“البيانات والاحصائيات الجافة تؤكد حقيقة بسيطة، المجتمع العربي في إسرائيل هو مجتمع فقير في دولة غنية. تغيير هذه الحقيقة وهذا الواقع أمر ضروري لتمكيننا كأفراد، كعائلات كمؤسسات وكمجتمع. في إطار هذه الرؤيا تم تأسيس الفنار لتكون لاعباً مركزيا لإحداث التغيير، وهذا ما نعمل من أجله على مدار الساعة”.
“شعارنا كمؤسسة يتكون من ثلاث كلمات: تشغيل. اقتصاد. مجتمع. الكلمات الثلاث هي بوصلتنا. نحن في الفنار نؤمن بأن سعادة ورفاهية الفرد تقوم على انتمائه لمجتمع متطور وقوي، بأن أحد الشروط المركزية لبناء مجتمع قوي هو وجود بنى تحتية اقتصادية متطورة ومُنتجة وفاعلة، وبأن المكوّن الأساسي للتنمية الاقتصادية للمجتمع هو التشغيل”. بهذه الكلمات يُلخص السيد حسام أبو بكر، مدير عام شركة الفنار، المهمة الرئيسية التي يعمل هو وكل عائلة موظفي الفنار من أجل تحقيقها منذ أن تأسست هذه الشركة كمؤسسة غير ربحية سنة 2012. “تأسست الفنار لتكون قوة مركزية ودافعة من أجل إحداث التغيير الاقتصادي والاجتماعي في المجتمع العربي إسرائيل”، يؤكد أبو بكر ويوضح أن أعمال هذه المؤسسة تتمحور في نهاية المطاف بالاستثمار في القوى البشرية ودمج المجتمع العربي في سوق العمل بأفضل طريقة ممكنة.

المعرفة كقاعدة للتغيير: مؤشر التشغيل
أربع من كل عشر عائلات عربية تعيش تحت خط الفقر، ورُبع العاطلين عن العمل في البلاد هم من أبناء المجتمع العربي. هذه الأرقام وغيرها الكثير من البيانات، لا تمثل نهاية الطريق بل بدايته، فهي نقطة الانطلاق التي تعتمد عليها الفنار لتوجيه مسار التغيير. “هناك علاقة مباشرة بين ما يحدث في حياتنا اليومية وبين المعطيات الرسمية التي تعكس حالة مجتمعنا العربي”، يقول بروفيسور بسيليوس بواردي، مدير وحدة الأبحاث والتطوير في الفنار، مضيفًا: “العلاقة بين انخفاض نسبة تشغيل النساء وبين ارتفاع معدلات الفقر في العائلات العربية واضحة تمامًا، كما أن العلاقة بين الشباب غير المؤطر ودوائر العنف والجريمة ليست مجرد مصادفة – بل نتيجة لواقع قابل للتغيير إذا عرفنا كيف نحلله ونتعامل مع جذوره”.
ومن منطلق القناعة بأهمية البيانات كأساس للتخطيط المجتمعي والاقتصادي، بادرت الفنار إلى تطوير مشروع بحثي شامل بعنوان “مؤشر التشغيل”، أعدّته الدكتورة نسرين حاج يحيى، ليكون أداة معرفية واستراتيجية تتابع سنويًا واقع التشغيل في المجتمع العربي وتقدّم صورة دقيقة وقابلة للاستخدام في صنع السياسات. المشروع، الذي انطلق عام 2024 بقيادة وحدة البحث والتطوير، اعتمد على تحليل معمّق للتحولات التي طرأت خلال العقد الأخير على سوق العمل العربي، بما في ذلك تأثير الأزمات الأمنية والاقتصادية على الشباب العرب، وتم في إطاره إجراء مسح ميداني خاص بين الذكور في هذه الفئة العمرية. ويضيف بواردي: “مؤشر التشغيل هو أكثر من دراسة. هو منصة للتفكير والعمل، تساعدنا على صنع قرارات مدروسة قائمة على يقين، لا على افتراضات”. ويقوم المشروع على ثلاثة مكونات: بحث كمّي ونوعي يُنتج توصيات عملية للسياسات؛ لجنة استشارية واسعة تضم ممثلين عن الحكومة، القطاع الخاص، والمجتمع المدني؛ وحملة إعلامية مجتمعية تهدف إلى نشر النتائج والتأثير في الرأي العام وصناع القرار.
ثورة تبني ثروة
“تؤمن الفنار بأن العمل الميداني والمباشر مع جماهير الهدف المختلفة في المجتمع العربي هو شرط أساسي للبدء بأي سيرورة تغيير حقيقية”، تقول تمار شقير- زعبي، نائبة المدير العام. ومن هذا المنطلق تُشغّل الفنار مجموعة من البرامج الاستراتيجية التي تقوم على التواصل والعلاقة المباشرة مع جمهور الهدف. “عندما نتحدث عن دمج النساء والشباب في سوق العمل فإننا نوفر لهم أُطر تأهيل وبرامج تطوير تفهم خصوصية مجتمعنا واحتياجاته، لكنها تعي من جهة أخرى احتياجات سوق العمل والاقتصاد. ومن هنا تتميز برامج الفنار المختلفة بقدرتها على إحداث التأثير الحقيقي في حياة المُشاركين والمشاركات”.
