
تشهد البلاد في الأسابيع الأخيرة أزمة في توفر الحليب الطازج، دفعت المتاجر والمستوردين إلى القيام بمحاولات عاجلة لاستيراد كميات الحليب من الخارج، رغم الصعوبات اللوجستية الكبيرة التي ترافق العملية. فبينما كان متوقعًا أن تصل أولى الشحنات إلى الرفوف في مطلع الأسبوع، يبدو الآن أن التأخير حتمي، وأن الحليب المستورد لن يباع في الأسواق قبل الثامن من أكتوبر، وهو ما يعني أن النقص القائم سيستمر حتى منتصف الأسبوع على الأقل.
مصدر الحليب المستورد هو من بلجيكا، وتحديدًا من مصانع “سولريك” Solarec، وستسورده شركة “ויליגר” التي ستجلب نحو 300 ألف لتر وستسوقه تحت اسم العلامة التجارية “مَحَالب أوروبا מחלבות אירופה”. ورغم أن هذه الكمية تُعد ضئيلة مقارنة بالاستهلاك المحلي الكبير، فإنها قد تساهم جزئيًا في تخفيف الضغط على المتاجر في البلاد التي تعاني من نقص حاد في الإمدادات. الحليب الجديد سيُصنف على أنه “حليب طويل الأمد”، ما يجعله خارج نظام مراقبة الأسعار الرسمي، غير أن شركة “ויליגר” أكدت أنه سيباع بسعر منخفض للمحال التجارية، تاركة لتلك الشبكات حرية تحديد سعر البيع للمواطنين.
وبحسب تقرير لغلوبس، يُنتَج هذا الحليب بتقنية تُعرف باسم ESL، وهي طريقة تقع بين الحليب الطازج والحليب المعقَّم بالكامل، إذ تمنحه صلاحية أطول من المعتاد مع الحفاظ على طعمه الطازج. وتزداد أهمية هذه التقنية الآن لأن الحليب المستورد يخضع لاختبارات وفحوصات في الميناء من قبل وزارة الصحة، ما قد يقلّص من فترة صلاحيته، ويحوّل عملية توزيعه إلى سباق مع الزمن قبل انتهاء مدته.
وفي الوقت نفسه، تحاول شبكة “أوشر آد” استيراد حليب سائل من بولندا لكنها تواجه عراقيل في التعامل مع المصانع الأوروبية التي تفضّل حاليًا التوريد إلى أسواق أخرى. أما “رامي ليفي”، الذي كان المستورد الرئيسي للحليب خلال حملة خفض الجمارك قبل عامين، فقد أوضح أن ألمانيا تعاني في هذه الفترة من أمراض أصابت الأبقار، وأن بولندا ملتزمة بتوريد إنتاجها للألمان حتى نهاية الشهر.
وتكشف هذه التطورات الخلل البنيوي المتعلق بإنتاج الحليب في البلاد، التي تعتمد على خطط تضعها وزارة الزراعة وهيئة خاصة. حيث يُلزَم المزارعون بإنتاج كميات محددة مسبقًا ضمن حصص سنوية، ولا يُسمح لهم بتجاوزها، في حين تحدد الحكومة “سعر الهدف” الذي تبيع به المزارع الحليب للمصانع، ويُفرض في المقابل “سعر أقصى” للبيع للمستهلكين. هذه السياسة تهدف إلى حماية المنتجين المحليين من تقلبات السوق وضمان ربح المزارع الصغيرة، لكنها تجعل السوق هشًا أمام أي اضطراب في الإنتاج أو زيادة موسمية في الطلب، كما يحدث عادة في فترة الأعياد اليهودية.
في الظروف العادية، يفرض على استيراد الحليب الطازج جمارك بنسبة 40%، ما يجعل الاستيراد شبه مستحيل من الناحية الاقتصادية. لكن مع اشتداد الأزمة الأخيرة، منحت السلطات إذنًا استثنائيًا لاستيراد كميات محدودة لتغطية النقص. ومع ذلك، يرى المراقبون أن هذه الخطوة ليست سوى “حل مؤقت” لأزمة أعمق بكثير. فطالما بقي النظام القائم على الحصص والقيود الإنتاجية دون إصلاح، فإن السوق ستواجه موجات نقص مشابهة في كل موسم يشهد تغيرًا في الطلب أو مشاكل في الإنتاج المحلي.
مقالات ذات صلة: فوضى الأسعار ونقص الحليب الطازج يكشفان إخفاق الحكومة في القيام بواجبها











