي، وهو قطاع شلّته الحرب. ومع توقّف السياحة، سعى صبري إلى إيجاد بديل يوفّر له دخلًا كريمًا. يقول صبري: “عندما توقّفت السياحة، عملت على مشروع لتنظيم الزيارات إلى الضفة الغربية، من خلال جمع الناس وتنظيم رحلات إلى الخليل والتسوّق منها. سوق الخليل مغرٍ جدًا، وأنا أُحضر كل أسبوع مجموعة من الزوّار إلى المدينة”.

الخليل سوق لا يمكن الإستغناء عنها كما يقول سعيد أبو سمّور من رهط، موضحًا ” الخليل توفّر ما لا يوفره غيرها، لا بئر السبع ولا حتى رهط، ولذلك الخليل مدينة لا يمكن الاستغناء عنها، وأسعارها جيدة، وأنا أصرف في كل زيارة من ألفين لثلاثة آلاف شيكل”.

وبالعودة إلى تجّار الخليل الذين يتابعون الواقع من عل الأرض، يقول التاجر أيمن الزغير “لا أحد يستطيع أن ينكر أن إخواننا الذين يزورون الخليل من الداخل والقدس وبئر السبع لهم تأثير واضح على تجارة الخليل، فاقتصاد الخليل منهار بسبب رواتب الموظفين المجتزأة وتوقف تصريحات العمل، ولهذا ننتظر يوم السبت لأنه يحرك الحياة في الأسواق”.

أما التاجر أشرف الشعراوي الذي يتطوّع في استقبال الزائرين وتأمين المواقف للحافلات يقول ” الأعداد التي تأتي تخلق حركة تجارية، فجميع مخازن الحافلات عند المغادرة تكون مليئة بشكل كامل، وكذلك صناديق السيارات الخاصة. وأعتقد أن كلّ راكب في الحافلة يصرف 500 شيكل على الأقل خلال زيارته”.

56b0ef72 e8d2 44be a661 689a10efbfe5
تنتعش محلات الملابس يوم السبت، لكن اقتصاد الخليل لا يزال هشًا للغاية

 

يتفق التجّار على أن زيارات أهل الداخل أصبحت مصدر دخلهم الوحيد في الوقت الحالي. وهذا ما أكده رئيس لجنة تجار باب الزاوية والبلدة القديمة يوسف أبو عيشة في حديثه مع وصلة: “بسبب الحواجز والإغلاقات، يواجه أهلنا من الداخل مشقة كبير حتى يصلوا إلى الخليل، ومع ذلك يصرّون على زيارتها والتسوّق من سوقها، وهذا يُحسب لهم”.

ويضيف أبو عيشة: “زيارتهم لا تعدّل كفّة الوضع الاقتصادي السيّئ، لكنها تحرّك الحياة التجارية يوم السبت. أصبح اقتصاد المحافظة هشًا، والمواطن لم يعد قادرًا على التسوّق إلا للضروريات، والاعتماد بات على البسطات والمؤسسات التي تقدّم أسعارًا أرخص وجودة أقل. في المقابل، تتفاقم خسائر المحال التجارية، فهناك محال تمّ تضمينها تصل أجرتها بين 15 و25 ألف دينار أردني، ولا يستطيع المتضمّنون تغطية هذه المبالغ فينهارون، إذ أُغلقت عشرات المحال خلال الحرب”.

مقالات ذات صلة: في غياب السياحة الأجنبية: بيت لحم تراهن على فلسطينيي الداخل لإنعاش اقتصادها المُنهك

مقالات مختارة