
تواجه شركات صغيرة في أنحاء مختلفة من العالم تهديدًا متزايدًا من نوع جديد من الابتزاز الرقمي، يتمثل في إمطار صفحاتها على خرائط جوجل وجوجل بلاي بمراجعات سلبية وهمية، مع مطالبتها بدفع مبالغ مالية لإزالتها. هذه الظاهرة، التي تعاظمت بفضل أدوات الذكاء الاصطناعي القادرة على توليد محتوى يبدو مقنعًا وحقيقيًا، أصبحت كابوسًا لأصحاب الأعمال الذين يعتمدون بشكل كبير على التقييمات الإلكترونية لتعزيز سمعتهم وجذب الزبائن، بحسب تقرير لنيويورك تايمز.
ناتاليا بايفر، صاحبة شركة إنشاءات في لوس أنجلوس تحمل اسم “حلول البناء”، روت قصتها في حديث مع نيويورك تايمز. في يونيو الماضي وصلتها رسالة عبر واتساب من رقم في باكستان جاء فيها: “طُلب مني نشر عشرين تقييمًا سلبيًا عن شركتك”. وبمجرد ردها على المرسل، دخلت في دوامة ابتزاز متكررة. فقد سبق لها أن دفعت 150 دولارًا لشخص من بنغلادش لإزالة تعليقات سلبية نشرها بنفسه، ثم دفعت 100 دولار آخر لمبتز من باكستان مقابل إزالة موجة ثانية من التقييمات. لكن سرعان ما ظهرت أكثر من عشر مراجعات وهمية جديدة، ومعها انهار تقييم شركتها على جوجل من خمس نجوم إلى 3.6 فقط، ما هدد سمعتها التي بنتها خلال ثماني سنوات. ولم تتم إزالة التقييمات إلا بعد تدخل جوجل بناءً على بلاغ رسمي.
الأضرار المالية لهذه التقييمات لا تُستهان بها. تقييم سلبي واحد قد يعني خسارة زبائن محتملين وخسارة آلاف الدولارات من الإيرادات، خاصة للشركات الصغيرة مثل شركات النقل أو خدمات تصليح الأجهزة أو مقاولات الأسقف. الأسوأ أن إزالة هذه المراجعات من جوجل ليست عملية سهلة، وغالبًا ما تظل التعليقات على الإنترنت إلى أن يبادر أصحاب الأعمال بالإبلاغ عنها.
التقديرات تشير إلى أن جوجل وأمازون تضطران سنويًا إلى حذف مئات الملايين من التقييمات المزيفة. ومع ذلك، تظهر يوميًا ملايين التعليقات الجديدة، ما يجعل السيطرة على الظاهرة شبه مستحيلة. مع دخول أدوات الذكاء الاصطناعي إلى المشهد، بات بإمكان المحتالين كتابة مراجعات طويلة ومقنعة بسرعة هائلة وبأسعار زهيدة، حيث يعرض بعضهم 20 مراجعة مقابل 100 دولار فقط.

كي دين، وهي محققة فدرالية سابقة أسست منظمة “Fake Review Watch” لمتابعة هذه الظاهرة، أكدت أنها وثّقت أكثر من 150 شركة تضررت من حملات التقييمات المزيفة. وتقول لصحيفة نيويورك تايمز إن هناك “عالماً سريًا كاملًا يقف وراء هذه الصناعة المظلمة، لا يدركه معظم الناس”، مشيرة إلى أن جوجل ومنصات أخرى تتحمل مسؤولية التقصير في رصد الأنماط المشبوهة وإزالتها.
رد غوغل والهيئات التنظيمية
من جانبها، تدافع جوجل عن نفسها مؤكدة أنها تحذف “الغالبية العظمى من المحتوى المزيف قبل أن يراه المستخدمون”، وأنها أوقفت نشاط أكثر من 900 ألف حساب خالف القواعد مرارًا. الشركة تؤكد أن لديها “صفر تسامح” تجاه هذه الممارسات، مشيرة إلى إجراءات تشمل حذف المحتوى، تجميد الحسابات، وحتى ملاحقات قضائية. كما أعلنت أنها ستطلق أداة جديدة تتيح لأصحاب الأعمال الإبلاغ المباشر عن حالات الابتزاز، لكنها لم تقدم تفاصيل إضافية.
الهيئات التنظيمية حاولت التدخل كذلك. ففي عام 2024 أصدرت لجنة التجارة الفدرالية الأمريكية قانونًا يستهدف التقييمات المزيفة، لكنه ركّز أساسًا على الشركات التي تشتري لأنفسها تعليقات إيجابية، ولم يفرض التزامات واضحة على المنصات الكبرى مثل جوجل أو أمازون، المحمية قانونيًا بموجب المادة 230 من القانون الفدرالي، والتي تعني أن هذه المنصات غير مسؤولة قانونيًا عمّا ينشره المستخدمون عليها. ومع ذلك، تنص القوانين الجديدة على غرامات تصل إلى أكثر من 53 ألف دولار عن كل انتهاك، في حال تم ضبط الجهة المسؤولة عن التقييمات الوهمية.
لكن على أرض الواقع، يظل أصحاب الأعمال في الخطوط الأمامية هم الأكثر تضررًا. نيك بتورني، صاحب شركة نقل في جورجيا، اكتشف بنفسه هشاشة النظام حين تلقى رسالة من باكستان تهدده بنشر عشرين تقييمًا بنجمة واحدة. ورغم أن جوجل سارعت لإزالة الموجة الأولى، إلا أن موجة ثانية من التعليقات الوهمية ظهرت في اليوم التالي، تضمنت اتهامات خيالية مثل إلقاء صناديق الزبائن عمدًا على الأرض، بحسب صحيفة نيويورك تايمز.
المحتال الذي هدّد بتورني اعترف علنًا أن عمله يتمثل في بيع مراجعات مزيفة، وأنه ينفذ طلبات زبائن يدفعون له مقابل نشر تعليقات سلبية ثم التواصل مع الشركة المستهدفة لمساومتها. هذه الممارسات تكشف عن اقتصاد مظلم متنامٍ قائم على تشويه السمعة مقابل المال.
مع تصاعد هذه الظاهرة، يجد أصحاب المصالح أنفسهم بين مطرقة الخسائر المباشرة وسندان فقدان الثقة بالمنصات الرقمية. وحتى مع القوانين الجديدة وإجراءات جوجل، يبدو أن الطريق ما زال طويلًا قبل أن تُغلق الثغرات التي تسمح بتحويل نظام التقييمات، الذي صُمم ليمنح المستهلكين الثقة، إلى سلاح ابتزاز يهدد بقاء الشركات ذاتها.
مقالات ذات صلة: من الـSEO إلى الـGEO: عشرات الشركات تتسابق فيما بينها للتلاعب باقتراحات وتوصيات ChatGPT لك











