
في مشهد يعكس حجم الضغوط السياسية المتصاعدة على المؤسسات الأكاديمية الأميركية عقب الحراك الطلابي المناصر لفلسطين، أعلنت جامعة كولومبيا في نيويورك أنها توصلت إلى اتفاق مع إدارة ترامب يقضي بدفع مبلغ 200 مليون دولار، ضمن تسوية تتعلق باتهامات وجهت لها بعدم حماية الطلاب اليهود من ما وصفته إدارة ترمب بـ”التحريض ومعاداة السامية”، خلال الاحتجاجات الواسعة التي شهدها الحرم الجامعي في ربيع العام الماضي، على خلفية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
الاتفاق يأتي في أعقاب موجة احتجاجات طلابية قادها نشطاء داعمون للقضية الفلسطينية، نصبوا خلالها خيامًا في ساحات الجامعة، ونظموا اعتصامات داخل المكتبة المركزية قبل امتحانات نهاية الفصل في مايو، وكذلك خلال عطلة الخريجين. وعلى إثر هذه الاحتجاجات، أصدرت لجنة تأديبية داخل الجامعة قرارات بحق عشرات الطلاب، وصلت إلى حد الفصل النهائي أو الإيقاف لمدة تتراوح بين سنة وثلاث سنوات، إضافة إلى وضع بعضهم تحت المراقبة الأكاديمية، وسحب شهادات أكاديمية في بعض الحالات.
وفي سياق الضغوط السياسية، وافقت الجامعة على شروط إضافية فرضتها إدارة ترامب، من بينها الالتزام بعدم تطبيق ما يُعرف بسياسات “التمييز الإيجابي”، أي تلك التي تأخذ في الحسبان الخلفيات العرقية والثقافية عند قبول الطلاب أو تعيين الكوادر، وهي سياسات تُصنّف ضمن مبادئ “التنوع والشمولية” التي طالما دافعت عنها الجامعات الليبرالية في الولايات المتحدة. وبذلك، تكون كولومبيا قد رضخت للموقف الجمهوري المتشدد الرافض لهذه السياسات.
الاتفاق شمل أيضًا تعهد الجامعة بتطبيق سلسلة من الإجراءات لضمان “منع معاداة السامية”، ستخضع لمتابعة من مشرف خارجي يتم تعيينه بالتوافق مع وزارة التعليم الأميركية، على أن يرفع تقاريره كل ستة أشهر إلى الحكومة الفيدرالية. إلا أن المثير أن قسم دراسات الشرق الأوسط في الجامعة، والذي كان محور انتقادات المحافظين، لن يخضع لأي رقابة مباشرة كما طالبت الإدارة.
ومن أبرز جوانب التسوية، إعلان الحكومة الأميركية عن استئناف تحويل منح بحثية بقيمة 400 مليون دولار كانت قد جُمّدت في مارس الماضي، ضمن ميزانية إجمالية تبلغ 1.3 مليار دولار تحصل عليها الجامعة سنويًا من مؤسسات فيدرالية. ويعني الاتفاق أن كولومبيا ستستعيد قدرتها على المنافسة مجددًا على منح إضافية في مجالات الطب والعلوم.
وفي موازاة هذا الاتفاق، تتواصل الإجراءات القانونية ضد جامعات أخرى، أبرزها جامعة هارفارد التي تواجه الآن دعوى قضائية من إدارة ترامب بعد وقف تمويل أبحاث بمئات ملايين الدولارات، بسبب اتهامات مماثلة تتعلق بالاحتجاجات المناصرة للفلسطينيين. وقد بدأت جلسات النظر في الملف أمام القضاء الفيدرالي، وسط توقعات بصدور قرار حاسم خلال الفترة المقبلة.
وتعليقًا على الاتفاق، قالت وزيرة التعليم الأميركية، ليندا مكمان، إن التسوية مع كولومبيا “تمثل خطوة مهمة لتحميل الجامعات المسؤولية الكاملة عن أي تحريض أو تمييز على خلفية معاداة السامية”. أما الرئيسة المؤقتة للجامعة، كلير شيبمان، فأكدت أن الاتفاق “مصمم بعناية لحماية القيم الأساسية للمؤسسة، واستعادة الشراكة الحيوية مع الحكومة الفيدرالية في مجال البحث العلمي”.
مقالات ذات صلة: الموانئ الأوروبية مغلقة في وجه إسرائيل: بلجيكيا تنضم إلى هولندا وإسبانيا في حظر شحنات الأسلحة











