الناس تنضم إلى عصابات الجريمة لأن الدولة لا تقدم بديلاً حقيقيًا. الشرطة تتقاعس والخاوة باقية، وستتفاقم!

بدأت المحكمة العليا باتخاذ موقف أكثر حزمًا مؤخرًا تجاه من يُمارسون الخاوة، حيث شُدِدَت في الآونة الأخيرة عقوبات السجن على الكثير من المدانين بعد استئنافهم، التي قد تصل إلى 9 سنوات سجن. لكن تسييس جهاز الشرطة وتقاعسه، وسوء الوضع الاقتصادي في المجتمع العربي، والخشية من الشهادة في المحاكم، تزيد الضوء في آخر النفق بعدًا.
أيقون موقع وصلة Wasla
طاقم وصلة
تسييس جهاز الشرطة يحد من مكافحة الجريمة والخاوة في المجتمع العربي، صورة توضيحية، المصدر: شرطة إسرائيل بالعربية على فيسبوك
تسييس جهاز الشرطة يحد من مكافحة الجريمة والخاوة في المجتمع العربي، صورة توضيحية، المصدر: شرطة إسرائيل بالعربية على فيسبوك

في ظل تصاعد ظاهرة الخاوة في البلاد، التي تضرب كالطاعون المجتمع العربي، بدأت المحكمة العليا باتخاذ موقف أكثر حزمًا تجاه من يُمارسون هذا الشكل من الابتزاز المالي، حيث شُدِدَت في الآونة الأخيرة عقوبات السجن على الكثير من المدانين. ولم تعد الخاوة، أو ما يُعرف قانونيًا بالدفع من أجل الحماية، تقتصر على قطاعات البناء والزراعة، بل أصبحت تمسّ مختلف جوانب الحياة اليومية للناس، في ظل تقاعس الشرطة وتفاقم الأزمة الاقتصادية داخل المجتمع العربي.

بحسب معطيات مركز الأبحاث والمعلومات في الكنيست، فُتحت خلال عام 2024 وحده 160 قضية ضد 130 مشتبهًا بممارسة الخاوة، حيث تركزت 78% من القضايا في شمال البلاد، و12% في الجنوب، و10% في مناطق أخرى. لكن حتى هذه الأرقام الرسمية لا تعكس حجم الظاهرة الحقيقي، بحسب تأكيدات الباحثين.

بحسب موقع غلوبس في تقريره عن ظاهرة الخاوة، فإن قرارات المحكمة العليا مؤخرًا ترسم ملامح جديدة للعقوبات، حيث رفض القضاة الطعون التي قدمها متهمون، بل وشددوا العقوبات. أبرزها كان الحكم على نضال أبو لطيف، الذي يُعتبر رأس شبكة ابتزاز كبيرة في الشمال، حيث رفعت المحكمة العليا عقوبته من 4 سنوات إلى 5.5 سنوات سجن فعلي. وبحسب القاضي الذي أصدر الحكم، فإن العقوبة الأصلية لم تكن متناسبة مع خطورة أفعاله، واصفًا أفعاله بأنها تنتمي إلى “العالم السفلي”.

ملفات أخرى شهدت أيضًا تشديدًا مماثلًا. في نوفمبر 2024، رفعت المحكمة العقوبة على أحد المتورطين من 3 سنوات إلى 7 سنوات،وعلى مذنب آخر من سنتين ونصف إلى 6 سنوات.

هذه الأحكام أتت بعد قانون خاص سُنّ عام 2023 لفترة تجريبية مدتها خمس سنوات، يعرّف جريمة الخاوة بشكل واضح. ويحدد القانون عقوبة بالسجن حتى 6 سنوات على جباية أموال بالخاوة دون تهديد، ومن 7 إلى 9 سنوات إذا وُجد تهديد، مع فرض حد أدنى للعقوبة لا يقل عن ربع المدة القصوى.

رغم ذلك، يرى بعض المختصين أن تشديد العقوبات لا يكفي وحده. إذ تحدث مدعٍ عام سابق لموقع غلوبس، مؤكدًا أن الردع الحقيقي يأتي من خطر القبض على الجناة، لا من طول العقوبة، لأن الكثير من المجرمين لا يحسبون السنوات، بل يخشون القبض عليهم فقط. كما أشار إلى أن جهاز الشرطة لم يعد فعالًا كما كان، بسبب التسييس الحاصل داخله، ما أدى إلى تراجع قدرته على فرض القانون.

ومن أبرز التحديات التي تواجه النظام القضائي ما يُعرف بـ”جدار الصمت”، حيث يمتنع الضحايا والشهود عن التعاون خوفًا من الانتقام، ما يجعل تجنيد شهود للمحكمة مهمة شديدة الصعوبة. لهذا السبب، تُناقش حاليًا مبادرة تشريعية تسمح بأخذ الشهادات في قضايا الخاوة دون حضور المتهمين في القاعة، وهو ما يعارضه بعض المحامين الذين يرون فيه مساسًا بحقوق الدفاع.

في موازاة ذلك، لا يمكن تجاهل العامل الاقتصادي كمحرك أساسي للجريمة. فبحسب دائرة الإحصاء المركزية، نسبة التشغيل لدى الرجال العرب لا تتعدى 53%، مقارنة بـ68% عند الرجال اليهود، في حين تبلغ نسبة التشغيل عند النساء العربيات 30% فقط، مقابل 65% لدى النساء اليهوديات. ومع وجود نحو نصف المجتمع العربي تحت خط الفقر، وارتفاع معدل الفقر بثلاثة أضعاف مقارنة بالمجتمع اليهودي، يجد كثير من الشباب أنفسهم فريسة سهلة لعصابات الجريمة المنظمة التي تقدم “الخاوة” كفرصة للربح السريع.

وفي هذا السياق، عبّر مسؤول سابق في جهاز إنفاذ القانون عن قلقه من استمرار تغذية بيئة الجريمة بسبب غياب السياسات الاقتصادية الداعمة، قائلًا: “الناس تنضم إلى عصابات الجريمة لأن الدولة لا تقدم بديلاً حقيقيًا. الخاوة باقية، بل وستتفاقم”.

من جهتها، دافعت الشرطة عن نفسها مدعية أنها تضع مكافحة الخاوة على رأس أولوياتها، مشيرة إلى عمليات واسعة جرت مؤخرًا، نتج عنها اعتقال أعضاء بارزين في شبكة أبو لطيف، إضافة إلى تقديم 13 لائحة اتهام، بعضها شمل طلبات للاعتقال حتى نهاية الإجراءات القضائية.

مقالات ذات صلة: “الخاوة” في المجتمع العربي تُدفَع علنًا في وضح النهار — والدولة لا تفعل أي شيء!

مقالات مختارة