
متأخرًا كالعادة، اكتشف الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة التحركات المشبوهة التي تقوم بها عائلات دونالد ترامب والمبعوث ستيفن ويتكوف في ساحة العملات الرقمية. الصفقات الأخيرة التي أُبرمت تشبه إلى حد كبير دفع رشاوى للرئيس من قبل دول أجنبية، أو على الأقل تبدو كتضارب كبير في المصالح الوطنية. وهكذا، ولأول مرة منذ أن عاد إلى منصب الرئاسة، خرج الديمقراطيون من حالة الصدمة وقرروا بدء القتال ضده.
كيف؟ بحسب موقع “أكسيوس”، كشف أعضاء ديمقراطيون في مجلس الشيوخ الأسبوع الماضي عن مشروع قانون يقضي بمنع الرؤساء، والمشرّعين، وأفراد عائلاتهم من إصدار أو الترويج أو تسويق أو التورط بأي شكل في الأصول الرقمية المشفّرة (العملات الرقمية). وفي شرحهم لمشروع القانون، وصف السيناتور الديمقراطي كريس مورفي وعضو الكونغرس سام ليكاردو إصدار عملة TRUMP$ – الذي تم عشية تنصيب ترامب قبل أكثر من 100 يوم بقليل – بأنه “أكثر الأفعال فسادًا على الإطلاق التي قام بها رئيس”. وأضافا: “دونالد ترامب ينشر تفاصيل حساب Venmo الخاص به (تطبيق لتحويل الأموال) بحيث يمكن لأي ملياردير أو أوليغارشي أجنبي إرسال أموال له مقابل امتيازات. الأمر يكاد لا يُصدّق، حتى نتذكر أن هذا الرئيس سيفعل أي شيء، بما في ذلك بيع زيارات إلى البيت الأبيض، من أجل أن يصبح أكثر ثراءً”.
وبينما تكمن الأرباح الكبيرة في إصدار العملات المشفّرة التي يمكن أن ترتفع قيمتها بناءً على نشاط مضاربي أو تلاعب من قبل المقربين، يجد السياسيون المعارضون لترامب أنه من الأسهل تسليط الضوء على الفساد من خلال مجالات يفهمها الجمهور بشكل أفضل. على سبيل المثال، الحدث الذي دُعي فيه 220 مستثمرًا في العملات الرقمية إلى البيت الأبيض لحضور “عشاء خاص وحميمي” مع الرئيس، وفقًا للدعوة المنشورة على موقع الشركة المصدِرة؛ بالإضافة إلى “جولة VIP في البيت الأبيض” خُصصت لأكبر 25 حاملًا لعملة TRUMP$.

السيناتورة إليزابيث وارن، من جهتها، اختارت التطرق إلى الإصدار الجديد الذي قامت به عائلة ترامب، لعملة من نوع Stable coin، والتي استثمرت فيها قبل نحو أسبوعين شركة استثمار تابعة للعائلة المالكة في الإمارات العربية المتحدة مبلغ 2 مليار دولار. وقالت وارن إن العملة “ستتيح للرئيس وعائلته ملء جيوبهم. هذه فساد، ولا ينبغي لأي سيناتور أن يتحمل ذلك”.
الخوف من التدخل الأجنبي
منذ لحظة نشر الدعوة، بدأ كثيرون بالتحقق من هوية كبار حاملي عملة TRUMP$، وتشير نتائج الفحص – استنادًا إلى بيانات “المحافظ” في سلسلة الكتل الخاصة بالعملة – إلى أن نحو ثلاثة أرباع العملات موجودة في حسابات كبيرة خارج الولايات المتحدة وبيد مستثمرين أجانب، وذلك بحسب تحليل شركة Chainanalysis. هذه النتائج تعزز الادعاءات بشأن إمكانية وجود تعارض مصالح وطنية، وتزداد أهميتها مع اقتراب الرحلة الدبلوماسية الهامة التي سيقوم بها ترامب إلى الشرق الأوسط، يوم الثلاثاء القادم.
على سبيل المثال، إذا كانت جهات من الإمارات وقطر والسعودية من بين كبار حاملي عملات TRUMP$ (التي ارتفعت قيمتها الأسبوع الماضي بأكثر من 20% إلى قيمة سوقية تبلغ نحو 2.8 مليار دولار) و-USD1 (التي تبلغ قيمتها 2.1 مليار دولار، وتملك عائلتا ويتكوف وترامب معظم مخزون هذه العملات) – فينبغي أن يُطرح التخوف من أن هذه الملكيات قد تؤثر على موقف الرئيس ترامب في مفاوضات صفقات السلاح والطاقة النووية التي تبلغ قيمتها مئات مليارات الدولارات مع هذه الدول، والتي سيزورها جميعها هذا الأسبوع.