“تُشغل الفنار مراكز ريان التي تعمل منذ عام 2013 من أجل دمج القوة العاملة العربية في سوق العمل والتشغيل من خلال فروعها المنتشرة في منطقة المثلث والشمال”، يقول حسام أبو مخ، مدير عام الريان، “تجربة مراكز ريان اثبتت بشكل قاطع جدوى وقيمة الاستثمار في القوى البشرية العربية لتصبح ثروة للمجتمع العربي ولاقتصاد الدولة بشكل عام”. هذا التحوّل يظهر جليًا في التقارير والاستطلاعات التي تبين كيف نجحت الفنار في دمج آلاف النساء والرجال من المجتمع العربي في سوق العمل، وكيف نجحت في بناء الشراكات مع مؤسسات في القطاع الحكومي في والقطاع الخاص لتمكين وتطوير المجتمع العربي.
نواجه التحدي الأكبر: الشباب غير المؤطر
في ظل تعمّق التحديات التي تواجه شريحة الشباب في المجتمع العربي، أطلقت الفنار مؤخرًا مبادرة استراتيجية لمعالجة واحدة من أخطر الأزمات الاجتماعية والاقتصادية: ظاهرة “الشباب غير المؤطر” (צעירים חסרי מעש) – وهم أولئك الذين لا يعملون، ولا يتعلمون، ولا يشاركون في أي برنامج تدريبي. تشير المعطيات الرسمية إلى أن نحو 42% من الشباب العرب في الفئة العمرية 18–29 يندرجون تحت هذه الفئة، مقارنة بـ 14% فقط في المجتمع اليهودي. هذه الفجوة تساهم في تفاقم مظاهر الفقر والعنف، وتُكبد الاقتصاد الإسرائيلي خسائر سنوية تُقدّر بمليار شيكل من الإنتاجية الضائعة.
وعن هذه الخطوة الاستراتيجية تقول د. فهيمة عثمان أبو الهيجاء، مُديرة المبادرة لمواجهة ظاهرة الشباب غير المؤطر: “ترتكز مبادرة الفنار الجديدة على خطة شاملة تبدأ في مرحلة المدرسة الثانوية وتتواصل حتى الإندماج الفعلي والأمثل في سوق العمل. وتشمل المبادرة خمسة مكوّنات مترابطة: مركز أبحاث وتطوير يعمّق الفهم حول الظاهرة ويقترح حلولًا مجتمعية مبتكرة؛ وحدة سياسات تهدف إلى التأثير على صناع القرار ودفع السلطات لتبني حلول ممنهجة؛ برنامج “مشكاة” لتعزيز قدرات السلطات المحلية العربية وتدريب مسؤوليها على قيادة خطط عمل محلية؛ مركز “دروب” للتأهيل والتطوير؛ وبرنامج “روافد” لتأهيل معلمي المرحلة الثانوية وتزويدهم بالأدوات اللازمة لتمكين الطلاب من مهارات حياتية ومهنية لضمان عدم تحولّهم إلى شباب غير مؤطر بعد انهاء المدرسة”.

استثمار في قادة المستقبل
ترى الفنار بأن النهوض بالمجتمع العربي لا يتوقف عند دمج القوة العاملة العربية في سوق العمل الإسرائيلي، بل يشمل أيضا الاستثمار في شرائح مجتمعية أخرى مثل طلاب الجامعات والأكاديميين. ولتحقيق هذه الأهداف تُشغل الفنار برنامج “اندماج” الذي يتيح للأكاديميين المتميزين من المجتمع العربي اكتساب المهارات وبناء العلاقات اللازمة لبناء مسار مهني والاندماج بشكل مثالي في سوق العمل.
عمل يصنع التغيير
ومع اتساع نشاطات وبرامج الفنار التي تخدم عشرات البلدات العربية بكافة أنحاء البلاد، ووصول برامجها إلى آلاف المستفيدين سنويًا، أصبح تأثيرها ملموسًا في مجالات التشغيل، التعليم، التمكين المجتمعي وبناء المعرفة. ولا يقتصر دورها على التنفيذ الميداني، بل يمتد إلى التأثير على السياسات العامة من خلال مشاركتها في الحوارات الاستراتيجية مع صانعي القرار.
في زمن يشهد فيه المجتمع العربي في إسرائيل اتساعاً في الفجوات الاقتصادية والاجتماعية، تقدم الفنار نموذجًا واعدًا للتغيير. نموذج يدمج بين الفعل المهني الرصين والانتماء المجتمعي العميق. في نهاية المطاف، تسعى الفنار إلى أكثر من مجرد تحسين الأرقام والمعطيات، بل تسعى إلى خلق واقع جديد أكثر عدلاً وكرامة، واقع يستطيع فيه كل فرد عربي أن يحلم، ويسعى، ويحقق ذاته.
للمزيد عن الفنار زوروا موقع المؤسسة وصفحتها على فيسبوك
*مقال تسويقي إعداد “وصلة BTANDS” بالتعاون مع شركة الفنار