/
/
اقتصاد البقاء: غياب مصادر الدخل يدفع الغزيين لبيع المساعدات التي خاطروا بحياتهم للحصول عليها

اقتصاد البقاء: غياب مصادر الدخل يدفع الغزيين لبيع المساعدات التي خاطروا بحياتهم للحصول عليها

أيقون موقع وصلة Wasla
wasla brands
1024px Images of war 23 25 from Gaza by Jaber Badwen IMG 6185
أحد المخيمات في بيت لاهيا. غياب مصادر يدفع الغزيين لبيع المساعدات أو مقايضتها، الصورة: ويكيميديا

تتعمق المأساة الاقتصادية والإنسانية في قطاع غزة مع استمرار الحرب والحصار الخانق، حيث وجد مئات الآلاف من السكان أنفسهم بلا مصدر دخل وبلا فرص عمل، فيما ارتفعت معدلات البطالة إلى مستويات غير مسبوقة بلغت أكثر من 83% بعد أن كانت 43% قبل الحرب. ومع الغلاء الفاحش الناجم عن شح البضائع وغياب القدرة الشرائية، تحول الاعتماد على المساعدات الإنسانية المحدودة إلى مشهد يومي يعكس انهيار البنية الاقتصادية والاجتماعية، بينما اتسع نطاق المقايضة والبيع الجزئي لهذه المساعدات لتلبية حاجات أكثر إلحاحاً.

رائد إسماعيل، وهو أب لستة أطفال من مخيم البريج وسط القطاع، يجسد صورة حية للأزمة. يقول في حديثه مع موقع العربي الجديد، إنه يغامر يومياً بالتوجه إلى مركز توزيع المساعدات في “منطقة نتساريم”، رغم الخطر الكبير على حياته، لجلب ما تحتاجه أسرته. غير أن ما يحصل عليه غالباً لا يغطي كامل احتياجات أسرته، ما يدفعه إلى بيع جزء من هذه المساعدات لشراء المياه أو الخبز أو حتى شحن الهاتف والحطب اللازم للطهو. يصف إسماعيل هذه النفقات الصغيرة بأنها أصبحت عبئاً ثقيلاً في واقع لا دخل للسكان فيه ولا عمل.

أما منار دحلان، الحلاق الذي فقد مصدر رزقه بعد نزوحه من مخيم جباليا إلى منطقة الشيخ رضوان شمال مدينة غزة، فيحكي للعربي الجديد قصة مختلفة لنفس المأساة. يوضح أنه يعتمد كلياً على المساعدات القادمة من منطقة زيكيم، لكنه يضطر بشكل يومي إلى استبدال ما يحصل عليه بسلع أخرى يحتاجها أطفاله. يقول: “إذا حصلت على الأرز أستبدل جزءاً منه بالطحين أو العدس”، مؤكداً أن المقايضة باتت وسيلة اضطرارية للبقاء في ظل غياب أي دخل ثابت أو فرصة عمل.

النزوح المستمر يثقل كاهل العائلات في القطاع المنكوب، الصورة: ويكيميديا عن الأونروا
عائلات نازحة في القطاع المنكوب، الصورة: ويكيميديا عن الأونروا

الوضع الأخطر في تاريخ غزة 

المختص الاقتصادي نسيم أبو جامع يصف الوضع بأنه الأخطر في تاريخ غزة الحديث في تصريح للعربي الجديد، محذراً من أن استمرار البطالة عند هذه المستويات سيؤدي إلى تآكل الطبقة المتوسطة بالكامل ويدفع الغالبية العظمى من السكان إلى الفقر المدقع. ويشير إلى أن سياسة التقييد في إدخال البضائع التي تفرضها إسرائيل تبقي الأسعار مرتفعة رغم محدودية الطلب، ما يخلق تضخماً متواصلاً ينهك القدرة الشرائية للسكان ويستنزف ما تبقى من مدخراتهم.

من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي محمد بربخ أن نحو 95% من سكان غزة يعتمدون كلياً على المساعدات الإنسانية التي لا تكفي لتغطية احتياجاتهم الفعلية. ويؤكد أن النقص الكبير في هذه المساعدات جعل من المقايضة والبيع الجزئي لها آلية اقتصادية اضطرارية، لا مجرد خيار فردي. ويضيف أن غياب الدخل وانعدام فرص العمل جعل المجتمع الغزي رهينة لهذه المساعدات المحدودة، ما يعطل دورة الإنتاج والاستهلاك ويجعل الأزمة الاقتصادية أكثر عمقاً من كونها مجرد أزمة إنسانية.

المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أكد بدوره أن الاحتلال يتعمد اتباع سياسة “هندسة التجويع والفوضى”، موضحاً أن ما دخل القطاع خلال الأيام الخمسة الماضية لم يتجاوز 534 شاحنة من أصل ثلاثة آلاف كان يُفترض دخولها، بينما بلغ إجمالي الشاحنات منذ 27 يوليو وحتى اليوم 3,188 شاحنة فقط من أصل 21 ألفاً متوقعة، أي ما يعادل 15% فقط من الاحتياجات الفعلية للسكان. وأشار البيان إلى أن جزءاً من هذه الشحنات تعرض للنهب والسرقة في ظل حالة الفوضى الأمنية التي يرعاها الاحتلال.

مقالات ذات صلة: “لا يوجد حظر رسمي، لكن هناك مقاطعة صامتة”: الانتقادات العالمية لإسرائيل بدأت فعلًا في الإضرار بصادراتها

مقالات مختارة