في الأيام الأخيرة، هنا لدينا، أُصيب الجمهور والنظام السياسي بالذعر من تقارير حول قرار ترامب الترويج لهذه الصفقات دون اشتراطها بتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل. وهذا يثير التساؤل: هل يهم ترامب منح دول الخليج ما تريده – سلاح متطور، مشروع نووي، اتفاقيات دفاع – أيضًا بسبب مصالح شخصية تتعلق بعملات الكريبتو التي يمتلكها أبناؤه؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل تؤثر هذه المصالح على مواقفه تجاه إسرائيل، التي يعوق رفضها إنهاء الحرب في غزة دمجها في اتفاق التطبيع مع السعودية؟
لم يؤكد أحد في الإدارة الأميركية هذا الاحتمال، لكن التورط الشخصي لترامب والوسيط ويتكوف في صفقات الكريبتو التي يمولها كبار المسؤولين في دول الخليج، ما زال قائمًا في الأفق.

هذا ليس التأثير الوحيد للانتقادات التي بدأت ضد إصدار أبناء ترامب عملات رقمية. بالتوازي مع إعداد اقتراح قانون يمنع الرئيس من الانخراط في مجال العملات الرقمية، جمّد أعضاء الكونغرس الديمقراطيون مشاركتهم في تشريع إصلاح يُعرف باسم GENIUS، يهدف إلى تنظيم استخدام عملات “Stable coin” – وهي عملات مشفرة مدعومة بالدولار – وذلك تحديدًا لأن ترامب وابنه أطلقا مثل هذه العملة.
هذا القرار أثار غضب مجتمع العملات الرقمية، الذي يطمح لإضفاء شرعية قانونية على عملاته. والنتيجة هي أن الرياح انقلبت فجأة ضد ترامب: فبعد أن كان محبوب صناعة العملات المشفرة، والرجل الذي يدفع بالصناعة نحو الاعتراف القانوني، أصبحت القوانين التي تهدف إلى تعزيز مجال العملات الرقمية تتعطل بسبب جشعه، وأسلوب عائلة ترامب-ويتكوف التجاري العدواني يسبب لهم ضررًا كبيرًا في الصورة العامة. فكيف يمكن إقناع الجمهور بأن “Stable coin” هي أصول جديرة وآمنة للاستثمار، إذا كان الرئيس يستخدمها لتلقي رشاوى من دول عربية؟
وكما هو متوقع، ينكر فريق ترامب أي شبهة فساد أو تضارب مصالح، ويقوم بذلك بطريقتهم المعتادة: لا يتطرقون إلى جوهر الاتهامات، بل يهاجمون السياسيين الآخرين. وفقًا لذلك، يرد ترامب قائلًا “لم أطلع على” الموضوع أو على قيمة العملات. أما المتحدثة باسم البيت الأبيض، فتكرر مرة تلو الأخرى الحجة بأن ترامب ملياردير، وأنه الوحيد الذي تسببت له رئاسة الدولة بخسارة مالية، وليس لديه أي سبب للتصرف بما يخدم مصالحه الشخصية، وبأنه يختلف بذلك عن أسلافه الفاسدين.
ومجددًا، وفقًا للنهج المعتاد لترامب وأبواقه، يهاجمون الإعلام الذي لا يتردد في طرح أسئلة صعبة، بينما تجاهل ما يتعلق بفساد نجل الرئيس السابق، هانتر بايدن. وبهذا، يفعل أنصار ترامب ما اعتاد هو فعله حين كان رجل أعمال: أنكر كليًا، ثم هاجم وهاجم بقوة، ثم أعلن الانتصار.
لكن، رغم أن قضايا العملات الرقمية المثيرة للجدل لعائلة ترامب أصبحت أخيرًا موضوعًا للنقاش العام، وربما يضطر إلى مطالبة أبنائه بتخفيف وتيرة نشاطهم، فإن “قطار ترامب والعملات الرقمية” لا يزال يسير في طريقه. أولًا، لا يملك الديمقراطيون أغلبية في أي من مجلسي الكونغرس، وبالتالي من المشكوك فيه أن يتمكنوا من تمرير قانون يمنع ترامب أو أبنائه من العمل في مجال العملات الرقمية، وبالتأكيد ليس بأثر رجعي. ثانيًا، يتمتع ترامب كرئيس بحصانة من الملاحقة القانونية، باستثناء عملية العزل، وهي عملية سياسية يحكم فيها أعضاء مجلس الشيوخ، حيث يملك الجمهوريون الأغلبية.
ثالثًا، التغيير في موقف الولايات المتحدة تجاه عالم العملات الرقمية وتحويله إلى مجال مقبول في نظر الجمهور مستمر كالمعتاد. وإليك مثالًا: في الأسبوع الماضي، قرر قاضٍ في الولايات المتحدة أن الشخصيات المشهورة التي تلقت مبالغ كبيرة للترويج لمنصة FTX – المشروع الذي أسسه سام بانكمان-فرايد، والذي انهار بصخب وأدى إلى سجن مؤسسه لعشرات السنين، هم أبرياء من كل جريمة. إليك ما قاله القاضي في القضية التي كان من بين المتهمين فيها لاعب كرة القدم السابق توم برادي، ولاعب كرة السلة ستيف كاري، وعارضة الأزياء جيزيل بوندشين، والممثل-الكاتب لاري ديفيد: “فشلت النيابة في إثبات أن المشاهير والمؤثرين كانوا على علم بالمخالفات التي ارتكبتها FTX وسام بانكمان-فرايد”.
المقال منشور في وصلة بإذن خاص من موقع The Marker











