
على مدار الأشهر الأخيرة، كان هناك تباين كبير بين التقارير التي تتحدث عن عزلة إسرائيل المتزايدة في العالم وانتقادات قادة الدول الغربية لها، وبين البيانات الاقتصادية؛ حيث حققت المؤشرات الرئيسية في البورصة أرقامًا قياسية واستمر النمو. كذلك، لم تكن الصادرات في أزمة على ما يبدو، وهي التي يمكن أن تكون بمثابة مقياس لعلاقات دول العالم مع إسرائيل. لكن عند إلقاء نظرة فاحصة، تظهر تصدعات في التجارة الخارجية لإسرائيل.
وتشير بيانات دائرة الإحصاء المركزية إلى انخفاض طفيف فقط في الصادرات الإسرائيلية إلى الخارج؛ فبين يناير ويوليو 2025، بلغت قيمة السلع المصدرة 115.3 مليار شيكل، —أي بانخفاض قدره 4% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. ولكن البيانات التفصيلية من اتحاد أرباب الصناعة تُظهر أن المشكلة أعمق في بعض الحالات.

إيرلندا هي الدولة التي شهدت الصادرات الإسرائيلية إليها أكبر انخفاض، بأكثر من مليار دولار، وهو ما يمثل تراجعًا بنسبة 51% في الصادرات إلى هذه الدولة التي تُعد المركز الأوروبي للعديد من شركات الهايتك العالمية. ويعود أحد أسباب هذا الانخفاض إلى التغييرات في سياسة شركة “إنتل” التي تصدر الآن الرقائق إلى الولايات المتحدة بدلًا من إيرلندا. في المقابل، كانت نسبة الانخفاض في الصادرات إلى تركيا حادة بشكل أكبر، وهي دولة أعلنت صراحةً فرض حظر تجاري على إسرائيل.
هناك انخفاضات ملحوظة أخرى في الصادرات إلى الاتحاد الأوروبي ككل (4%) والصين (6%). ويمكن تفسير الانخفاض في الصادرات إلى الصين بالحرب التجارية التي بدأها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. ووفقًا للمصدّرين، تُعتبر إسرائيل حليفة للولايات المتحدة، ولذلك كان هناك ميل في الصين للشراء منها بشكل أقل. لا تشمل هذه البيانات صادرات الأسلحة من إسرائيل، أو صادرات الخدمات والبرمجيات.

“لا يريدون العمل معنا”
“لا يوجد حظر رسمي، والأبواب لا تُغلق في وجوهنا، لكن في أوروبا الغربية هناك مقاطعة صامتة ضد إسرائيل”، هذا ما قاله مدير في شركة تصدير كبيرة. وأضاف: “هذه السوق تُغلق أمامنا بخطوات صغيرة. الصفقات تُلغى، وهناك جهات لا ترغب في لقائنا”.
ما يُقال بحذر وبهوية مجهولة بدأ يتسرب أيضًا إلى التقارير المالية في البورصة. على سبيل المثال، كتبت شركة “جاد للألبان” (מחלבות גד) في تقرير منشور على موقع البورصة: “منذ بداية الحرب، هناك جهات مختلفة لا ترغب في التعامل مع مُصنّع إسرائيلي وتُقلص نشاطها بشكل كبير، وهناك شركات تمتنع عن إرسال خبراء إلى البلاد، وهو ما يضر بالدعم المستمر وعلاقات الشركة مع مورديها المختلفين”.
وقبل يومين، كتبت شركة “توب غام” (טופ גאם)، المُصنّعة للحلويات والمكملات الغذائية، في تقاريرها: “تزايدَ الشعور المعادي لإسرائيل بشكل كبير في الأشهر الأخيرة، منذ انتهاء وقف إطلاق النار في غزة”. وقال إيال شوحاط، المدير التنفيذي للشركة، أمس: “ليس ممتعًا أن تكون شركة إسرائيلية تبيع منتجاتها لدول العالم. انتهاء وقف إطلاق النار والحملات الإعلامية عن المجاعة في غزة ليسا جيدين لإسرائيل. أنا أسافر جول العالم، وهذا ما نراه هناك. أعتقد أن هناك زبائن لا يريدون ببساطة التعامل معنا، ولا يقولون ذلك صراحة”.

