
تشهد صناعة الشوكولاتة في العالم تغيّرًا كبيرًا وغير معلن، بعد أن ارتفعت أسعار الكاكاو في السنوات الأخيرة إلى مستويات غير مسبوقة بسبب مجموعة من العوامل، أبرزها التغير المناخي والأمراض الزراعية في غرب إفريقيا، إلى جانب اضطرابات التجارة العالمية. ونتيجة لذلك، بدأت كبرى الشركات المصنعة في تعديل مكونات منتجاتها لتقليل كمية الكاكاو أو استبداله بمواد أرخص، من دون رفع الأسعار بشكل مباشر على المستهلكين.
التحول أصبح واضحًا في الولايات المتحدة، حيث اختفت عبارة “شوكولاتة بالحليب” من أغلفة بعض المنتجات المعروفة مثل “Almond Joy” و”Mr. Goodbar” و”Rolo”، التي تنتجها شركة هيرشي (Hershey)، واستُبدلت بتعبير عام هو “حلوى بالشوكولاتة”. السبب ليس تسويقيًا فقط، بل قانوني أيضًا، إذ إن هيئة الغذاء والدواء الأميركية تحدد معايير دقيقة لما يمكن تسميته “شوكولاتة بالحليب”، وأي تغيير في المكونات يؤدي إلى فقدان هذا التصنيف. شركات الشوكولاتة، في محاولة لتقليل الكلفة، استبدلت جزءًا من زبدة الكاكاو الطبيعية بدهون نباتية أرخص، ما غيّر الطعم والملمس، وإن كان المستهلك العادي لا يلاحظ ذلك دائمًا.
بحسب خبراء الصناعة الذين تحدثوا لصحيفة نيويورك تايمز، هذه التعديلات في الوصفات أصبحت شائعة مع اقتراب مواسم الاستهلاك المرتفعة مثل عيد “الهالوين”. فالمصانع تجرّب وصفات جديدة تتجنب مخالفة اللوائح الرسمية ولكنها تقلل فعليًا من محتوى الكاكاو. وتقول جودي غينس، وهي مستشارة في قطاع الأغذية، في حديثها مع الصحيفة، إن الارتفاع الحاد في الأسعار جعل الشركات “تتردد في رفع الأسعار على الزبائن خوفًا من انخفاض المبيعات، فتلجأ بدلًا من ذلك إلى تغيير المكونات”.
أسباب الأزمة تعود إلى غرب إفريقيا، المنطقة التي تنتج أكثر من 70% من الكاكاو في العالم. فقد تسببت موجات الجفاف الطويلة، وارتفاع درجات الحرارة، وعدم انتظام الأمطار، إلى جانب انتشار مرض تسببه حشرات دقيقة، في تراجع المحاصيل بشكل كبير. كما أثرت المضاربات في الأسواق، ونقص الأيدي العاملة، والعقوبات التجارية السابقة بين الولايات المتحدة ودول أخرى، في تفاقم الوضع.
نتيجة لذلك، قفز سعر طن الكاكاو في نهاية العام الماضي إلى أكثر من عشرة آلاف دولار، أي أربعة أضعاف سعره عام 2022، بحسب بيانات البنك الفدرالي في سانت لويس. هذا الارتفاع الكبير أجبر شركات كبرى مثل “هيرشي” و”نستله” على إعادة النظر في وصفاتها. ففي فبراير الماضي، قال المدير المالي لشركة هيرشي إن الشركة “تجري تجارب على بعض المنتجات، وقد أُدخلت بالفعل تغييرات في السنوات الأخيرة”. أما “نستله”، فأعلنت أنها وفّرت أكثر من نصف مليار دولار بعد تعديل وصفات بعض منتجاتها من القهوة والكاكاو.
بعض التغييرات يمكن ملاحظتها بالعين المجردة. فمنتجات “ألمنت جوي” مثلاً شهدت تغييرًا في المكونات بين عامي 2020 و2022، بينما تغيّر تركيب “مستر غودبار” و”رولو” منذ 2023. شركة هيرشي التي تصنع هذه الأصناف امتنعت عن التعليق بعد طلب صحيفة نيويورك تايمز تعقيبها. لكن خبراء في علوم الغذاء يؤكدون أن الشركات قادرة على تعديل مكونات الشوكولاتة بشكل دقيق لا يلاحظه المستهلك العادي، باستخدام بدائل مثل مادة “تشيمكاو” وهي دهون نباتية تُستخدم كغطاء بديل للشوكولاتة الحقيقية.
في بعض المنتجات، يتم تقليل سماكة طبقة الشوكولاتة المطلية، أو مزج الكاكاو الأصلي بمواد بديلة، أو زيادة كمية السكر والتوابل لإخفاء التغيير في الطعم. ومن المفارقة هنا أن الشركات التي أمضت سنوات في تقليل كمية السكر في منتجاتها استأنفت زيادته من جديد لتغطية نقص الكاكاو. وتشير ميتشل فرايم، وهي مؤسسة شركة حلويات صغيرة في حديثها مع نيويورك تايمز، إلى أنها لاحظت خلال العام الماضي أن طبقة الشوكولاتة في “سنيكرز” أصبحت أرقّ من قبل، وأن رقائق الشوكولاتة في بعض البسكويتات استُبدلت بأنواع أقل جودة.
شركات إنتاج المواد الغذائية لاحظت بدورها التغييرات في الطلب. فشركة “كارغيل” المتخصصة بتوريد المكونات للصناعات الغذائية أعلنت أنها استثمرت 35 مليون دولار في مصنع جديد في هولندا لإنتاج طلاءات تحتوي على كمية أقل من الكاكاو، وتبني حاليًا مصنعًا آخر في ولاية أوهايو، إضافة إلى استثمار 70 مليون دولار في تطوير تقنيات لإنتاج بدائل لزبدة الكاكاو.
رغم أن الأسعار انخفضت قليلًا بعد ذروة الشتاء الماضي، إلا أن التوقعات لا تشير إلى عودة السوق إلى وضعه الطبيعي. فالعوامل المناخية مستمرة، وزراعة الكاكاو الجديدة تواجه قيودًا بيئية مثل منع إزالة الغابات. لذلك، يتوقع الخبراء أن تنقسم سوق الشوكولاتة في المستقبل إلى قسمين: فئة من الشركات ستحافظ على الجودة العالية وتبيع بأسعار مرتفعة، وأخرى ستنتج شوكولاتة أرخص بمكونات معدلة أو بأحجام أصغر لتبقى في متناول الجميع.
بعض الشركات بدأت بالفعل السير في هذا الاتجاه. ففي موسم الهالوين الأخير، طرحت شركة “هيرشي”، المالكة لحقوق إنتاج وتوزيع “كيت كات” في الولايات المتحدة، نسخة خضراء منها وبسكويتًا باسم “الأنياب” محشوًا بالكريمة، ولم يحتوي أيٌّ من المنتجين على شوكولاتة حقيقية، أي كانت خالية تمامًا من مسحوق أو زبدة الكاكاو.
مقالات ذات صلة: استهلاك الشوكولاتة ينخفض: المواطنون يدفعون أكثر مقابل كميات أقل











