
عندما تطلب من ChatGPT اقتراحًا لشرائك هاتفًا جديدًا، أو توصية لمطعم، أو تسأله عن تطبيق لإدارة مهامك اليومية، فإنك تحصل على قائمة من الاقتراحات والتوصيات. ظاهرياً، قد تبدو هذه التوصيات موضوعية ومحايدة، وقد تظنها نتاجًا لتحليل عدد كبير جدًا من البيانات والمقارنات الدقيقة التي يقوم بها الذكاء الاصطناعي، لكن الواقع يختلف قليلاً.
خلف الكواليس، يجري سباق بين شركات ناشئة ووكالات إعلان وتسويق رقمي، بهدف التلاعب والتأثير على الإجابات التي تقدمها روبوتات الدردشة ومحركات الذكاء الاصطناعي للمستخدمين. فهذا الأمر يساوي الكثير من المال للشركات؛ إذ يمكن لشركة تصنع حواسيب محمولة جني ثروة إذا ظهر منتجها كواحد من أفضل ثلاثة حواسيب يوصي بها ChatGPT للمستخدمين. ويمكن لوسيلة إعلام أو مدونة طبخ أن تزيد أعداد زائري موقعها إذا ضمّنها “الشات بوت” في إجاباته. على النقيض من ذلك، من لا يظهر في الإجابات على الإطلاق قد يواجه خطر الزوال.
تحسين نتائج محركات البحث للذكاء الاصطناعي
على مدى أكثر من عقدين، استخدمت العلامات التجارية والشركات عددًا لا يُحصى من المناورات والتقنيات المختلفة والمتنوعة و”الغريبة” في تحسين نتائج محركات البحث وتسهيل الوصول إليها (SEO)، بهدف تصدّر قائمة نتائج جوجل، حيث تقدَّر قيمة مجال الـSEO بنحو 90 مليار دولار في السنة.
ولكن في العام الماضي، تحوّلت أعدادٌ كبيرة من المستخدمين للبحث عن المعلومات والمنتجات عبر روبوتات الدردشة مثل ChatGPT، وGemini، وPerplexity، وClaude. كما أن جوجل الآن تقدم إجابات عبر محركات الذكاء الاصطناعي الخاصة بها — AI Overview وAI Mode — التي تم دمجها في نتائج محرك البحث العادي الخاص بها. لذلك، ترغب الشركات في ضمان بقاء ظهورها هناك أيضاً. بمعنى آخر، لا يريدون فقط الحصول على ترتيب عالٍ في قائمة نتائج بحث محرك جوجل “التقليدي”، بل يريدون أيضاً أن يظهروا في إجابة ملخص الذكاء الاصطناعي “الشات بوت”.

لذلك، يتم الآن استنساخ نموذج SEO مرة أخرى، وتتطور صناعة مزدهرة من الأدوات المخصصة لتحسين وتسهيل وصول محركات الذكاء الاصطناعي إلى النتائج، وهو ما أطلق عليه اسم GEO (Generative Engine Optimization). فخلال العامين الماضيين، ظهرت العشرات، إن لم يكن المئات، من الشركات الناشئة في هذا المجال، والتي يمكن أن نضيف إليها أيضًا الوكالات والاستشاريون والشركات المتخصصة في التسويق والإعلان الرقمي والـSEO، والتي بدأت أيضًا في تقديم خدمات GEO.
الشركة الناشئة النشطة أكثر من غيرها في هذا المجال هي Profound الأمريكية، والتي يبلغ عمرها عامًا واحدًا فقط، وقد جمعت مؤخرًا 35 مليون دولار بقيادة صندوق Sequoia. وفي إسرائيل، ظهرت شركتا Brandlight التي جمعت 5.75 مليون دولار، وLimy التي أعلنت مؤخرًا عن انضمامها إلى برنامج “تسريع الشركات الناشئة a16z Speedrun” التابع لصندوق Andreessen Horowitz. كما أطلقت الشركتان الإسرائيليتان Wix وSimilarweb منتجات مماثلة لزبائنها في الأشهر الأخيرة.

تقنيات خبيثة
رسالة جميع هذه الشركات متشابهة: مساعدة العلامات التجارية على أن يتم اقتراحها وذكرها من قبل روبوتات الدردشة. إنهم يركزون أولاً وقبل كل شيء على الظهور (visibility). وفي الخطوة الأولى، تساعد هذه الشركات العلامات التجارية على فهم وضعها الحالي، حيث تقوم أدواتهم بإجراء اختبارات باستخدام مئات الآلاف أو ملايين الأوامر (prompts) على روبوتات الدردشة المختلفة، ومن ثم تحليل إجاباتها.
