
تشهد السياحة في تركيا، التي تمثل نحو 12% من ناتجها المحلي الإجمالي، ضغوطًا متزايدة في صيف 2025. فعلى الرغم من أن الموسم لم ينتهِ بعد، إلا أن التقديرات الأولية تشير إلى خسائر كبيرة ناجمة عن حرائق الغابات المستمرة للعام الخامس على التوالي، والتي التهمت مساحات واسعة على طول سواحل البحر المتوسط وبحر إيجة، وهما قلب النشاط السياحي في البلاد.
الأزمات المتلاحقة لم تبدأ هذا العام فقط. ففي عام 2020 أدى وباء كورونا وما رافقه من إغلاقات إلى انهيار شبه كامل للقطاع مع هبوط عدد السياح بنسبة 90%. وبعد ذلك جاءت سلسلة من الزلازل التي ضربت منطقة البحر الإيجي في أواخر 2024 وبداية 2025، ما أثار مخاوف من وقوع هزة أقوى في المستقبل. وإلى جانب ذلك، يثقل التضخم المرتفع كاهل الصناعة، إذ بلغ في يوليو 2025 مستوى 33.5%، الأمر الذي قوّض صورة تركيا كوجهة رخيصة نسبيًا لقضاء العطلات.
التغير الأبرز في سلوك السياح، بحسب موقع ذا إيكونوميست، هو الميل المتزايد نحو الفنادق الكبرى التي تقدم خدمة “الإقامة الشاملة” All inclusive، على حساب الفنادق الصغيرة أو الشقق المفروشة. سادات كيرت، نائب رئيس بلدية مرماريس على ساحل إيجة، صرّح لموقع موقع ذا إيكونوميست، أن معظم السيّاح، بما في ذلك الذين اعتادوا الإقامة لفترات طويلة في شقق خاصة، باتوا يفضلون الآن هذا النوع من الفنادق.
هذا النموذج ينسجم مع طبيعة السياحة التقليدية في تركيا المعروفة بـ”السياحة الشاطئية الكسولة”، وقد ساعد البلاد على جذب أكثر من 62 مليون سائح العام الماضي. لكنّه في المقابل أضر بالمطاعم المحلية، وأصحاب المحلات الصغيرة، والمرشدين السياحيين المستقلين، وحتى مالكي الفنادق الصغيرة الذين يضطرون لتخفيض أسعارهم بشدة للبقاء في دائرة المنافسة.
سياحة البقاء في الفنادق
من الناحية الاقتصادية، كان من المفترض أن يجعل ضعف الليرة البلاد أكثر جذبًا للأجانب، لكن عند مغادرة الفنادق، يصطدم السائحون بتضخم يلتهم الفارق. مصطفى دليولي، صاحب فندق في مرماريس، قال لموقع ذا إيكونوميست إن الأسعار خارج الفنادق ترتفع بسرعة لدرجة أن الضيوف يفضلون البقاء داخلها لقضاء وقتهم وإنفاق أموالهم بدلًا من الخروج إلى الأسواق أو المطاعم.
أنطاليا، التي استحوذت العام الماضي على أكثر من ربع السياح الوافدين إلى تركيا وتُعد المركز الأكبر لفنادق “الإقامة الشاملة” All inclusive، تشهد تراجعًا مقلقًا. ففي الربع الأول من 2025 انخفض عدد زوارها بنسبة 30% مقارنة بالعام السابق، وكان الانخفاض الأشد بين السياح الأجانب.

الوضع الداخلي لا يقل صعوبة. المواطنون الأتراك، الذين يعانون من أزمة غلاء المعيشة، باتوا يسافرون أقل، وفي بعض الحالات يفضلون قضاء عطلاتهم في جزر اليونان على بحر إيجة، حيث يجدون أن الأسعار هناك ـ رغم أنها ضمن منطقة اليورو ـ أرخص من أسعار العطلات داخل بلادهم، بحسب ذا إيكونوميست.
في مرماريس، تراوحت نسب إشغال الفنادق في يونيو بين 60% و80%. ومع اقتراب نهاية الموسم، أصبحت هذه الفنادق تعتمد على حجوزات اللحظة الأخيرة لتعويض النقص. سادات كيرت عبّر عن قلقه في حديثه مع إيكونوميست من المستقبل، محذرًا أنه إذا استمرت الاتجاهات المناخية الحالية، فقد يصبح البحر المتوسط حارًا أكثر من اللازم ـ بل وخطرًا ـ لقضاء العطلات الصيفية خلال السنوات المقبلة.
المشكلة تتفاقم مع محدودية الدعم الحكومي. المناطق الساحلية المتضررة مثل مرماريس، التي تسيطر عليها أكبر أحزاب المعارضة، لا تتلقى مساعدات كافية من أنقرة. ويستذكر السكان خيبة أملهم في صيف 2021 عندما ألقى الرئيس رجب طيب أردوغان أكياس شاي على المتضررين من الحرائق بدلًا من تقديم دعم ملموس. حاليًا، تحاول السلطات المحلية ابتكار بدائل لجذب السياح خارج الموسم الحار، بما في ذلك تنظيم سباقات قوارب، مهرجان للمأكولات البحرية، وحتى نسخة محلية من مهرجان أكتوبرفست البافاري.
مقالات ذات صلة: الحرب الروسية الأوكرانية تصل القدس: المعركة تحتدم حول فندق قصر سيرجي الروسي











