/
/
“فشل جوهري وفق المنظور الصهيوني”: قلبت الحرب ميزان الهجرة إلى إسرائيل رأسًا على عقب

“فشل جوهري وفق المنظور الصهيوني”: قلبت الحرب ميزان الهجرة إلى إسرائيل رأسًا على عقب

الحرب قلبت ميزان الهجرة إلى إسرائيل، وهو سلبي للسنة الثانية على التوالي، أي أن أعداد مغادرينها أكبر من المهاجرين إليها ■ خصائص مغادري إسرائيل: شباب، ومن ذوي التعليم والمهارات العالية، ممن يتوفر لهم إمكانية للإسهام في الاقتصاد ■ الانخفاض قد يسهم في زيادة الناتج المحلي للفرد، لكنه قد يكون ضارًا على المدى الطويل.
أيقون موقع وصلة Wasla
wasla brands
63125368
مطار بن غوريون. صافي ميزان الهجرة سجّل خسارة قدرها 28 ألف إسرائيلي هذا العام تصوير: جيل كوهين-ماغين / وكالة فرانس برس

الحرب الأطول والأكثر كلفة في تاريخ البلاد، والتي تستمر منذ ما يقارب العامين، أدت إلى تحول في ديمغرافيا إسرائيل: فوفقًا لمعطيات نشرتها الأسبوع الماضي دائرة الإحصاء المركزية، فإن معدل نمو السكان السنوي، الذي يبلغ عادة نحو 2% — وهو الأعلى في العالم الغربي — انكمش إلى النصف، وبلغ في الفترة ما بين سبتمبر 2024 و سبتمبر 2025 نحو 1% فقط.

يحسب النمو السكاني من عدد المواليد مطروحاً منه عدد الوفيات، ويؤخذ بالحسبان أيضًا ميزان الهجرة. التحول الجوهري الجديد الذي طرأ هذا العام هو في الهجرة السلبية. فما بين سبتمبر 2024 وسبتمبر 2025، وصل إلى إسرائيل نحو 30 ألف مهاجر يهودي جديد (من بينهم 5,000 في إطار لمّ الشمل)، كما عاد إلى البلاد 21 ألف إسرائيلي كانوا قد هاجروا إلى الخارج. في المقابل، هاجر إلى خارج البلاد نحو 79 ألف إسرائيلي. هذا الأمر أدى إلى أن ميزان الهجرة الصافي كان سلبيًا ويبلغ سالب 28 ألف.

1
عدد الإسرائيليين الذين غادروا إسرائيل بالآلاف خلال السنوات والشهور. المصدر: دائرة الإحصاء المركزية

هذه هي السنة الثانية على التوالي التي يكون فيها ميزان الهجرة الدولية لإسرائيل سلبيًا، بعد سنوات طويلة كان فيها إيجابيًا. وذلك نتيجة للحرب وهجوم السابع من أكتوبر. أدت الحرب إلى زيادة في عدد المهاجرين (المغادرين) من إسرائيل، وأحد الأمور التي تشغل دائرة الإحصاء المركزية هو فحص خصائص هؤلاء المهاجرين.

المعطيات المعروفة تشير إلى أن 81% منهم يبلغون من العمر 49 عامًا وما دون، ما يدل على أنهم الشباب والعائلات الشابة. كما يوجد تقديرات تشير إلى أن هذه الفئة السكانية تتمتع بمعدلات تعليم ومهارات عالية. وهذا يعني أن إسرائيل تفقد إمكانات وطاقات ومواهب تسهم في الناتج المحلي الإجمالي، ما يضر بالاقتصاد على المدى الطويل. تجري دائرة الإحصاء المركزية حاليًا تحليلًا معمقًا لخصائص الهجرة من إسرائيل، ولكنها لم تنشر نتائجها بعد.

1 1
تراجع في الهجرة اليهودية إلى إسرائيل. عدد المهاجرين اليهود إلى إسرائيل شهريًا، بالآلاف. (من شهر 1-2019 إلى شهر 7-2025). المصدر: دائرة الإحصاء المركزية.

انخفاض معدل المواليد

البروفيسور مومي دهان من مدرسة السياسة العامة في الجامعة العبرية فحص التداعيات الاقتصادية للحرب. وقد وجد أن الكلفتين الأساسيتين على المدى الفوري هما فقدان الناتج المحلي الإجمالي وفقدان السكان. ويقول: “خسرنا ناتجًا قدره 100 مليار شيكل، مقارنة بالناتج الذي كان يمكن أن يكون لولا الحرب”. وأضاف: “عدد الإسرائيليين المغادرين ازداد كثيرًا، وعدد المهاجرين اليهود إلى إسرائيل استقر عند مستوى منخفض”.

ويرى دهان أن الوضع في الواقع أكثر خطورة مما يبدو، لأنه كان من المتوقع أن تؤدي معاداة السامية المتصاعدة في العالم إلى زيادة عدد المهاجرين اليهود إلى إسرائيل، لكن ذلك لا يحدث. قبل السابع من أكتوبر، كان ميزان الهجرة في إسرائيل إيجابي، نتيجة الحرب بين روسيا وأوكرانيا. وقد أدى ذلك إلى ميزان إيجابي بلغ 63 ألف مهاجر يهودي في 2022 و70 ألفًا في 2023. هذه الموجة توقفت عقب الحرب على غزة أصبح هناك تحوّل في الاتجاه المعاكس.