مع ذلك، فإلى جانب الدول التي تراجعت إليها الصادرات، سُجلت زيادة في الصادرات الإسرائيلية إلى دول لا يوجد فيها معارضة واسعة للحرب في غزة، مثل الولايات المتحدة، تايوان، بولندا، وكوريا الجنوبية. وتُعد ألمانيا حالة استثنائية بشكل خاص، فهي شريك تجاري مهم لإسرائيل، ورغم أن حكومتها قد عبرت عن انتقادات متحفظة لإسرائيل بل وفرضت حظرًا على تصدير الأسلحة، إلا أن الصادرات إليها نمت بنسبة 56%، بقيمة 694 مليون دولار. كما ارتفعت الصادرات إلى اليابان وأستراليا بشكل محدود نسبيًا، وهما دولتان عبرتا عن انتقادات أكثر وضوحًا ضد إسرائيل.
في بعض القطاعات، هناك انخفاض مقلق في الصادرات، وفي مقدمتها قطاع الرقائق الذي انخفضت صادراته بنسبة 20.4%. ويعود جزء من هذا الانخفاض إلى تراجع صادرات “إنتل” من إسرائيل. ولم ترد “إنتل” على طلب “ذا ماركر” (TheMarker) للتعليق على هذا الموضوع.
انخفضت صادرات الأغذية والمشروبات بنسبة 6%، كما تراجعت قيمة صادرات المنتجات الكيماوية بنحو 10%. ويمكن العثور على تفسير لذلك في تقارير شركة بازان، التي تراجعت إيراداتها بنسبة 21% بسبب انخفاض أسعار المشتقات النفطية وإيقاف تشغيل المنشآت بعد إصابتها بصاروخ إيراني. في المقابل، شهدت صادرات المنتجات المعدنية ارتفاعًا بنسبة 27.4%، وارتفعت صادرات المعدات البصرية والطبية بنسبة 21.8%.
إخفاء العلاقات
“هناك صعوبة متزايدة في البيع والشراء في أوروبا”. يقول رون تومر، رئيس اتحاد أرباب الصناعة. وصرّح مُصدِّرٌ آخر لـ “ذا ماركر”: “لحسن حظنا، نبيع بشكل أساسي للشركات وليس للزبائن الأفراد، لكن يكفي أن يكون هناك مدير واحد معارض حتى تُلغى الصفقات. أحيانًا نسمع أن هناك معارضة داخل الشركة للتعامل مع إسرائيل، وفي حالات أخرى، هناك خوف من أن تتأثر مبيعات الشركة إذا اتضح أن لها علاقات مع إسرائيل“.

تتجلى الصعوبات في التصدير بطرق أخرى أيضًا. على سبيل المثال، في بعض الموانئ الكبيرة في هولندا وأيرلندا وكندا، تُجرى فحوصات دقيقة للحاويات القادمة من إسرائيل، للتأكد من خلوها من المعدات “ذات الاستخدام المزدوج”، أي تلك التي يمكن استخدامها كأسلحة. وقد يُشتبه في كون معدات الأمن والكاميرات وحتى آلات الحلب معداتٍ عسكرية. يمكن أن تؤدي هذه الفحوصات، التي تُجرى أحيانًا بمبادرة محلية من قبل موظفي الجمارك، إلى تأخير الشحنات المتجهة إلى أوروبا وتُكلف المصدّرين الإسرائيليين الكثير.
كذلك، تشهد المؤتمرات والاجتماعات التي تنظمها الملحقيات الاقتصادية التابعة لوزارة الاقتصاد — والتي من المفترض أن تعزز العلاقات بين الشركات الإسرائيلية والمحلية — تغييرًا؛ حيث تُقام بعضها بسرية، دون نشر إعلانات في الصحافة المحلية.
في هذا الصدد، يقول المحامي ميكي شابيرا، وهو خبير في التجارة الدولية من مكتب أرنون تادمور-ليفي: “تخبرني شركات إسرائيلية أن منافسيها الأجانب يتواصلون مع زبائنها الكبار ويعرضون عليهم استبدالها، حيث تشدد الشركات المنافسة على كون هذه الشركات إسرائيلية، لتحذير زبائنها الكبار من التعامل معها”. ووفقًا لشابيرا، يحاول بعض الزبائن في الخارج أيضًا التهرب من دفع ثمن المنتجات التي طلبوها، أو إنهاء الاتفاقيات بحجة أنها قد تنتهك معاهدة دولية ضد إسرائيل. وقال: “إذا لم تحل المحادثات التجارية الوضع، يمكن دائمًا استخدام الأدوات القانونية لجعل هؤلاء الزبائن يلتزمون بالاتفاقيات الموقعة مع الشركات الإسرائيلية”.
وأضاف شابيرا أنه يجب على المصدّرين أن يكونوا مبدعين ويجدوا حلولًا تجارية للوضع، مثل البيع عبر الإنترنت مباشرة للزبائن في الخارج، دون الاعتماد على المستوردين؛ أو تسويق المنتجات دون علامة تجارية إسرائيلية، كـ “منتجات ذات ملصق”، أي منتجات يمكن للموزع المحلي بيعها تحت علامته التجارية. ووفقًا لشابيرا أيضًا، “تُنشئ بعض الشركات فروعًا تابعة لها في أوروبا لتجاوز الصلة بإسرائيل، ومحاولة مواصلة أعمالها”.

ويضيف تومر: “نحصل على الكثير من الدعم من وزارة الاقتصاد ومن الملحقين الاقتصاديين الإسرائيليين في الخارج، لكن لم أسمع شيئًا من وزير المالية بتسلئيل سموتريتش. هو لا يهتم بالتصدير. على العكس، تصريحاته تضر بالصادرات الإسرائيلية”. على الأرجح، يشير هذا إلى تصريحات سموتريتش التي تدعو إلى تهجير الفلسطينيين من غزة وإقامة مستوطنات في القطاع.
من جانبها، قالت إدارة التجارة الخارجية في وزارة الاقتصاد والصناعة إنه خلال الأشهر الستة الأولى من العام، قامت شبكة الملحقين الاقتصاديين المنتشرين في عواصم التجارة حول العالم بتنسيق أكثر من 23 ألف اجتماع شخصي بين الشركات الإسرائيلية والشركاء الأجانب. وحتى في هذه الأيام الصعبة، يواصل الملحقون الاقتصاديون البحث عن شركاء تجاريين جدد، وتعزيز الصفقات، وتطوير الصادرات الإسرائيلية.
ورفض مكتب وزير المالية التعليق على المقال.
المقال منشور في وصلة بإذن خاص من صحيفة The Marker