بناءً على ذلك، يوضحون للعلامة التجارية روبوتات الدردشة التي ذكرتها، وما إذا كان السياق الذي تُذكر فيه إيجابياً أم سلبياً، وكيف يُترجم ذلك إلى زيارات فعلية. على سبيل المثال، يمكن لشركة تصنيع حواسيب محمولة أن تعرف ما إذا كانت روبوتات الدردشة يذكر اسمها، ومتى يفعل ذلك، وما إذا ما كان روبوت الدردشة يوصي السائل بها أم لا، وهكذا.
الخطوة التالية، وهي أكثر تعقيداً في التنفيذ، هي ترجمة هذه الأفكار إلى توصية قابلة للتنفيذ، أي محاولة التأثير على النتائج التي تنتجها روبوتات الدردشة. على سبيل المثال، جعل أكبر عدد ممكن منها “يوصي” بالحاسوب المحمول لشركة معينة باعتباره الأفضل والأكثر ربحية في السوق، أو جعل روبوتات الدردشة تقتبس أكبر قدر ممكن من مدونة معينة تهتهم بالاستثمارات في البورصة.
من الصعب التدخل والتأثير في البيانات التي تتدرب عليها نماذج الذكاء الاصطناعي أثناء إنشائها، كما أنه لا توجد طريقة للتأثير على الخوارزمية نفسها. ولكن يمكن التأثير على المحتوى الموجود عبر الإنترنت، والذي يقوم روبوت الدردشة بمسحه وقراءته في الوقت الذي يطرح عليه السؤال قبل أن يقدم إجابته. يمكن القيام بذلك عن طريق إنشاء محتوى جديد مخصص “لعيون” روبوت الدردشة فقط، أو عن طريق تغيير محتوى موجود، أو عن طريق زرع محتوى في أماكن “استراتيجية” مختلفة. إذا تم ذلك بنجاح، سيقتنع روبوت الدردشة بسرعة بأن طرازًا معينًا من السيارات الكهربائية أفضل من طراز آخر، وسيوصي به لملايين المستخدمين حول العالم.
وفقاً لبيانات شركة التسويق الرقمي Semrush، فإن المصادر الرئيسية التي تستمد منها روبوتات الدردشة إجاباتها هي Reddit، ثم ويكيبيديا، يوتيوب، جوجل، وYelp.
على غرار عالم SEO، يمكن بالفعل رصد استخدام تقنيات خبيثة لأغراض GEO. في الماضي، أظهر باحثون من جامعة هارفارد كيف يمكن زرع سلاسل نصية معينة تبدو ككلام غير مفهوم للبشر، لكنها تحتوي على نوع من “الرسائل المشفرة” التي يستطيع نموذج اللغة الكبير (LLM) قراءتها، وهذا يحرف النتيجة التي يقدمها النموذج.
هناك تقنية خبيثة أخرى تتمثل في زرع أوامر وتوجيهات لروبوتات الدردشة ترشدها إلى أي رأي يجب أن تتبناه، ويتم ذلك باستخدام نص صغير أو أبيض اللون حتى لا يلاحظه البشر. وكما هو متوقع، تتطور لعبة “القط والفأر” بين مزودي الذكاء الاصطناعي وخبراء GEO في محاولة لإيجاد حيل جديدة، وحظرها، وهكذا دواليك.
لكن يبدو أن هذه الحالات هي هامشية في الوقت الحالي. التقنيات الرئيسية لـ GEO تشبه تقنيات SEO وتحسين السمعة في جوجل، لكنها تختلف عنها في عدة جوانب.
الفرق الرئيسي هو الحاجة إلى إنشاء نصوص تتناسب بشكل أفضل مع طبيعة الأسئلة التي يطرحها الناس على روبوتات الدردشة. هذه الأسئلة تكون أطول وأكثر تفصيلاً بكثير من الاستفسارات في جوجل، فكما أوضحت جوجل نفسها: إذا كان الناس يبحثون في محرك البحث التقليدي عن “مطعم في نيويورك”، فإنهم يطلبون من روبوت الدردشة: “جد لي مطعمًا هادئًا يناسب عائلة من خمسة أفراد في نيويورك” — ويستمرون بأسئلة تكميلية.
هذا يعني أنه في إطار GEO، يجب إنشاء محتوى يحتوي على تفاصيل أكثر حول خصائص وميزات المنتج أو الخدمة، لكي يكون لدى الذكاء الاصطناعي معلومات مفصلة يعتمد عليها. من ناحية أخرى، يجب أن يكون المحتوى موجزًا، مقسمًا إلى نقاط (bullet points) وفقرات قصيرة، وأن يتضمن تقييمات، جداول، مقارنات، وخلاصة قاطعة وملخصًا حاسمًا (“هذا هو أفضل منتج في هذه الفئة”). باختصار، يجب أن يشبه المحتوى الطريقة التي يصوغ بها الذكاء الاصطناعي الإجابات.
