
تشهد إسرائيل في الفترة الأخيرة سباقًا محمومًا بين شركات الهايتك من أجل استقطاب خبراء الذكاء الاصطناعي، الذين باتوا يُعتبرون عملة نادرة يصعب الحصول عليها في سوق العمل. النقص الحاد في عدد المهندسين المتخصصين مقارنة بالطلب المتزايد يدفع الشركات إلى تقديم حزم توظيف غير مسبوقة تشمل مكافآت توقيع ضخمة، ورواتب أعلى من المعدل، وتمويل سكن وامتيازات شخصية غير تقليدية.
بحسب تقرير سلطة الابتكار، هناك حاليًا نحو 2400 وظيفة شاغرة في مجال الذكاء الاصطناعي في البلاد، معظمها تستهدف مهندسين ذوي خبرة لا تقل عن ثلاث سنوات. هذا الطلب الكبير والمتسارع، الشبيه بما يحدث في باقي أنحاء العالم، خلق منافسة مباشرة بين الشركات على مجموعة صغيرة من المهندسين المتخصصين. وفي غياب منظومة تدريب مؤسسية كما هو الحال في مجال السايبر الذي يغذيه الجيش، تعتمد السوق المحلية على خريجي الجامعات أو على من اكتسبوا خبرة عملية في المجال، وهؤلاء لا يتجاوز عددهم بضع مئات.
وبحسب أحد الخبراء المطلعين على المجال في حديثه مع موقع كالكاليست، فإن المهندسين الأكثر طلبًا هم الذين يجمعون بين الخلفية الأكاديمية البحثية والخبرة العملية. هذا الخليط النادر يجعلهم هدفًا لكل الشركات، ويدفع المنافسة نحو مستويات غير مسبوقة. ورغم أن المال يلعب دورًا حاسمًا، إلا أن الكثير من المهندسين يختارون أماكن عملهم بناءً على الفرصة للتواجد في الخطوط الأمامية للتكنولوجيا والشعور بالتأثير الحقيقي.
التنافس بين عمالقة التكنولوجيا العالمية كشف عن أرقام مذهلة في السنوات الأخيرة، إذ اشترت ميتا شركة ألكسندر وانغ مقابل 14 مليار دولار من أجل أن تضم مؤسسها إلى طاقمها المختص في الذكاء الاصطناعي، وعرضت على مهندسين بارزين حزمًا تصل إلى 300 مليون دولار. أما OpenAI فقدمت حوافز توقيع بقيمة 100 مليون دولار، في حين منحت غوغل لمهندس بارز يدعى فارون موهان حزمة توظيف بلغت 2.4 مليار دولار.
في البلاد، انعكس هذا السباق العالمي بشكل واضح على وتيرة التوظيف وعلى شروطه. ويشرح أحد المدراء التكنولجيين، في حديثه مع كالكاليست، أن عملية التوظيف لمهندسي الذكاء الاصطناعي تختلف جذريًا عن المبرمجين التقليديين: “بينما كانت المقابلات تتم على مدى شهر كامل، نسعى اليوم لإجراء مقابلتين أو ثلاث أسبوعيًا بهدف إغلاق الصفقة خلال أسبوعين فقط، وإلا سنخسر المرشح لصالح شركة منافسة”.
هذا الضغط يعكس واقعًا جديدًا في سوق العمل، حيث يتقاضى مهندسو الذكاء الاصطناعي المبتدئون “جونيورز” رواتب تزيد بنسبة تتراوح بين 10 و15% عن رواتب المبرمجين التقليديين، بينما تصل الفجوة في المستويات العليا إلى نحو 20%. أما في شركات التكنولوجيا الكبرى، فتتراوح الرواتب الشهرية بين 70 و80 ألف شيكل.
إضافة إلى الرواتب، تمنح الشركات امتيازات استثنائية: مكافآت توقيع قد تصل إلى نصف مليون شيكل، تمويل للإيجار بنسبة تصل إلى 80%، بونصات سنوية سخية، وحزم أسهم وخيارات. هذه الحوافز ارتفعت بنسبة 20-30% مقارنة بالعام الماضي، ما يعكس شدة التنافس وحدّة النقص في الخبرات. ومع أن مكافآت التوقيع الضخمة ليست القاعدة، إلا أنها تظهر لدى الشركات الناشئة التي جمعت استثمارات ضخمة حديثًا وتسعى لجذب أفضل العقول بأي ثمن.
اليوم، يبدو أن ما يحدث مع مهندسي الذكاء الاصطناعي يكرر ما جرى قبل سنوات مع خبراء الـDevOps، حيث تحوّل المجال إلى مسار صاعد استقطب المهندسين الطموحين. الفرق أن وتيرة النمو في الذكاء الاصطناعي أسرع بكثير، والتوقعات تشير إلى أن الانفجار الحقيقي في الطلب لم يأت بعد. لكن المؤشرات جميعها تدل على أن السوق الإسرائيلي مقبل على منافسة أكثر شراسة، حيث ستواصل الشركات رفع الرواتب والتعويضات في محاولة لحجز مقعد في سباق المستقبل التكنولوجي.
مقالات ذات صلة: صفقة القرن في الذكاء الاصطناعي: OpenAI وأوراكِل توقعان صفقة بـ300 مليار دولار











