
“تزوجت عندما كنت في الثامنة عشرة. لم تتح لي الفرصة حتى للالتحاق بالجامعة”، تروي ياسمين، 24 عامًا من جديدة-المكر، لموقع “شومريم”. “أهلي ضغطوا عليّ لأتزوج لأنهم أرادوا رؤية أحفاد لهم، لكنني كنت شابة ترغب في الاستمتاع بالحياة أولًا قبل تكوين أسرة وإنجاب أطفال، لكن ضغط والديّ المستمرّ أثر عليّ. زوجي السابق لم يكن أكبر مني بكثير، فقد كان عمره 22 عامًا عندما تزوجنا. وكان يكسب رزقه بالعمل كسائق شاحنة، ولم يكن يرغب في أن أعمل. ففي العائلات المحافظة يُفضلون ألا تعمل المرأة. وقد كنا نتشاجر كثيرًا، بسبب جلوسي في البيت ولأني لم أكن أعرفه قبل الزواج”.
قصة ياسمين، التي لم يدم زواجها أكثر من أربع سنوات، ليست استثناء. فرغم ميل المجتمع العربي في إسرائيل إلى المحافظة، وخصوصًا في شؤون العائلة، أصبحت حالات الطلاق ظاهرة مألوفة، مع ازدياد متواصل في عدد الأزواج الذين ينفصلون. هذا الارتفاع ينعكس أيضًا في عدد ملفات الطلاق التي تُفتح سنويًا وكذلك في عدد الملفات التي تنتهي بانفصال رسمي. وتتفاقم هذه الظاهرة في المدن المختلطة، حيث تشير التوقعات أن نحو نصف الأزواج الذين يتزوجون هناك سينفصلوا.
إذا نظرنا إلى الأرقام المتعلقة بالأزواج الذين يسجلون زواجهم في المحاكم، فإن الأرقام مرتفعة بشكل كبير. “يافا قريبة جدًا من نسبة طلاق تبلغ 50%، وفي عكا وحيفا تصل النسبة إلى نحو 40%”، يقول مدير المحاكم الشرعية، الدكتور إياد زحالقة، لموقع “شومريم”. “في باقي المدن والمناطق العربية، يتراوح المعدل بين 20% و30%”.
تفيد معطيات المحاكم الشرعية أنه بين عامي 2015 و2022 ازداد تدريجيًا عدد ملفات الطلاق التي فُتحت، من 3,549 إلى 4,268 ملفًا سنويًا. في عام 2023، انخفض عدد ملفات الطلاق إلى 3,326 ملفًا، لكن في عام 2024 ارتفعت مجددًا حيث فُتح 4,020 ملفًا. ووفقًا لزحالقة، فإن الانخفاض في عام 2022 نجم عن تعديل يفرض على الأزواج الذين يفتحون ملف طلاق أن يتوجهوا أولًا إلى مختص في الوساطة والإصلاح في المحكمة الشرعية، وهي خطوة خفضت من أعداد ملفات الطلاق.
“هدفنا هو تشجيع الأزواج الذين يمرّون بمشاكل زوجية كبيرة على محاولة تسويتها بمساعدة جهات مهنية في وحدات المساندة التابعة للمحاكم الشرعية”، يقول زحالقة. “يعمل هناك أخصائيون اجتماعيون، ومحامون وأخصائيون نفسيون، لديهم تأهيل في الوساطة والإصلاح بين الأزواج وخبرة في التعامل مع العائلات التي تمرّ بمرحلة انفصال. عندما يكون هناك عدد أكبر من العائلات المفككة، يزيد تفكك المجتمع. نحن نلاحظ أن أبناء المطلقين يعانون من مشاكل سلوكية أكثر. ويمكننا، إلى حد ما، القول إن ازدياد الجريمة في المجتمع العربي مرتبط بنسبة الطلاق”.
“تدمّرت حياتي”
“الزواج في سن 22 كان خطأ حياتي. صحيح أنه لم يكن لدينا أولاد، لكن حياتي قد تحطمت بالفعل”، يقول فؤاد من سكان الطيبة، الذي طلّق زوجته بعد سنة ونصف من الزواج. “لم نكن ناضجين أنا وزوجتي السابقة. عمري اليوم هو 27 عامًا، ولم أتزوج من جديد ولا أفكر في ذلك أيضًا. هناك اعتقاد سائد في المجتمع العربي بضرورة وأهمية الزواج في سن صغيرة، وهذا خطأ كبير.”
