
شهد سوق العملات الرقمية نهاية أسبوعٍ تاريخية و”حمراء”، بعدما تسببت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإطلاق واحدة من أعنف موجات الانهيار التي عرفها هذا القطاع منذ نشأته. فبمجرد إعلانه عن فرض رسوم جمركية جديدة بنسبة 100% على الواردات الصينية، انهارت الأسواق العالمية وتبعها عالم الكريبتو في دوامة هبوط حادّ قضت على أكثر من 19 مليار دولار من مراكز التداول، وفقدت عملة البيتكوين أكثر من 13% من قيمتها خلال ساعات قليلة.
الجمعة مساءً أعلن ترامب عبر شبكات التواصل أن التعرفة الجمركية الجديدة ستُطبق في الأول من نوفمبر، وربما قبل ذلك، ردًا على ما وصفه بـ”القيود العدوانية التي تفرضها بكين على تصدير المعادن النادرة”، وهي مواد حيوية لصناعة الإلكترونيات الأميركية. هذا الإعلان المفاجئ أدى إلى تراجع حاد في مؤشرات وول ستريت، وسرعان ما انتقلت العدوى إلى الأصول عالية المخاطر وعلى رأسها العملات المشفّرة.
في غضون ساعات معدودة فقط، هبطت عملة البيتكوين من قمة تجاوزت 122 ألف دولار إلى نحو 106 آلاف دولار، بينما فقدت عملة الإيثريوم وسائر العملات الرائدة ما بين 15% و30% من قيمتها، وبعضها تهاوت قيمتها بنسبة وصلت إلى 50%. ووفق بيانات موقع Coinglass، فإن ما حدث كان أكبر تصفية إجبارية (إغلاق قسري لمراكز تداول الصفقات) في تاريخ سوق الكريبتو، حيث اختفت مراكز استثمارية بقيمة 19 مليار دولار خلال يوم واحد، منها سبعة مليارات خلال أقل من ساعة تداول. أكثر من مليون متداول خسروا محافظهم بالكامل، في مشهد أعاد إلى الأذهان أزمات الانفجار المالي التي عرفها السوق سابقًا.
لكن بين مئات الآلاف ممن فقدوا أموالهم، كان هناك من حوّل الانهيار إلى ثروة. فقد أظهرت بيانات من حساب التحليلات mlmabc أن “حوتًا” مجهول الهوية، يمتلك كميات ضخمة من العملات الرقمية، فتح مراكز بيع قصيرة (بيع على المكشوف يراهن على انخفاض السعر لاحقًا) على البيتكوين والإيثريوم دقائق قبل إعلان ترامب، ليحصد أرباحًا تجاوزت 160 مليون دولار في يوم واحد. هذا التوقيت الدقيق أثار تساؤلات واسعة في المجتمع الرقمي حول ما إذا كان قد تلقى تسريبًا مسبقًا أو شارك في تحريك السوق بنفسه من خلال عمليات بيع ضخمة سبقت الانهيار.

لكن، في الجانب الآخر، كانت الخسارة قاسية على العديد من المستثمرين، فقد عُثر في كييف على جثة المتداول الأوكراني المعروف كونستانتين غانيتش، البالغ من العمر 32 عامًا، داخل سيارته من طراز لامبورغيني بعد ساعات من انهيار السوق. غانيتش، الذي كان معروفًا على الإنترنت باسم “Kostya Kudo” ويدير أكاديمية التداول “Cryptology Key”، خسر ما لا يقل عن 30 مليون دولار من أموال المستثمرين التي كان يديرها. وسائل إعلام أوكرانية ذكرت أن وفاته كانت نتيجة انتحار، ما فتح من جديد النقاش حول الضغوط النفسية والانفعالية التي يعيشها المتداولون في سوق شديد التقلّب واللايقين. منصات الكريبتو امتلأت برسائل الحزن والتعاطف، إلى جانب دعوات لتشديد الرقابة وإطلاق آليات دعم نفسي وتنظيمي لهؤلاء المتداولين.
تداعيات الانهيار لم تقتصر على الخسائر الفردية، بل أحدثت صدمة هيكلية في سوق تُقدَّر قيمته التراكمية بتريليونات الدولارات. إذ حذّر خبراء من أن الضربة الأخيرة قد تُعيد المستثمرين إلى حالة الحذر الشديد، وتدفع المؤسسات الكبرى إلى تقليص تعاملاتها مؤقتًا مع الأصول الرقمية. ومع ذلك، أظهر البيتكوين مقاومة نسبية مقارنة بالعملات الأقل شهرة، إذ استقر لاحقًا فوق مستوى 110 آلاف دولار، ما يشير إلى استمرار الثقة به كأصل رائد رغم العاصفة.
أما على الصعيد السياسي، فقد أدت خطوة ترامب إلى توتير العلاقات مجددًا بين واشنطن وبكين، إذ أُلغيت على ما يبدو القمة التي كانت مقررة بينه وبين الرئيس الصيني شي جين بينغ في كوريا الجنوبية، وسط تصاعد المخاوف من حرب تجارية جديدة تعصف بالاقتصاد العالمي.
مقالات ذات صلة: الفضة تسرق الأنظار من الذهب: لماذا تحلّق طائرات محملة بأطنان الفضة إلى لندن؟











