
شهدت الأسواق العالمية في الأسابيع الأخيرة موجة صعود تاريخية لأسعار الذهب، التي تجاوزت مستويات قياسية جديدة، لكن المفاجأة جاءت من الفضة التي استطاعت أن تخطف الأضواء بارتفاعات أسرع وأكثر حدة.
يشرح أليم رمتولا، كبير الاستراتيجيين للأسواق العالمية في بنك EFG السويسري، أن الفضة تجاوزت في الآونة الأخيرة حاجز الخمسين دولارًا للأونصة، وهو أعلى مستوى تسجله منذ سنوات طويلة، لتواصل جذب أنظار المستثمرين حول العالم. ويضيف أن صعود الفضة يستند إلى العوامل نفسها التي تدعم الذهب، وفي مقدمتها زيادة الإقبال على صناديق المؤشرات المتداولة (ETF)، خصوصًا منذ أن بدأ الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في استئناف سياسة خفض أسعار الفائدة. هذه السياسة زادت من جاذبية الأصول الملموسة مثل الذهب والفضة على حساب العملات والعوائد البنكية المنخفضة.
لكن رغم أوجه الشبه بين المعدنين، فإن سوق الفضة أصغر بكثير من سوق السندات الحكومية أو حتى الذهب نفسه، ما يجعله أكثر حساسية للتقلبات السريعة في الاتجاهين. ويشير رمتولا إلى أن حالة عدم الاستقرار المالي في عدد من الاقتصادات الكبرى — بدءًا من إغلاق الحكومة الأمريكية مرورًا بعجز ميزانية بريطانيا والأزمة المالية في فرنسا ووصولًا إلى الانتخابات في اليابان — كلها عوامل تثير القلق بشأن مستويات الدين المرتفعة ومخاطر الركود التضخمي في دول مجموعة العشر (G10). وفي ظل هذا المناخ، تتراجع جاذبية العملات التي تُعد تقليديًا ملاذًا آمنًا مثل الين الياباني والفرنك السويسري بسبب العوائد الحقيقية السلبية التي تقدمها.
إلا أن ما يميز الفضة عن الذهب هو أن لها استخدامات صناعية واسعة، من الألواح الشمسية إلى الإلكترونيات الدقيقة والبطاريات الحديثة. هذا الجانب الصناعي يمنحها دفعة قوية إضافية، خصوصًا بعد أن رفع صندوق النقد الدولي في الصيف الأخير توقعاته للنمو الاقتصادي العالمي لعام 2025 إلى 3%، وهو ما يعني توقع زيادة في النشاط الصناعي والاستهلاك العالمي للطاقة والتكنولوجيا، وكلها مجالات تستخدم الفضة بشكل مكثف.
ومع ذلك، يلفت رمتولا إلى نقطة ضعف أساسية في سوق الفضة، وهي أن البنوك المركزية لا تحتفظ باحتياطات منها كما تفعل مع الذهب. لذلك، لا توجد للفضة شبكة أمان تحمي أسعارها في حال حدوث تراجع مفاجئ في الطلب أو ارتفاع في المعروض. هذا العامل يجعل السوق أكثر عرضة للتقلبات الحادة التي قد تأتي من أي تغير طارئ في المزاج الاقتصادي أو السياسات التجارية.
وفي الوقت نفسه، أدت أزمة سيولة مؤقتة إلى زيادة حدة التذبذب في الأسعار. فقد شهدت مخزونات الفضة في لندن انخفاضًا ملحوظًا بعدما سارع المشترون الأمريكيون إلى شراء كميات كبيرة خلال النصف الأول من العام لتجنب الرسوم الجمركية المحتملة. ومع الارتفاع الحاد في الأسعار الأوروبية، من المتوقع أن يتدفق جزء من المعروض الأمريكي إلى الأسواق الأوروبية خلال الفترة المقبلة، ما قد يسهم في تهدئة حركة الأسعار واستقرار السوق نسبيًا بعد مرحلة من الاضطرابات.
مقالات ذات صلة: الفضة تسرق الأنظار من الذهب: لماذا تحلّق طائرات محملة بأطنان الفضة إلى لندن؟











