
في خطوة وُصفت بأنها تاريخية من جهة ومثيرة للتساؤلات من جهة أخرى، أعلنت شركة إنفيديا عن استثمار 5 مليارات دولار في إنتل، ما يمنحها حصة تقارب 4% من أسهم الشركة العملاقة التي تعاني من صعوبات مالية. هذا الإعلان، الذي جاء بعد شهر واحد فقط من دخول الحكومة الأميركية كمستثمر رئيسي في إنتل بحصة 10% مقابل 5.7 مليارات دولار، أدى إلى قفزة كبيرة في أسهم إنتل التي ارتفعت في التداولات المبكرة بنحو 30% لتسجل 32 دولارًا للسهم، بعد أن كانت قد أغلقت على 24.9 دولار في اليوم السابق.
الاستثمار الجديد يأتي في إطار شراكة بين الشركتين لتطوير منتجات موجهة لمراكز البيانات والحواسيب الشخصية. إنتل ستقوم بتصميم معالجات خاصة لمراكز البيانات، بينما ستتكامل هذه المعالجات مع وحدات المعالجة الرسومية المتقدمة (GPUs) من إنفيديا، ما يتيح تبادل بيانات أسرع بكثير بين الشرائح. هذه النقلة التقنية قد تمنح إنتل فرصة لتعويض بعض خسائرها في السوق، وتتيح لها أن تجني أرباحًا من كل خادم AI تبيعه إنفيديا في المستقبل، بعد أن كانت هذه الخوادم تعتمد فقط على معالجات إنفيديا.
الصفقة تُنظر إليها أيضًا كرسالة سياسية بقدر ما هي اقتصادية. الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي سبق أن شجع استثمارات ضخمة في قطاع أشباه الموصلات الأميركي، يظهر في الخلفية كلاعب رئيسي. بعد أن فرضت إدارته رسومًا بنسبة 15% على مبيعات إنفيديا وAMD في الصين، يرى مراقبون أن استثمار إنفيديا في إنتل يشبه نوعًا من “الضريبة غير المباشرة” التي تساهم بها شركات التكنولوجيا في دعم صناعة محلية تعاني أمام المنافسة الآسيوية، وعلى رأسها TSMC التايوانية.

رئيس إنفيديا جِنسن هوانغ وصف التعاون بأنه “دمج بين منظومة الذكاء الاصطناعي والحوسبة المسرّعة لإنفيديا مع معالجات إنتل وبنية x86 العالمية”، مؤكدًا أن هذه الشراكة ستضع أسس الجيل المقبل من الحوسبة. لكن رغم الخطاب الطموح، لم يتضمن الاتفاق بندًا لاستخدام خطوط إنتاج إنتل لتصنيع شرائح إنفيديا، وهو ما كان سيشكل ضربة حقيقية لمكانة TSMC. لذلك، يرى محللون أن التعاون الحالي تجاري أكثر منه تحويلي، ويترك الباب مفتوحًا لمزيد من الخطوات المستقبلية التي قد تعيد رسم خريطة صناعة الرقائق في الغرب.
أهمية الصفقة بالنسبة لإنتل تكمن في جانبها المالي بالدرجة الأولى. الشركة تلقت خلال الأشهر الأخيرة تدفقًا يقارب 13 مليار دولار من عدة جهات، بينها الحكومة الأميركية وصناديق استثمار كبرى كسوفت بنك، ما يمنحها هواءً للتنفس بعد سنوات من الخسائر والتراجع. هذا الدعم يقلل من احتمالات اضطرارها إلى بيع أصول أو الاستمرار في تسريح الموظفين، ويعيد الثقة تدريجيًا إلى المساهمين.
المستفيد غير المتوقع من الصفقة هو شركة “موبايل آي” Mobileye، التابعة لإنتل والمتخصصة في أنظمة القيادة الذاتية. فقد كانت هناك مخاوف من أن تضطر إنتل إلى بيع حصتها في الشركة لتغطية عجز مالي، لكن ضخ رأس المال الجديد بدد هذا السيناريو في المدى القريب، ما يمنح “موبايل آي” فرصة لمواصلة تطوير تقنياتها بعيدًا عن ضغوط مالية خانقة.
ردود الفعل في السوق جاءت متباينة. أسهم AMD هبطت بنحو 6% خشية من أن تجد نفسها في موقع ضعيف أمام التعاون بين إنتل وإنفيديا، فيما خسرت “تي إس إم سي” 2% رغم استمرارها كمصنع رئيسي لشرائح الشركتين. في المقابل، ارتفعت أسهم إنفيديا نفسها بنسبة 3% في التداولات المبكرة.
مقالات ذات صلة: صفقة القرن في الذكاء الاصطناعي: OpenAI وأوراكِل توقعان صفقة بـ300 مليار دولار











