
احتدم النقاش في الأسابيع الأخيرة حول ضريبة الأملاك على الأراضي غير المبني عليها، وهي الضريبة التي تُطرح اليوم كأحد أهم الخيارات لتمويل الخطوات الاقتصادية التي يبحث عنها بنيامين نتنياهو وحكومته لحشد تأييد شعبيّ في سنة انتخابية حساسة. لكن خلف هذه النقاشات، تكمن نقطة خطيرة، تتمثل في أنّ نسبة كبيرة من الأراضي غير المبني عليها في البلاد مملوكة للعائلات العربية، ما يطرح سؤالًا حول عدالة أن يتحمل العرب تكلفة دعاية نتنياهو الانتخابية.
ملكية العائلات العربية للأراضي غير المبني عليها هي ملكية تاريخية تعود لما قبل النكبة وقبل قيام الدولة نفسها، وليست نتيجة فائض عقاري أو احتفاظ متعمّد بالأراضي دون تطوير. هذه الأراضي انتقلت ملكيتها عبر الأجيال، وما جعل مساحات واسعة منها تبقى غير مستغلة حتى اليوم ليس غياب الرغبة في تطويرها، بل نتيجة للإهمال الحكومي وغياب التخطيط الحقيقي داخل البلدات العربية. فعلى مدى عقود، عانت هذه المناطق من نقص حاد في الخرائط الهيكلية، وغياب مساحات البناء المخصصة للبيوت والشوارع والمناطق العامة، إضافة إلى عراقيل بيروقراطية ومالية جعلت الحصول على ترخيص بناء أمرًا شبه مستحيل.
يجري العمل على تطوير نموذج يعتمد على الذكاء الاصطناعي لتخمين سعر الأراضي، وتقدّر وازرة المالية عوائد هذه الضريبة بثمانية مليار شيكل.
وهكذا بقيت آلاف الدونمات من الأراضي في القرى والمدن العربية على حالها، رغم الزيادة السكانية الكبيرة وحاجة الأجيال الشابة إلى مساكن. والآن، ومع بحث الحكومة عن مصادر سريعة لتمويل مُقترَح يقضي بخفض درجات ضريبة الدخل لمن يكسبون بين 16 و22 ألف شيكل شهريًا، تظهر الأراضي التاريخية العربية ككبش فداء، بحيث يتم فرض ضرائب عليها دون أن تدفع الثلة الحاكمة أي ثمن سياسي داخل المجتمع اليهودي. وتُقدّر وزارة المالية العوائد الناجمة عن فرض هذه الضريبة بثمانية مليارات شيكل سنويًا.
نتنياهو نفسه تراجع مؤخرًا عن خطة دعم القروض الإسكانية بأثر رجعي بعد معارضة واضحة من بنك إسرائيل ووزارة المالية، بسبب عدم عدالتها وخطورتها المتمثلة في تشجيع التساهل على أخذ القروض. ومع تراجعه عن هذه الخطوة، بات يبحث الآن عن بدائل لخطط اقتصادية يمكن أن تمنحه هو شخصيًا مكسبًا انتخابيًا، خصوصًا وأن مُقترَح خفض درجات ضريبة الدخل يُنسَب الفضل فيه إلى وزير المالية بتسلئيل سموتريش. ولهذا، يضع هو الأخر عينه على على الأراضي غير المبني لفرض ضريبة عليها، لأنها تقدم للحكومة مصدر دخل سريع، وتسمح لنتنياهو بالإعلان عن خطوات شعبوية من دون زيادة العجز.

لكن لـ”مصدر الدخل السريع” هذا تبعات اقتصادية واجتماعية كبيرة سيتحملها المجتمع العربي، فالعائلات العربية التي تملك أراضي غير مبني عليها ليست في موقع يسمح لها بدفع ضريبة كهذه، ولا ببيع الأرض بسهولة، ولا ببدء بناء فوري. وفي كثير من الحالات، يمنع غياب الخرائط المفصلة أي إمكانية لتطوير الأرض. وحتى الاقتراح الذي يسمح بتأجيل الدفع مقابل دفع فوائد على هذه الضرائب، سيتحول إلى عبء طويل الأمد على العائلات العربية التي تعاني أوضاعًا اقتصادية هي الأسوأ في البلاد.
التعقيدات لا تنتهي هنا. فتعريف “الأرض غير المبني عليها” نفسه ما زال قيد النقاش. وزارة المالية تقترح تحديد سقف لاستغلال الأرض يتراوح بين 15 و20% من إمكانات البناء، وهو معيار يهدف لمنع التهرب من دفع الضريبة عن طريق تشييد بناء صغير مثلًا في الأرض. كما يجري العمل على تطوير نموذج يعتمد على الذكاء الاصطناعي لتخمين سعر الأراضي، بما في ذلك احتساب العوائق التخطيطية، لكنه نموذج لم يُختبر بعد في سوق عقارية معقّدة مثل سوق الأراضي في البلاد.
ورغم أنّ المجتمع العربي هو الجهة التي قد تكون الأكثر تضررًا من فرض الضريبة الجديدة، إلّا أنّ جهاتٍ أخرى متضررة هي الأخرى، من ضمنها شركات البناء وبعض الحركات الحريدية المالكة للأراضي، وهذا ما قد يُصعِّب تمرير القانون في الكنيست. لكنّ السؤال الأساسي يبقى موجودًا: هل ستوفر حكومة نتنياهو الأموال التي تحتاجها لتمويل خطوات شعبوية قبل الانتخابات على حساب الحقوق العربية؟
مقالات ذات صلة: التأمين الوطني: ربع الأسر العربية في البلاد تعاني من الجوع











