/
/
قرار صندوق الثروة السيادي مقاطعة إسرائيل وتهديدات ترامب يفجّران عاصفة سياسية عشية الانتخابات النرويجية

قرار صندوق الثروة السيادي مقاطعة إسرائيل وتهديدات ترامب يفجّران عاصفة سياسية عشية الانتخابات النرويجية

أيقون موقع وصلة Wasla
wasla brands
البنك المركزي النرويجي الذي يدير صندوق الثروة السيادي النرويجي في أوسلو- الصورة: ويكيميديا
البنك المركزي النرويجي الذي يدير صندوق الثروة السيادي في أوسلو- الصورة: ويكيميديا

تعيش النرويج في أجواء انتخابية استثنائية بعدما تحولت قرارات صندوق الثروة السيادي، وهو الأكبر في العالم، إلى محور صراع داخلي وخارجي. فالصندوق، الذي تأسس في أوائل التسعينيات لإدارة عائدات النفط من بحر الشمال، التزم لعقود طويلة بالابتعاد عن السياسة، لكن قراراته الأخيرة ببيع استثمارات في شركات مرتبطة بالحرب الإسرائيلية على غزة دفعت إلى عاصفة سياسية في أوسلو، وصلت أصداؤها حتى واشنطن.

الشرارة انطلقت في أغسطس الماضي عندما كشفت صحيفة محلية أن الصندوق يمتلك أسهماً في شركة محركات “بيت شيمش”، التي تقدم خدمات صيانة لطائرات سلاح الجو الإسرائيلي المشاركة في قصف غزة. وزير المالية النرويجي ينس ستولتنبرغ، أصدر أوامر فورية للصندوق بإعادة النظر في جميع استثماراته في إسرائيل. ونتيجة لذلك، قام الصندوق بين 30 يونيو و14 أغسطس ببيع حصصه في 23 شركة بقيمة إجمالية بلغت 4 مليارات كرونة (400 مليون دولار).

هذا القرار فجّر عاصفة سياسية عشية الانتخابات المقررة يوم الاثنين. أحزاب المعارضة هاجمت ستولتنبرغ واتهمته بتسييس الصندوق، فيما دخلت لجنة المراقبة الدستورية في البرلمان على الخط. رئيسها المحافظ، بيتر فروليش، وصف رد ستولتنبرغ على أسئلة اللجنة بأنه “أكثر جواب متعجرف تلقيته على الإطلاق”. الخبراء المحليون اعتبروا أن القضية تضخمت بسبب قرب الانتخابات، إذ قالت البروفسورة كارين توربرن من مدرسة الاقتصاد في بيرغن في حديثها مع بلومبرغ إن “كل طرف يستغلها لتعزيز مصالحه”.

ترمب يدخل على الخط

لكن القصة لم تبق داخلية. ففي 25 أغسطس أعلن الصندوق عن بيع أسهم إضافية في ست شركات لمساهمتها في “انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في مناطق النزاع”، من بينها شركة “كاتربيلر” الأميركية للجرافات. القرار أثار غضب السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام المقرب من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والذي صرّح بأن “الأمر لن يمر من دون رد”. وبعد أيام قال إن الولايات المتحدة قد تفرض رسومًا جمركية عقابية على النرويج. وجاءت تصريحاته هذه خلال زيارته للقدس ولقائه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

ترمب يعرض مخططًا للرسوم الجمركية المتبادلة- الصورة: صفحة البيت الأبيض على موقع فليكر
ترمب يعرض مخططًا للرسوم الجمركية، الولايات المتحدة فرضت جمارك نسبتها 15% على النرويج. الصورة: صفحة البيت الأبيض على موقع فليكر

رئيس الوزراء النرويجي يونس غار ستوره حاول امتصاص الأزمة بمخاطبة غراهام مباشرة، لكن الأخير رد قائلًا إن ما قامت به النرويج “فضيحة”، مضيفًا أنه أطلع مسؤولي الإدارة الأميركية على الأمر وأنهم اندهشوا مثله. غراهام ذهب أبعد حين هدد بالسعي إلى تقييد تأشيرات دخول موظفي صندوق الثروة إلى الولايات المتحدة.

التوتر يتعقد أكثر لأن النرويج، أكبر منتج للنفط في أوروبا بعد روسيا، ليست عادة هدفًا لواشنطن. ميزانها التجاري مع الولايات المتحدة يميل قليلًا للعجز، وصادراتها الأساسية إليها هي الغاز والمأكولات البحرية. لكنها فوجئت في أغسطس بفرض رسوم أميركية بنسبة 15%، وهي نسبة أقل مما فُرض على دول أخرى لكنها ما زالت صادمة. وزاد الطين بلّة إعلان النرويج نهاية أغسطس اختيار بريطانيا لتزويدها بفرقاطات بحرية بدلاً من فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة، وهو ما أثار امتعاض واشنطن. وفي الوقت نفسه، أثار قرار ترامب قبل أسبوع بوقف مشروع مزارع الرياح لشركة “أورستد” الدنماركية قلق أوسلو، لأن الصندوق النرويجي يمتلك 3.17% من أسهم الشركة ويعتمد على صورتها الخضراء لتعزيز سياساته الاستثمارية.

فلسطين في صلب النقاش الانتخابي

أما على الساحة المحلية، فقد دخلت مسألة إسرائيل وفلسطين في صلب النقاش الانتخابي. النرويج اعترفت بدولة فلسطين في مايو من العام الماضي، بينما أعلنت إدارة ترامب مؤخرًا أنها لن تمنح تأشيرات لوفد فلسطيني كان يخطط للمشاركة في الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الشهر، حيث ستنضم بريطانيا وفرنسا وكندا إلى إعلان الاعتراف بفلسطين. الاستطلاعات في النرويج تظهر أن الرأي العام متشكك جدًا تجاه ترامب، وهذا يعزز موقف حزب العمال الحاكم الذي يقوده ستوره، إذ يتصدر نوايا التصويت بنسبة 26%، مقابل 22% للحزب التقدمي و15% للمحافظين.

مظاهرة في النرويج داعمة لفلسطين، صورة توضيحية، المصدر: ويكيميديا
مظاهرة في النرويج داعمة لفلسطين، صورة توضيحية، المصدر: ويكيميديا

القضية تكشف تناقضًا في إدارة الصندوق. فعلى الرغم من أن مبادئه الأخلاقية يحددها البرلمان بالتنسيق مع وزارة المالية، فإن الحكومات المتعاقبة شددت دومًا على استقلاليته. الأحزاب الكبرى لا ترغب في تغيير طريقة إدارته، لكن المحافظين والتقدميين يريدون تعديل المعايير الأخلاقية بما يسمح بالاستثمار في شركات الأسلحة النووية. في المقابل، يصر ستوره على أن الصندوق ليس أداة للسياسة الخارجية.

الجدل حول الاستثمارات في إسرائيل يتواصل في الشارع النرويجي أيضًا، مع تظاهرات متكررة لمحتجين يغلقون أحيانًا مداخل وزارة المالية والبنك المركزي للمطالبة ببيع جميع الاستثمارات الإسرائيلية. ستوره وستولتنبرغ يعارضان ذلك، ويؤكدان أن البيع يجب أن يقتصر على الشركات التي تنتهك القانون الدولي. لكن كْنوت كير، أول مدير للصندوق، يرى أن الوضع المأساوي في غزة يضع مصداقية الصندوق على المحك.

مقالات ذات صلة: انسحاب واسع: أكبر صندوق سيادي في العالم يبدأ ببيع حصصه في الشركات الإسرائيلية

مقالات مختارة