/
/
من اقتصاد السوق إلى اقتصاد البقاء: الحرب قلبت موازين المعيشة في غزة رأسًا على عقب

من اقتصاد السوق إلى اقتصاد البقاء: الحرب قلبت موازين المعيشة في غزة رأسًا على عقب

هذا التغيير القسري انعكس مباشرة على حياة آلاف الفلسطينيين، الذين اضطروا إلى التخلي عن أعمالهم ومهنهم التي قضوا سنوات في بنائها، في منقطة منكوبة تجاوزت معدلات البطالة فيها 83%، وارتفع الفقر إلى أكثر من 90%، في ظلّ الحرب التي لا تنتهي والدمار وإغلاق المعابر وسياسة التجويع.
أيقون موقع وصلة Wasla
wasla brands
1024px Damage in Gaza Strip during the October 2023 28
مشاهد الدمار في غزة، الصورة: ويكيميديا

منذ اندلاع الحرب الأخيرة، تعيش غزة تحولاً اقتصادياً قاسياً قلب موازين المعيشة رأساً على عقب. المدينة التي كانت تعتمد على أنشطة تجارية منظمة وسلاسل توريد مستقرة انهارت بنيتها الاقتصادية بفعل القصف والحصار، لتحل مكانها منظومة هشة تعرف بـ”اقتصاد البقاء”. هذا النمط الاقتصادي يقتصر على تلبية بعض الاحتياجات الأساسية بأبسط الوسائل الممكنة، دون أي قدرة على التخطيط أو ضمان الاستدامة.

هذا التغيير القسري انعكس مباشرة على حياة آلاف الفلسطينيين، الذين اضطروا إلى التخلي عن أعمالهم ومهنهم التي قضوا سنوات في بنائها. فادي أبو عمرة مثال حي على ذلك، إذ أكد في حديثه مع موقع العربي الجديد أنّه عمل أكثر من ثماني سنوات في قطاع البناء قبل أن توقف الحرب مشاريع الإنشاءات وتدمر البنية التحتية، ليجد نفسه بلا عمل. وبعد بحث طويل عن فرصة عمل، لجأ إلى بيع الخضروات في سوق دير البلح مستخدماً عربة صغيرة، في مهنة لم يعرفها من قبل، لكنها باتت خياره الوحيد لتأمين قوت أسرته. ورغم أنها وفرت له مصدر دخل متواضع، إلا أنها بقيت محفوفة بالمخاطر نتيجة تقلب الأسعار وصعوبة الحصول على البضائع بسبب الحصار.

الضرر الاقتصادي في غزة جسيم، إذ تشير بيانات الخبراء إلى أن معدلات البطالة تجاوزت 83%، والفقر ارتفع إلى أكثر من 90%، فيما انخفض الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 70% منذ بدء الحرب، مع توقف شبه كامل للصادرات. الباحث الاقتصادي نسيم أبو جامع أكد للعربي الجديد أن ما يحدث هو انهيار كامل لسوق العمل وتحول نحو أنشطة غير رسمية كالباعة الجائلين وتبادل السلع والعمل مقابل الغذاء، وهي أنشطة توفر الحد الأدنى من المعيشة لكنها تفتقر لأي قدرة على النمو، ما يجعل الاقتصاد عالقاً في حلقة الاعتماد على المساعدات.

أما الخبير الاقتصادي عماد لبد فيصف ما يجري بأنه انتقال مفاجئ من اقتصاد السوق إلى اقتصاد البقاء، وهو انتقال جاء نتيجة صدمة الحرب التي أوقفت مئات آلاف العمال عن العمل بين ليلة وضحاها. ويشير لبد إلى أن هذا الاقتصاد الهش يقوم على مبادرات فردية صغيرة تفتقر إلى الاستقرار أو الدعم المؤسسي، ما يجعل التخطيط للمستقبل شبه مستحيل. ويرى أن الخروج من هذه الحالة يتطلب إعادة إعمار البنية التحتية وفتح المعابر أمام البضائع بلا قيود، إلى جانب إطلاق برامج تشغيل عاجلة للقضاء على السوق السوداء ودمج العمال في سوق العمل الرسمي من جديد.

وسط هذا الانهيار، تزداد الضغوط الدولية على إسرائيل لفتح جميع المعابر والسماح بدخول المساعدات الإنسانية بلا عراقيل، إذ دعا وزراء خارجية 24 دولة، من بينها بريطانيا وكندا وأستراليا ودول أوروبية، إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف الجوع المتفاقم في القطاع.

مقالات ذات صلة: انسحاب واسع: أكبر صندوق سيادي في العالم يبدأ ببيع حصصه في الشركات الإسرائيلية

مقالات مختارة