
أقرّ البرلمان البولندي في قراءة أولى مشروع قانون طرحه الرئيس الجديد كارول نبرُوتسكي يقضي بإعفاء الأسر التي لديها طفلان أو أكثر من ضريبة الدخل، في خطوة مثيرة للجدل أثارت اهتمامًا واسعًا داخل بولندا وخارجها. ويُتوقّع أن يُقرّ القانون نهائيًا في الأسابيع المقبلة، ليكون أحد أبرز وعود نبرُوتسكي الانتخابية التي ساعدته على الفوز بفارق ضئيل في الانتخابات الأخيرة.
الرئيس البالغ من العمر 42 عامًا قدّم المبادرة تحت شعار “هذا ما يستحقه البولنديون”، مشيرًا إلى أن الهدف منها دعم الأسر وتعزيز معدلات الولادة المتراجعة. ويأتي القرار في وقت تواجه فيه أوروبا الشرقية أزمة ديموغرافية متفاقمة تهدد مستقبل اقتصاداتها، بينما تكافح معظم دول القارة لرفع معدلات الخصوبة.
ChatGPT said:
أثار القانون الجديد في بولندا موجة واسعة من الانتقادات من خبراء الاقتصاد، الذين يقولون إنه يخدم بالأساس الطبقة المتوسطة ولا يقدّم فائدة حقيقية للأسر الفقيرة. فبحسب الصيغة الحالية، سيُمنح الإعفاء من ضريبة الدخل فقط للعائلات التي لديها طفلان أو أكثر، بشرط ألا يتجاوز دخل كلٍّ من الوالدين 140 ألف زلوتي في السنة (حوالي 125 ألف شيكل). أما الأسر ذات الدخل الأعلى فلن تستفيد من الإعفاء، في حين أن العائلات الفقيرة أصلًا لا تدفع ضرائب كبيرة، وبالتالي لن تشعر بفارق ملموس.
ووفقًا لحسابات مكتب الرئيس، ستوفّر الأسرة البولندية العادية من الطبقة المتوسطة نحو 1,000 زلوتي شهريًا (حوالي 900 شيكل)، لكن خبراء الضرائب يرون أن هذه الخطة ليست سوى نسخة سياسية جديدة لسياسات تخفيضات ضريبية قائمة في دول أخرى، تهدف أكثر إلى كسب التأييد الشعبي منها إلى تحقيق تغيير اقتصادي حقيقي.
في جوهرها، تعكس المبادرة الجديدة رغبة بولندا ودول أوروبا الوسطى في التحرك بشكل مستقل لمواجهة التراجع الحاد في معدلات المواليد. فبينما تعتمد دول كألمانيا وهولندا على الهجرة لتعويض الانخفاض السكاني، تتجه بولندا والمجر وتشيكيا إلى سياسات مالية واجتماعية مكلفة تهدف إلى تشجيع المواطنين على الإنجاب.
بحسب بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، بلغ معدل الخصوبة في بولندا 1.16 طفل لكل امرأة، وهو من أدنى المعدلات في أوروبا، مقارنةً بـ1.35 في ألمانيا و1.43 في المتوسط الأوروبي، بينما تتصدّر إسرائيل القائمة بمعدل 2.89 طفلًا لكل امرأة. وفي العام الماضي وُلد في بولندا 250 ألف طفل فقط، مقابل 180 ألفًا في إسرائيل رغم أن عدد سكان إسرائيل أقل بأربع مرات من بولندا.

تعاني بولندا أيضًا من هجرة سلبية بعد سنوات من التوتر السياسي في عهد حزب “القانون والعدالة”، إذ غادر ملايين المواطنين إلى دول أوروبا الغربية للاستفادة من حرية التنقل وفرص العمل الأفضل داخل الاتحاد الأوروبي. هذه الأزمة السكانية دفعت نبرُوتسكي إلى التركيز في خطاباته على “قدسية العائلة البولندية” وعلى دور الأسرة في إنقاذ الاقتصاد الوطني من التقلص المستقبلي.
في دول مجاورة مثل ليتوانيا، حيث معدل الولادة لا يتجاوز 1.18 طفلًا للمرأة، بدأ سياسيون يطالبون بتبنّي النموذج البولندي. كما زادت الحكومة في فيلنيوس مخصّصات الأطفال المعفاة من الضرائب إلى ألف يورو سنويًا لكل طفل. أما المجر، فكانت من أوائل الدول التي اعتمدت حوافز مالية لتشجيع الولادة قبل عقد من الزمن، ومن بينها إعفاء مدى الحياة من ضريبة الدخل للنساء اللواتي أنجبن ثلاثة أطفال أو أكثر، والرجال الذين لديهم أربعة أطفال. كما جمّدت الحكومة أقساط القروض العقارية للأسر الشابة ومنحتها قروضًا دون فوائد. ورغم هذه الإجراءات، لم ترتفع نسبة الولادة إلا بشكل طفيف من 1.34 إلى 1.51 طفل لكل امرأة خلال عشر سنوات، بينما تراجع عدد السكان بنحو نصف مليون نسمة بسبب الهجرة المستمرة.
وفي اليونان، التي انضمت مؤخرًا إلى هذا التوجّه، أطلقت الحكومة المحافظة برئاسة كيرياكوس ميتسوتاكيس خطة ضريبية بقيمة 1.6 مليار يورو لمواجهة ما وصفته بـ“التهديد الوجودي” الناتج عن تقلّص عدد السكان. وتشمل الخطة إلغاء ضريبة الدخل بالكامل للعائلات التي لديها أربعة أطفال أو أكثر. وقال ميتسوتاكيس إن الهدف هو “مكافأة من يقررون إنجاب الأطفال، لأن تكاليف المعيشة تختلف كثيرًا بين من يعيلون أسرة ومن يعيشون دون أطفال”.
تُظهر هذه التطورات أن أوروبا الوسطى والجنوبية تسعى لتقديم بدائل عن سياسة “النمو عبر الهجرة” التي تتبعها دول أوروبا الغربية. ففي المجر، مثلًا، يواصل رئيس الوزراء فيكتور أوربان رفضه استقبال المهاجرين، مفضّلًا التركيز على رفع معدلات الولادة لدى السكان المحليين، حتى لو تطلّب ذلك سياسات مالية جريئة.
ورغم الانتقادات التي تتهم الخطط البولندية والشبيهة بها بأنها شعبوية وتفتقر إلى الأساس الاقتصادي السليم، يرى بعض الخبراء أن بساطة الفكرة وسهولة تنفيذها قد تكون بحد ذاتها عامل جذب. فمجرد توفير نحو 1,000 زلوتي شهريًا لكل أسرة على مدى 18 عامًا — وربما لفترة أطول إذا كان الأبناء طلابًا دون سن 25 عامًا — قد يشجّع بعض العائلات على إنجاب طفل إضافي، نظرًا لتأثير الدعم المالي المستمر في تخفيف الأعباء المعيشية.
ومن المقرّر أن تدخل الإصلاحات البولندية الجديدة حيّز التنفيذ في عام 2025، فيما سيجري تقييم نتائجها الأولى بحلول عام 2027، لتتضح لاحقًا إن كانت هذه الحوافز قادرة فعلاً على وقف الانحدار الديموغرافي الذي يهدد مستقبل بولندا وجيرانها في أوروبا الوسطى.
مقالات ذات صلة: الحرب على غزة أحد الأسباب: انخفاض صادم في معدلات الإنجاب لدى العرب في البلاد مقارنة باليهود











