في كلمة ألقاها أمام الحكومة خلال مناقشة وثيقة “أداة تعداد الميزانية”، رسم محافظ بنك إسرائيل، البروفيسور أمير يارون، صورة للتحديات الاقتصادية الراهنة والمتوقعة خلال الأعوام 2026 إلى 2028، مؤكدًا على أهمية الاستمرار في مسار الانضباط المالي واستعادة الثقة، خصوصًا بعد ثلاث سنوات واجهت فيها الدولة ضغوطًا مالية استثنائية بفعل الحرب وتبعاتها.

ثقة السوق تحت الاختبار وتوقعات العجز
أشار المحافظ إلى أن إجراءات التعديل التي أُقرّت في ميزانيتي 2024 و2025، لا سيما من خلال الزيادات الضريبية، أسهمت في الحفاظ على ثقة الأسواق رغم ارتفاع العجز ونسبة الدين العام. ووفقًا لتقديرات بنك إسرائيل، يُتوقع أن يبلغ العجز في عام 2026 نحو 2.9% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو رقم من شأنه السماح بانخفاض تدريجي في نسبة الدين، شريطة ألا تطرأ مستجدات غير محسوبة على الساحة الأمنية أو الاقتصادية.
لكن يارون حذّر من أن المخاطر المرتبطة بعام 2026 تفوق المعتاد، نتيجة لاحتمال استمرار التصعيد العسكري، والتباطؤ العالمي، والتقلبات في التجارة الدولية، وعدم اليقين المحيط بصفقات حكومية مثل صفقة شركة WIZ، والتي أُدرجت بالفعل ضمن توقعات الإيرادات الحكومية.
2027-2028: التحدي الأكبر قادم
بالنسبة إلى الأعوام 2027 و2028، قدّر بنك إسرائيل العجز بين 3.5% و4.0% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة مرتفعة بالمقارنة مع ما هو مطلوب لكبح الدين العام. تعود هذه الفجوة بشكل أساسي إلى التزامات مالية متوقعة، مثل اتفاقيات الأجور الجديدة، وتكاليف الدفاع وفقًا لتوصيات لجنة “ناجل”، وأعباء أخرى ناجمة عن التفاهمات الائتلافية.
وحتى مع وجود تقديرات مرتفعة للإيرادات في هذه الأعوام، فإن الفجوات بين التوقعات والنفقات ستفرض حتمًا الحاجة إلى تعديلات جديدة في الميزانيات المقبلة، إما من خلال تقليص النفقات أو رفع الضرائب، بحسب الظروف التي ستفرضها التطورات الأمنية والاقتصادية.
تحذير واضح من توسيع ميزانية 2025
فيما يخص ميزانية العام الجاري، شدد يارون على ضرورة تجنّب توسيعها مجددًا، إذ إن الحكومة استخدمت بالفعل معظم الأموال الاحتياطية التي كانت مخصصة للطوارئ أو الحالات غير المتوقعة. ومع تصاعد العمليات في غزة، فإن أي زيادة في الإنفاق يجب ألا تؤدي إلى تجاوز العجز المستهدف عند 4.9%. وأكد على أهمية الالتزام بالإجراءات التي أقرت سابقًا لتقليص العجز، محذرًا من أن إلغاء هذه السياسات سيضعف ثقة السوق ويزيد الضغط على الاقتصاد.

توصيات حاسمة لضمان الاستقرار المالي
اقترح محافظ بنك إسرائيل مجموعة من الإجراءات التي من الممكن تبنيها حال الحاجة لتعديلات إضافية في الموازنات المستقبلية. إذ دعا إلى خفض النفقات التي تُضعف حافز العمل أو الحصول على التعليم اللازم للقدرة على الكسب مستقبلاً. وذلك يتعلق بشكل رئيسي بالدعم المُقدم للشباب العاطلين عن العمل (مثل تمويل المساكن الجامعية دون اختبار دخل، وإعانات الشباب، وما إلى ذلك) أو تخصيص ميزانيات لأنظمة التعليم التي لا تقدم مجالات التعليم الأساسية، وخصوصاً توسيع نطاق الميزانيات لهذه الأنظمة، كما في برنامج “أفق جديد” للمؤسسات التعليمية الحريدية في إطار اتفاقيات الائتلاف.
كذلك، طالب المحافظ بزيادة الضرائب على الأضرار البيئية والاجتماعية، مثل رفع ضرائب الكربون، لا سيما على الغاز الطبيعي، وفرض ضرائب على الأدوات المنزلية أحادية الاستخدام والمشروبات السكرية المحلاة، بالإضافة إلى ضرائب مرورية.
أخيرًا، أوصى بإلغاء الإعفاءات الضريبية التي لم تعد مجدية، مثل إعفاء الخضراوات والفواكه من ضريبة القيمة المضافة، ما قد يوفر موارد مالية ضخمة دون المساس بالنمو الاقتصادي.
وبحسب المحافظ، يمكن لهذه الخطوات أن تُخفّض النفقات وتزيد الإيرادات بمليارات الشواقل سنوياً، دون الإضرار بالنمو، بل وقد توفر هامشاً مالياً يسمح لاحقاً بتوسيع نطاق الاستثمارات في البنية التحتية ورأس المال البشري اللازمين للنمو المستدام. وعند وجود حاجة لاتخاذ خطوات تعديل إضافية، فسيكون من الضروري دراسة قنوات تعديل إضافية على الميزانية.
مقالات ذات صلة: العجز في مايو انخفض إلى 5٪، لكن الانفاق الحكومي والحربي انحرف عن الخطة