زحالقة، الذي يشاهد العديد من الشباب مثل فؤاد وياسمين في قاعات المحكمة، يتفق على أن الزواج في سن مبكرة جدًا ومن دون النضج المطلوب يؤدي إلى تفاقم الخلافات، وبالتالي ارتفاع أعداد الطلاق. “على الأزواج أن يستغلوا فترة الخطوبة للتعرّف على بعضهم البعض والتأكد من مدى ملاءمتهم لبعضهم. ويجب توعيتهم أيضًا بالحياة بعد الزواج. إذا نجح القضاة في المحاكم الشرعية في التوسط في الخلافات التي تنبع من قلة الوعي والمعرفة، فسيكون بالإمكان خفض معدلات الطلاق”.
لا تقتصر أسباب الطلاق في المجتمع العربي على العمر فقط. إذ يذكر العديد من الأزواج أسبابًا أخرى، من بينها التركيبة العشائرية للمجتمع، والنظام الأبوي والتقاليد السائدة في المجتمع، وهناك أسبابٌ أخرى تتعلق بوجود بيت الزوجين بالقرب من عائلة الزوج، أو أنه مبني فوق منزل والديه، حيث يكون هناك احتكاكٌ دائمٌ بين الزوجة وعائلة زوجها، وقد يكون مدعاة للمشاكل في كثيرٍ من الأحيان.
“ضغط علينا أهلنا بعد الزواج من أجل إنجاب طفل”، تتذكر ياسمين. “تسبّب ذلك في الكثير من الشجارات والمشاكل مع الأهل. وعندما حاولت الحمل، تبيّن أن لديه مشكلة صحية. لكنه لم يتقبل الأمر، ولم يقتنع أهله بذلك. وحمّلني أنا المسؤولية. لحسن الحظ، لم يكن لدينا أطفال، وإلا لكانت الأمور بيننا ستتعقد كثيرًا. عدت إلى بيت أهلي، وبدأت فصلًا جديدًا من حياتي، والتحقتُ بالجامعة”.

تقول البروفيسورة سارة أبو كف، الباحثة والمحاضرة في برنامج إدارة وفض النزاعات في جامعة بن غوريون في النقب، إن العلاقة بين الأسرة النووية (التي تتكون من الأب والأم والأبناء) والأسرة الممتدة (التي تشمل باقي الأقارب) في المجتمع العربي وثيقة جدًا. وتشير إلى أنه على هذا الأساس، فإن تأثيريْن إضافييْن ومعقديْن لانهيار العلاقة، وهما التأثير على الأطفال والجانب الاقتصادي، يزدادان حدة.
“يتسبب الطلاق في أزمة عاطفية كبيرة للوالدين والأطفال. إلى جانب ذلك، هناك أيضًا الجانب الاقتصادي. ففي المجتمع العربي، غالبًا ما يبقى الأطفال مع الأم بعد الطلا، التي تعاني من انخفاض كبير في مستوى المعيشة بعد الطلاق، ولذلك تضطر النساء المطلقات في كثير من الأحيان إلى زيادة عدد ساعات عملهن على حساب التفرغ لأطفالهن”، تقول أبو كف.

يضيف زحالقة سببًا آخر لارتفاع معدلات الطلاق، خاصة في المدن المختلطة، وهو التعرض لنمط حياة ليبرالي يُعلي من قيمة الفردانية. “هذا التغيير حاد وسريع. كثيرون يتبنون أفكارًا مختلفة عن تلك السائدة في المجتمع دون أن يدركوا التأثير الذي يمكن أن يحدثه ذلك على حياتهم. هذا يسبب الكثير من المشكلات، والطلاق هو مجرد واحدة منها. إذا كان الفرد في السابق يبذل جهدًا كبيرًا لإرضاء المجتمع الذي ينتمي إليه، فاليوم أصبح الأمر مختلف. فقد أصبح الفرد يهتم بمسيرته المهنية، وأعماله، وحياته الخاصة، وهذا يأتي على حساب أمور أخرى، بما في ذلك عائلته”.
بحسب زحالقة، فإن هذه التحولات تحدث دون ارتباط مباشر بمكانة العائلة في المجتمع العربي، لكنها تضغط على مؤسسة الزواج. “الفرد لم يعد يأخذ الآخرين بعين الاعتبار. تضخمت الـ‘أنا’ لديه وأصبح لمصلحته الشخصية الأولوية على حساب من حوله، وهذا يؤدي إلى تراجع رغبته في المصالحة والحفاظ على عائلته”. يلمّح زحالقة إلى اعتقاد سائد في المجتمع العربي، مفاده أن قرار الطلاق لا يؤثر فقط على الزوجين، بل أيضًا على عائلة كليهما. ولسنوات طويلة، كان هذا الاعتبار وحده كافيًا لردع العديد من الأزواج عن الطلاق.