في منشور نشره شركاء إداريون في صندوق الاستثمار الأمريكي “أندريسن هوروفيتز”، تم توضيح أنه في حين يكافئ تحسين محركات البحث التقليدي (SEO) الدقة، والتكرار، والكلمات المفتاحية، فإن محركات الذكاء الاصطناعي تفضل “المحتوى المنظم جيدًا، والقابل للقراءة، والمكثف بالمعنى — وليس فقط بالكلمات المفتاحية. عبارات مثل ‘وخلاصة القول’ أو استخدام النقاط تساعد نماذج اللغة الكبيرة LLMs (التي يعتمد عليها الذكاء الاصطناعي) على استخراج ونسخ المحتوى بشكل فعال”.
الذكاء الاصطناعي أقل قابلية للتنبؤ بكثير
يجب إدخال المحتوى في مصادر المعلومات التي يستمد منها الذكاء الاصطناعي بياناته. هناك ادعاءات بأن بعض روبوتات الدردشة تمنح الأولوية لصفحات الإنترنت الجديدة، وللعلامات التجارية التي تُذكر في العديد من المواقع. فإذا صادف روبوت الدردشة اسم علامة تجارية في أماكن مختلفة الكثير من المرات، فإنه سيميل إلى تفضيلها. لذلك، تقوم العديد من الشركات بإنشاء عدد كبير جدًا من صفحات الإنترنت الجديدة والمخصصة حول مواضيع مختلفة بمحتوى تم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي.
تقدم العديد من شركات وأدوات GEO أدوات ذكاء اصطناعي للشركات لإنشاء محتوى آلي ومُركّب، مصمم خصيصاً لهذه الأهداف. جيمس كادوالادر، الرئيس التنفيذي لشركة Profound، صرّح مؤخراً لمجلة “نيويورك ماغازين” قائلاً: “أنت تنظر إلى النظام الغذائي للنموذج، ثم تحاول فهم كيف يمكن تغييره. أنت تنشئ محتوى على أمل أن أن يُمتص إلى الداخل ثم يُطرح إلى الخارج، ليظهر في نتائج روبوتات الدردشة”.
لكن الخبراء يوضحون أن التأثير على نماذج الذكاء الاصطناعي مهمة صعبة وماكرة. ترتيب المواقع التقليدي في جوجل يعتمد على معايير ثابتة ومستقرة نسبياً، بينما الذكاء الاصطناعي أقل قابلية للتنبؤ وأكثر ديناميكية بكثير. السوق أكثر تجزئة، كل محرك إجابات بالذكاء الاصطناعي وكل روبوت دردشة يعمل بطريقة مختلفة قليلاً عن الآخر. ومن الصعب معرفة ما يحدث خلف كواليس نماذج اللغة. على سبيل المثال، لا يزال هناك الكثير من الغموض حول أنواع المحتوى التي تفضلها النماذج، هل هو المحتوى الصحفي الاحترافي، أم محتوى المستخدمين وشبكات التواصل الاجتماعي؟
روبوتات الدردشة تتغير بشكل متكرر، ونماذج جديدة تصدر طوال الوقت. بالإضافة إلى ذلك، بما أن النماذج هي في النهاية احتمالية، يمكنها تقديم إجابات مختلفة تماماً حتى لو كان الأمر (prompt) أو السؤال هو نفسه. وهذا يجعل محاولة التأثير عليها صعبة.
يرتاح بعض الخبراء إلى حقيقة أن جزءاً كبيراً من عمليات البحث الجديدة بالذكاء الاصطناعي يتم عبر جوجل، التي تعرض ملخصات إجابات تعتمد على الذكاء الاصطناعي في محرك البحث الخاص بها. فمن المرجح بالنسبة إليهم أن هذه الإجابات لا تزال تستند إلى الترتيب التقليدي للمواقع في جوجل، لذلك فإن العديد من مبادئ SEO التقليدي ستظل سارية في المستقبل.
ومع ذلك، أصبحت صناعة GEO جزءًا لا يتجزأ من استخدام الذكاء الاصطناعي. عندما تطلب توصية من ChatGPT، من المهم أن تتذكر أنه خلف الكواليس جرى تلاعب، وصُرِفت أموال ووُظّفَت جهود لكي تظهر علامة تجارية معينة في الإجابة بدلاً من علامة أخرى. وهذا الوضع سيتفاقم في اللحظة التي تظهر فيها النتائج المدفوعة والإعلانات، وهذا مسألة وقت فقط قبل أن يحدث.
المقال منشور في وصلة بإذن خاص من صحيفة The Marker