63126562
البروفيسور مومي دهان من كلية السياسات العامة في الجامعة العبرية: “خسرنا 100 مليار شيكل من الناتج المحلي الإجمالي”. صورة: تومر أبلباوم

وهناك تطور ديمغرافي آخر يتمثل في حصول تراجع طفيف في معدل الولادة الذي تتصدر فيه إسرائيل دول العالم الغربي. في السنة الأخيرة وُلد في إسرائيل 179 ألف طفل، وهو عدد مشابه لمتوسط السنوات الأخيرة، لكن بما أن حجم السكان أصبح أكبر، كان من المتوقع حدوث زيادة متواصلة تتناسب مع النمو السكاني.

في هذا الصدد، فحص مركز مركز طاوب טאוב التغيّرات في معدلات الولادة ووجد أنه في الفترة 2018–2022 انخفض معدل الخصوبة لدى النساء اليهوديات من 3.17 إلى 3.03 طفل للمرأة. أما لدى النساء المسلمات فقد سُجّل انخفاض أشد، من 3.2 إلى 2.91، ولدى النساء المسيحيات انخفض المعدل من 2.06 إلى 1.68 طفل للمرأة الواحدة. البروفيسور أليكس وينراب، مدير الأبحاث ورئيس مجال الديمغرافيا في مركز طاوب، وجد أنه في عام 2024 حدث تحول إذ عاد معدل الولادة في المجتمع اليهودي للارتفاع، بينما استمر في المجتمع العربي بالانخفاض.

2 2
معدّل النمو السكاني في إسرائيل، بحسب القومية من سنة 2012 إلى 2025. الخط بالأخضر الفاتح يمثل العرب. والخط بالأخضر الغامق يمثل اليهود. المصدر: دائرة الإحصاء المركزية

“فشل جوهري وفق المنظور الصهيوني”

للنمو السكاني المرتفع في إسرائيل تأثيرات عديدة: فهو يتطلب استثمارًا عامًا كبيرًا في التعليم، والبنية التحتية، والمؤسسات العامة، وفي المقابل، يساهم  في زيادة متواصلة في الاستهلاك الخاص، والطلب على الشقق، والقوى العاملة. ومع ذلك، عند فحص معدل الخصوبة لكل فئة سكانية، تبدو الصورة أكثر إشكالية، لأن النمو السكاني مرتفع بشكل خاص في المجتمع الحريدي، الذي تبلغ مشاركة الرجال فيه في سوق العمل (حوالي 50% فقط)، وهي نسبة متدنية جدًا. ولا يوفر التعليم الحريدي الأدوات المعرفية اللازمة للاندماج في سوق العمل، وترتفع بشكل كبير نسبة اعتماد هذا المجتمع على الإعانات المالية الحكومية.

خلال الحرب اتضحت أيضًا الصعوبات الكبيرة المرتبطة بكون نسبة خدمة الحريديم في الجيش ضئيلة غاية، إذ ازداد العبء على السكان الذين يخدمون، وابتعدوا عن سوق العمل لفترات طويلة — سواء بسبب الطول غير المسبوق لفترة خدمة الاحتياط (منذ قيام الدولة)، أو بسبب تمديد التجنيد الإلزامي أربعة أشهر (بعد أن جرى تقصيرها قبل بضع سنوات من أجل إدخال الشباب بسرعة أكبر إلى سوق العمل).

في عامي 2023 و2024، كان الناتج المحلي الإجمالي للفرد سلبياً بسبب الحرب وتكاليفها الباهظة. إن الإجابة على سؤال ما إذا كان تباطؤ معدل النمو السكاني تطورًا إيجابيًا أم سلبيًا ترتبط إلى حد كبير بخصائص الأشخاص الذين يغادرون وإسهامهم في الاقتصاد. تقيس الحسابات القومية الناتج الإجمالي والناتج للفرد، ومن الناحية النظرية، عندما يتقلص معدل النمو السكاني، يزداد الناتج للفرد. ومع ذلك، إذا كان المغادرون من ذوي الإسهام المرتفع في الناتج، فإن ذلك سيؤدي إلى تدهور الناتج للفرد.

قام بنك إسرائيل ووزارة المالية خلال العام بتحديث توقعات النمو لديهم إلى الأسفل، بسبب الحرب مع إيران وغزة. وهي تبلغ حاليًا 3.3% و3.1% على التوالي، وهناك احتمال أن تُحدَّث مرة أخرى إلى الأسفل، بحسب تطورات الحرب في غزة.

إن الانخفاض في معدل النمو السكاني سيمكن من العودة إلى زيادة في الناتج للفرد هذا العام – ولكن في ظروف مؤسفة تتمثل في مغادرة السكان. قد تساهم الهجرة السلبية في إحصائيات الحساب القومي على المدى القصير، لكنها ستسبب ضرراً على المدى الطويل. يقول داهان: “من منظور صهيوني، هذا فشل واضح لهذه الحكومة”.

المقال منشور في وصلة بإذن خاص من صحيفة The Marker

مقالات مختارة