بعد ثلاث سنوات من التباطؤ في قطاع الهايتك في البلاد وسنتين من الحرب التي انعكست على سوق العمل، ما زال المشهد بعيدًا عن الانتعاش الكامل الذي تَطلّع إليه كثيرون بعد الطفرة التي أعقبت أزمة كورونا. ومع ذلك، تكشف بيانات حديثة قدمتها مئات الشركات لشركة الاستشارات “צבירן” تسفيران المتخصصة في شؤون الأجور والتوظيف، عن صورة مزدوجة: استمرار موجة التسريحات من جهة، وظهور ثلاث مؤشرات تحمل بعض التفاؤل من جهة أخرى، من بينها ارتفاع نسبة الموظفين الجدد والأجور.
التقرير الصادر عن “تسفيران” والمنشورة تفاصيله في داماركر، يغطي أكثر من 200 ألف موظف في مئات الشركات، ويوضح أن معدل التسريحات في النصف الأول من عام 2025 بلغ 2.8% من مجمل العاملين، وهو مستوى قريب بل وأعلى قليلًا مما سُجل في العامين السابقين. نحو 23% من الشركات أفادت بأنها سرّحت أكثر من 5% من موظفيها في فترة قصيرة، ما يعكس أن الأزمة التي بدأت في النصف الثاني من 2022 لم تُطوَ صفحتها بعد. هذه الأرقام تثبت أن التحديات لا تزال قائمة، رغم التوقعات المتكررة بعودة القطاع لمسار النمو.
ثلاثة مؤشرات إيجابية
لكن وسط هذا المناخ الضاغط، برزت ثلاثة مؤشرات إيجابية يمكن أن تكون نذرًا لتغيير تدريجي. أولها ارتفاع معدل الاستقالات الطوعية بين العاملين إلى 4.4% في النصف الأول من 2025، مقارنة بـ3.2% فقط في الفترة نفسها من 2024. هذا الرقم هو الأعلى منذ بداية 2022، ويعكس عودة الثقة النسبية لدى الموظفين وقدرتهم على البحث عن فرص جديدة. عادة ما يرتبط ارتفاع الاستقالات الطوعية بازدهار السوق، لكنه قد يكون أيضًا بحسب خبراء تحدثوا إلى داماركر، نتيجة شعور بعدم الاستقرار في الشركات التي شهدت تسريحات واسعة، فيغادر الموظفون بدافع استباقي خوفًا من المجهول.
المؤشر الثاني هو ارتفاع نسبة الموظفين الجدد في الشركات، إذ بلغ معدل التوظيف الجديد 8.2% في النصف الأول من 2025، بعدما كان 6.9% فقط في الفترة نفسها من 2024. هذا الارتفاع يُعَدُّ عودة إلى المستويات المسجلة أواخر 2022، ويشير إلى أن بعض الديناميكية عادت إلى السوق. صحيح أن الجزء الأكبر من التوظيف جاء لسد شواغر في الشركات الكبرى بعد انتقال كفاءات منها إلى شركات ناشئة جديدة، إلا أن مجرد عودة حركة التوظيف يُعد بحد ذاته مؤشراً على أن السوق يتحرك من جديد. ومن اللافت أن 77% من الشركات أبدت نيتها لتوظيف المزيد في النصف الثاني من العام، وإن كان المعدل المتوقع للتوظيف متواضعًا نسبيًا عند 5% من قوة العمل. أبرز القطاعات التي تخطط للتوسع هي شركات الأمن السيبراني وحلول البرمجيات والأجهزة، حيث تتراوح معدلات التوظيف المتوقعة بين 8% و11%.
أما المؤشر الثالث فيرتبط بالأجور. فللمرة الأولى منذ سنوات، ارتفعت نسبة الشركات التي قررت منح زيادات شاملة لجميع الموظفين بدل الاكتفاء برفع أجور مجموعات مختارة. ففي 2024، كانت هذه النسبة 47% فقط، بينما قفزت إلى 55% في النصف الأول من 2025. وبحسب التقرير، بلغ متوسط الزيادة العامة في الأجور نحو 4%، في حين وصلت الزيادات الفردية لبعض الفئات إلى 6% أو حتى 10%. هذه التطورات تعكس ضغوط التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة، وتجبر الشركات على رفع الأجور للحفاظ على موظفيها في ظل منافسة متصاعدة على الكفاءات. ورغم أن الزيادة الحقيقية للأجور بعد احتساب التضخم لم تتجاوز 0.9%، فإن مجرد استعداد الشركات لرفع الأجور يُظهر أن السيولة والموارد باتت متاحة بشكل أكبر من السنوات السابقة.
التفسيرات متعددة: فمن جهة هناك عوامل اقتصادية مثل التضخم وارتفاع الفوائد وأسعار المعيشة، ومن جهة أخرى هناك ديناميكية داخلية في السوق تدفع الشركات الكبرى إلى تحسين شروطها للحفاظ على “النجوم” من موظفيها الذين باتوا هدفًا للشركات الناشئة والمستثمرين. وتشير أصوات من القطاع إلى أن عام 2026 قد يشهد زيادات أكبر في الرواتب، مع توقع فتح وظائف جديدة واشتداد المنافسة على الكفاءات.
مع ذلك، لا تخلو الصورة من التحفظات. فموجة التسريحات لم تتوقف بعد، والضبابية العالمية تدفع الشركات إلى الحذر والتمسك بسياسات الكفاءة. كذلك، تبقى الزيادات في الرواتب محدودة التأثير في ظل تضخم يلتهم القوة الشرائية، ما يعني أن التحدي الحقيقي أمام القطاع هو استعادة النمو المستدام لا الاكتفاء بمؤشرات جزئية.
مقالات ذات صلة: توظيف الذكاء الاصطناعي لردم الفجوات في المجتمع العربي: خمسة مشاريع ريادية لطالبات عربيات في مجالات الصحة والتكنولوجيا
