بينما يطرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب خطته للسلام التي تتحدث عن ملامح دولة فلسطينية مستقبلية، تبدو الضفة الغربية أبعد ما تكون عن هذا التصور. فالحياة اليومية للفلسطينيين هناك تُخنق بفعل القيود الإسرائيلية المتزايدة، التي عطّلت النشاط الاقتصادي وأضعفت قدرة السلطة الفلسطينية على البقاء.

قيود مشددة وحصار مالي
تتبدى معالم الأزمة في عدة مستويات. أولها، شبكة المستوطنات التي مزّقت ممرات النقل الحيوية وحوّلت الضفة إلى جزر معزولة، ما جعل حركة البضائع والأفراد شبه مستحيلة.
ثانيها، حجز إسرائيل لأموال المقاصة الضريبية التي تجمعها بالنيابة عن السلطة الفلسطينية. فمنذ مايو2025، جمّدت وزارة المالية الإسرائيلية نحو 10 مليارات شيكل، أي ما يعادل 2.96 مليار دولار، وهو ما دفع السلطة إلى تقليص الرواتب وعدم القدرة على الوفاء بمستحقات المقاولين. هذه الإجراءات وصفتها السلطة بأنها “حرب مالية” تهدف إلى منع قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة.
انعكست الأزمة المالية بشكل مباشر على الموظفين العموميين. فمنذ أكتوبر 2023، خُفضت الرواتب إلى 70% من قيمتها، ثم إلى 60% في مايو 2025، وصولًا إلى 50% فقط في يونيو الماضي. هذا الانهيار ضرب القدرة الشرائية للأسر، وأدى إلى أزمة اجتماعية خانقة.
يقول رامي حرفوش لوكالة رويترز: “نفكر مرتين قبل أن نصرف شيكلًا واحدًا”، فيما ينظر إليه ابنه البالغ 13 عامًا متسائلًا إن كان سيتمكن يومًا من دخول الجامعة. لم يتمكن الوالد من شراء بديل لجهاز السمع الخاص بابنه بعد أن فقد راتبه الشهري البالغ 1700 دولار، الذي كان يتقاضاه من عمله في إسرائيل.
الضرر لم يتوقف عند الرواتب. وزارة الصحة الفلسطينية أعلنت عن نقص حاد في الأدوية، بما في ذلك أدوية السرطان واللوازم الجراحية الأساسية. وكيل الوزارة وائل الشيخ أكد أن الوضع “بالغ الخطورة”، فيما يواجه المرضى والمستشفيات انهيارًا تدريجيًا في قدرتهم على تقديم الخدمات الطبية.

مؤسسات عاجزة واقتصاد مترنح
البنك الدولي بدوره حذر في تقرير حديث من أن الضغوط المالية المتواصلة أضعفت بشكل حاد القاعدة الإيرادية للسلطة الفلسطينية، وفرضت قيودًا هائلة على تمويل الخدمات الأساسية. التقرير خلص إلى أنه إذا استمر هذا النهج، فقد تجد السلطة نفسها أمام “انهيار مالي” شامل. وزير التخطيط والتعاون الدولي، استيفان سلامة، أقر بأن السلطة استنفدت كل الحلول الداخلية الممكنة: من الاقتراض البنكي إلى خفض النفقات. اليوم، لم تعد هناك أدوات مالية قادرة على إنقاذ الوضع.
الأزمة الاقتصادية تترافق مع هيمنة إسرائيلية متزايدة على البنية التحتية. ففي عام 2025، شرعت شركات الاتصالات الإسرائيلية، بتمويل حكومي، في بناء 22 برجًا جديدًا قرب المستوطنات، ما يهدف إلى جذب المستخدمين الفلسطينيين نحو الشبكات الإسرائيلية وتقليص حصة الشركات المحلية.
رئيس هيئة تنظيم الاتصالات الفلسطينية، ليث دراغمة، حذّر من أن هذه الخطوة تسعى إلى خلق “فجوة رقمية” تفصل الفلسطينيين عن محيطهم وتزيد من التبعية الاقتصادية لإسرائيل. وفي الوقت نفسه، لا تزال مناطق فلسطينية كاملة محرومة من خدمات الاتصال الأساسية.
بينما حصل ترامب على دعم بنيامين نتنياهو لمقترح “سلام” ترعاه واشنطن لإنهاء حرب غزة، يواجه الفلسطينيون في الضفة واقعًا يبتعد كليًا عن أي تصور لدولة قابلة للحياة. حجز الأموال، شلل اقتصادي، انهيار الخدمات، وهيمنة إسرائيلية على القطاعات الحيوية، كلها عوامل تضع مستقبل السلطة الفلسطينية على المحك، وتحوّل فكرة الدولة إلى مجرد شعار سياسي، في ظل واقع يومي يزداد قسوة ويهدد بانفجار اجتماعي واقتصادي لا مفر منه.
مقالات ذات صلة: مصنع أصلان للبلاط الشامي في نابلس: صمود في وجه الحداثة والظروف الاقتصادية القاسية











