
في نهاية يوليو 2025 احتضنت كلية سايبر مؤتمرًا خاصًا بالابتكار والريادة عرضت خلاله طالبات عربيات خمسة مشاريع في مجالات الصحة والتكنولوجيا، بمبادرة من الدكتورة هامة أبو كشك، التي عملت منذ صيف 2023 على بناء مختبر للريادة بدعم من سلطة الابتكار وبالتعاون مع “كلاليت”، بهدف خلق فضاء للشباب العرب للتعرف على عالم الريادة، واختبار قدرتهم على إنتاج حلول مبتكرة لقضايا حقيقية، في وقت لا تتجاوز فيه نسبة مشاركة العرب في قطاعات الريادة والهايتك 2%، رغم أنهم يشكلون 21% من سكان البلاد.
المشاريع التي عُرضت في المؤتمر كشفت حجم الإمكانات الكامنة إذا ما أُتيحت الأدوات المناسبة. من بينها منصة لدعم الباحثين المبتدئين في بداية مسيرتهم البحثية، وهي مشروع للطالبة منار أبو عرار بالتعاون مع باحثين من كلاليت، وتهدف إلى مرافقة الباحثين المبتدئين في مراحل عملهم العلمي. وعرضت الطالبتان ابتهال القرناوي وسندس الاعسم مشروعا يعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحليل صور الأشعة المقطعية وتحديد الأولويات الطبية وفق درجة الخطورة.
كما قدّم فريق مشترك يضم الطالبتين آية أبو كف وبيان النصاصرة، إضافة إلى باحثين من كلاليت، مشروعًا للاستشارة الطبية عن بُعد صُمم لربط أطباء العائلة بالأطباء المتخصصين مباشرة، لتقصير المسار البيروقراطي الذي يرهق المريض. وفي جانب آخر، قدمت الطالبتان سجود الكشحر ونورس أبو عجاج بالتعاون مع كلاليت مشروع “Physio AI” وهو منصة لدعم أخصائيي العلاج الطبيعي عبر حلول مبنية على الذكاء الاصطناعي. وقدّمت ثلاث طالبات عربيات، وهنّ ميس شند وهبة الأعسم وشهد أبو عامر، مع باحثين من كلاليت، مشروع “Family Active” الذي يُركّز على معالجة السمنة لدى الأطفال من خلال أدوات تربوية تجمع بين القصص والألعاب التفاعلية، لتشجيعهم على أنماط حياة أكثر صحة.
هذه المشاريع لم تكن مجرد تمرين أكاديمي، بل محاولة ملموسة لردم فجوات يعيشها المجتمع العربي يوميًا. فإدخال الذكاء الاصطناعي في تحليل صور الأشعة مثلًا يأتي استجابة للنقص الحاد في الكوادر الطبية في البلدات العربية، وتوفير الاستشارات عن بُعد يعكس الحاجة إلى تعويض ضعف البنية الصحية في البلدات الواقعة في الأطراف. أما مشروع السمنة عند الأطفال فهو إشارة مباشرة إلى الأبعاد الاجتماعية للفقر، وغياب البنية التحتية الرياضية والترفيهية في القرى والمدن العربية.
وترى الدكتورة أبو كشك أن التحدي الأكبر لا يكمن في ابتكار الحلول فقط، بل في مواجهة منظومة واسعة من الحواجز البنيوية التي تعيق الشباب العرب عن دخول عالم الريادة. وتشير إلى أن نسب الفقر المرتفعة – حيث يعيش أكثر من 42% من الأفراد العرب تحت خط الفقر – تجعل من اختيار مسار مليء بالمخاطر مثل الريادة قرارًا شبه مستحيل لكثير من العائلات. فالعجز في البنية التحتية يفاقم الوضع، خاصة في القرى غير المعترف بها في النقب أو البلدات البعيدة عن المركز التي تعاني من مواصلات عامة متقطعة وإنترنت ضعيف، ما يعزلها عن بيئات الابتكار الفعالة.

جهاز التعليم العربي يمثل هو الآخر عائقًا هيكليًا: فنقص التمويل، وقلة المختصين، وغياب البرامج التكنولوجية والمختبرات، كلها عوامل تقلص من فرص الطلاب للاحتكاك المبكر مع مفاهيم الابتكار، بحسب أبو كشك. كذلك، يفتقر الطلاب لشبكات اجتماعية ومهنية ضرورية – من مستثمرين، وحاضنات أعمال، وموجهين – وهي مكونات أساسية لأي بيئة ريادية. يضاف إلى ذلك شعور متجذر لدى كثير من الشباب بأن عالم الريادة والتكنولوجيا مغلق في وجههم ويقتصر على مجتمع يهودي–غربي، ما يعزز الإحساس بالاغتراب ويضعف الثقة بالقدرة على النجاح، بحسب أبو كشك.
النساء العربيات يواجهن عقبات مضاعفة، ترتبط بالقيود الاجتماعية التقليدية، وهو ما يحد من إمكانية انخراطهن في مسارات تتطلب مرونة، وسفر، أو ساعات عمل غير تقليدية. هذه المحددات، وفق أبو كشك، تجعل من مبادرات الريادة خيارًا أكثر صعوبة لهن مقارنة بالرجال.
على الرغم من ذلك، ارتفعت نسبة مشاركة الطلاب العرب في الأنشطة المرتبطة بالريادة والابتكار في كلية سايبر من 2% إلى 15% خلال فترة قصيرة من بدء المبادرة، وهو ما تعتبره أبو كشك دليلاً على أن المبادرات الموجهة قادرة على كسر الحواجز القائمة. وتؤكد أن التجربة لم تنتهِ بعرض المشاريع، بل يجري حاليًا إعداد برنامج متابعة يتيح للفرق مواصلة تطوير أفكارها بمرافقة مهنية وتوجيه متخصص، على أمل أن تتحول بعض المشاريع إلى تطبيقات عملية تخدم المجتمع.
المؤتمر سلط الضوء أيضًا على البعد السياسي والاقتصادي الأوسع، فعلى الرغم من محاولة الحكومة منذ سنوات دمج العرب في قطاعات التكنولوجيا، إلا أن المحاولات ستبقى هامشية دون معالجة البنى التحتية والفجوات التعليمية والاجتماعية. وتقول أبو كشك في هذا الصدد إن النظر إلى مشاريع الريادة كمسار يفضي فقط نحو التوظيف ليس كافيًا، بل يجب النظر إليها كأداة لتغيير اجتماعي واقتصادي، ووسيلة للخروج من دوائر التهميش والفقر، ومنح الشباب العرب القدرة على إنتاج حلول لمجتمعهم بأنفسهم.
مقالات ذات صلة: مقابلة مع الدكتورة هامة أبو كشك عن تحيزات الذكاء الاصطناعي ضد الشخصية العربية