كلما زاد مستوى التعليم، زادت الاستقلالية الاقتصادية
تعتقد الدكتورة مها كركبي، وهي محاضرة بارزة في قسم علم الاجتماع في جامعة بن غوريون في النقب، أن ارتفاع نسبة الطلاق تعزى إلى تغييرات اجتماعية واقتصادية. “التغيير الجوهري هو الارتفاع في مستوى التعليم، والذي يُلاحظ بشكل خاص لدى النساء. فكلما زاد مستوى التعليم، زادت الاستقلالية الاقتصادية. دخول النساء إلى سوق العمل ينعكس أيضًا في انخفاض عدد الأطفال، وفي اختيار شريك الحياة، وارتفاع سن الزواج، ونسبة الطلاق. كل هذه الأمور مترابطة”، كما تشرح.
العوامل الاقتصادية مرتبطة أيضًا بالتصوّر السائد للرجل كمُعيل رئيسي. “في السابق، كان هناك تقسيم واضح بين أدوار الرجل والمرأة. اعتمدت المرأة في السابق على الرجل ليعيلها، وعاشت الكثير من النساء في بيئات عنيفة، لكنهن أُجبرن على البقاء ضمن دائرة العنف”.
“في الماضي، كانت هناك قواعد وقوانين ضمنية في المجتمع ترفض الطلاق. كان المجتمع يدين هذه الظاهرة، إلى حد نبذ المرأة المطلّقة”، تضيف كركبي. “اليوم هناك تقبّل اجتماعي أكثر مما كان في السابق. كلما انتشرت ظاهرة الطلاق، لم يعد ينظر إليها على أنها أمرٌ مستهجنٌ. وفي الوقت الحاضر، هناك مرونة أكبر مقارنة بالماضي، وذلك نتيجة لتغلغل القيم الليبرالية داخل المجتمع العربي”.

“بات المجتمع يتقبل حق الفرد في أن يكون سعيدًا في علاقته الزوجية، وإذا لم يكن سعيدًا، فله الحق في إنهاء العلاقة”. وتشير الدكتورة كركبي إلى ظاهرة مهمة في هذا السياق: “أبحاثي تُظهر أن اتجاهات التغيير التي وصفتها تختلف بين مجموعات مختلفة داخل المجتمع العربي، بحسب المكانة الاجتماعية مثلًا، وهو موضوع أعمل عليه حاليًا”.
تتفق المحامية جيهان عبد الحق، التي تمتلك خبرة في قوانين الأحوال الشخصية، على أن “المرأة اليوم أصبحت مستقلة اقتصادية وقادرة على إدارة شؤونها المالية بنفسها”. وتقول: “إذا لم تنسجم المرأة مع الرجل، فهي لا تتعرض للضغط الذي كان موجودًا في السابق، حيث يُفترض أن الرجل هو من يعيلها وهي التي يجب أن تتنازل. النساء اليوم يعرفن أن بإمكانهن العيش دون رجل؛ وأنهن قادرات على الدراسة أو العمل دون أن يكون لذلك علاقة بالرجل. معظم النساء العربيات اليوم لديهن مهن وشهادات تأهيل”.
وإلى العامل الاقتصادي، تضيف عبد الحق عاملان سبق ذكرهم: الأول – تدخل العائلات في علاقة الزوجين؛ والثاني – التوترات التي تنشأ بعد ولادة الأطفال. هذه القضايا كثيرًا ما تُذكر علنًا في المنتديات المختلفة التي تتناول مسألة الطلاق، لكن لا يزال هناك غياب لمعالجة منهجية وصريحة للصعوبات التي تخلقها هذه القضايا بالنسبة للزوجين.
الاستثناء موجود في المجتمع الدرزي، حيث تقام برنامج وورشات عمل مخصصة للأزواج الشباب قبل الزواج، وللأزواج المتزوجين منذ أقل من عامين. حيث يتكون البرنامج من سبعة لقاءات، ويُقسَم إلى ثلاثة أجزاء تركز على الدين، واقتصاد الأسرة، والأبوة والأمومة. حتى الآن أُقيمت دورتان فقط، في أبو سنان وبيت جن، وشارك فيهما نحو 30 زوجًا. ووفقًا لموظف في المجلس الديني الدرزي، فإن البرنامج يسعى إلى خفض معدلات الطلاق المرتفعة، بعد أن تبين أن معظم حالات الطلاق في الطائفة تحدث خلال السنوات الخمس الأولى بعد الزواج.
المقال منشور بإذن من موقع “شومريم“











