
تشهد أسواق قطاع غزة في الأيام الأخيرة انخفاضًا تدريجيًا في الأسعار بعد أشهر طويلة من الغلاء الحاد والنقص الحاد في السلع، وذلك مع دخول الشاحنات التجارية وشاحنات المساعدات الإنسانية عبر المعابر التي فُتِحَت مؤخرًا بشكل جزئي. غير أن هذا التحسن يظل هشًا ومؤقتًا، إذ إن استقرار الأسعار مرتبط باستمرار تدفق البضائع بشكل يومي، في ظل سياسة إسرائيلية متكررة تقوم على فتح المعابر ثم إغلاقها.
بحسب مراقبين، فإن الأسواق في غزة لم تصل بعد إلى مرحلة الاستقرار الكامل، لأن إسرائيل تواصل المراوغة في تنفيذ بنود الاتفاق الخاصة بإدخال المساعدات. ويؤكد التجار أن أي توقف في حركة المعابر يرفع الأسعار فورًا، بسبب اعتماد السوق الغزي على البضائع الواردة من الخارج بشكل شبه كامل.
ورغم الصعوبات، بدأ السوق يستعيد بعض حيويته بعد الحرب. وتعمل اللجان الحكومية ولجان الطوارئ حاليًا على مراقبة الأسعار ومنع الاحتكار، بالتعاون مع وجهاء المخيمات، في محاولة لضمان توفر السلع الأساسية بأسعار مناسبة.
يقول أبو خالد طه، أحد وجهاء مخيم الشاطئ وعضو لجنة الطوارئ، في حديثه مع العربي الجديد، إن اللجنة الحكومية تتابع الأسعار بشكل يومي وتمنع التجار من استغلال الأوضاع الصعبة. ويوضح أن الفرق الميدانية توثّق الأسعار وتقارنها بين المناطق المختلفة لضمان العدالة في التسعير، مشيرًا إلى أن بعض التجار بادروا إلى خفض الأسعار فور توفر البضائع بكميات كافية، وهو ما ساهم في تهدئة السوق ومنع تفاقم الأزمة.
ويؤكد المواطن سعيد ناجي، في حديثه مع العربي الجديد، أن الانخفاض الحالي هو الأكبر منذ وقف إطلاق النار في فبراير الماضي، وأن الناس بدأوا يلمسون فرقًا حقيقيًا في الأسعار. مع أن الأسعار لم تعد بعد إلى مستويات ما قبل الحرب، إلا أنها انخفضت كثيرًا مقارنة بالأشهر الماضية التي شهدت “ارتفاعًا جنونيًا في كل شيء”، على حد وصفه.
وتُظهر المقارنات بين الأسعار الحالية وتلك السابقة تحسنًا واضحًا، فـأسعار الأجبان التي كانت تتراوح بين 10 و55 شيكلًا قبل أيام، أصبحت اليوم بين 3 و25 شيكلًا. أما الخضروات فانخفض متوسط سعر الكيلو الواحد من نحو 35 شيكلًا إلى 10 شواكل، في حين عادت الفواكه إلى الأسواق بعد غياب طويل بأسعار تتراوح الآن بين 10 و40 شيكلًا للكيلو. كذلك شهدت مواد التنظيف انخفاضًا ملحوظًا بعد دخول كميات جديدة، بينما لا تزال أسعار البيض واللحوم مرتفعة بسبب قلة المعروض منها.

بالنسبة للبائع رائد عقل، الذي يعمل في بيع الفواكه المتنقلة في شوارع غزة، فإن عودة البضائع إلى السوق تعني عودة الحياة نفسها. بعد توقف دام قرابة عامين، استأنف عمله في بيع الفواكه التي كانت ممنوعة من الدخول، موضحًا أنه كان يعتمد على المساعدات الإنسانية طوال فترة الحرب. ويقول إن دخله اليومي الآن يتراوح بين 70 و120 شيكلًا، وهو مبلغ يعتبره جيدًا في ظل الظروف الراهنة. ويؤكد أن استمرار تدفق البضائع وتنوعها سيؤدي إلى استقرار الأسعار وضمان مصدر رزق ثابت للآلاف من العمال والتجار الذين تضرروا.
في المقابل، يحذر الخبير الاقتصادي محمد بربخ في حديثه مع العربي الجديد من الإفراط في التفاؤل، موضحًا أن الانخفاض الحالي في الأسعار لا يعني استقرار السوق، لأنه نتيجة تدفّق محدود للبضائع خلال أيام معدودة. ويقول إن استقرار الأسعار عند مستوياتها الطبيعية مرهون بتدفق الشاحنات يوميًا وبكميات متناسبة مع حاجة السوق المحلي.
ويشير بربخ إلى أن القدرة الشرائية للمواطنين شبه معدومة، إذ إن معدلات الفقر تجاوزت 90%، بينما وصلت البطالة إلى نحو 83% خلال أشهر الحرب، وهي أرقام تعكس انهيارًا اقتصاديًا عميقًا. ويضيف أن ما دخل القطاع من بضائع خلال الحرب لم يتجاوز 15% من الاحتياجات الفعلية، ما جعل الأسعار شديدة الحساسية لأي تغيّر في تدفق الشاحنات أو إغلاق المعابر.
ويؤكد أن إسرائيل ما زالت تستخدم سياسة “التقطير” في إدخال السلع الأساسية، وأحيانًا تُغرق السوق ببعض الأصناف لتكبيد التجار خسائر كبيرة وضرب الدورة الاقتصادية، ما يخلق حالة من “التشوه الاقتصادي” في السوق الغزي، إذ أصبحت الأسعار تتأثر بالعوامل السياسية والعسكرية أكثر من تأثرها بقانون العرض والطلب.
من جانبه، يحذر رئيس شبكة المنظمات الأهلية في غزة أمجد الشوا من الاكتفاء بالحديث عن عدد الشاحنات التي تدخل القطاع دون النظر إلى نوعية المساعدات. ويؤكد أن غزة بحاجة إلى أكثر من 1000 شاحنة مساعدات يوميًا لتلبية الحد الأدنى من احتياجات السكان، بما يشمل المواد الغذائية والملابس ومستلزمات المأوى والمياه.
مقالات ذات صلة: رغم وقف الحرب: قرار تاريخي في إيطاليا لمقاطعة إسرائيل











