في ظل التطورات السياسية والاقتصادية المتسارعة في الولايات المتحدة، يستمرّ إيلون ماسك في إثارة الضجة حوله، ليس فقط كرائد أعمال ملياردير يترأس العديد من الشركات العملاقة مثل تسلا وسبيس إكس، بل هذه المرة كمرشح محتمل لتولي منصب حكومي حساس في إدارة مستقبلية محتملة لدونالد ترامب، بعد أن أصبح ماسك من أشدّ داعمي ترمب مؤخرًا ومشاركًا في حملته الانتخابية. يثير هذا التوجه نحو تعيين ماسك في إدارة حكومية الكثير من الجدل، ليس فقط حول كفاءته، بل أيضًا حول التعارضات المحتملة بين مصالحه الشخصية والواجبات الحكومية التي قد يضطلع بها.
ماسك كرئيس لجنة الكفاءة الحكومية
خلال خطاب له في نادي نيويورك الاقتصادي، أعلن المرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، أنه يخطط لإنشاء لجنة للكفاءة الحكومية تهدف إلى إجراء مراجعات مالية شاملة لأداء الحكومة الفيدرالية، مع ترشيح إيلون ماسك لرئاسة هذه اللجنة. وأشار ترامب إلى أن ماسك، الذي اشتهر بقدرته على تقليص التكاليف وتحقيق الكفاءة، وافق على هذا المنصب، مؤكدًا أنه “تطوع للخدمة من دون الحاجة لراتب أو لقب”.
وفي تعليق له على منصة X (المعروفة سابقًا بتويتر)، قال ماسك: “أتطلع لخدمة أمريكا إذا سنحت الفرصة”. للوهلة الأولى قد يبدو العرض ذو نية حسنة، ولكنه يثير في الوقت نفسه تساؤلات حول مدى تأثير ماسك على القرارات الحكومية الحساسة، خاصة في ظل علاقاته المتشابكة مع الشركات التي تعتمد بشكل كبير على العقود والمساعدات الفيدرالية.
تضارب المصالح: هل يمكن تجاهله؟
التأثير الواسع الذي يتمتع به ماسك على العديد من القطاعات الاقتصادية يضعه في مركز تضارب مصالح محتمل. من أبرز تلك العلاقات هو تعامله مع وكالات حكومية مثل وكالة ناسا التي تقدم عقودًا لشركته سبيس إكس، والإدارة الفيدرالية للطيران (FAA) التي تمنح الموافقات لإطلاق الصواريخ، ووزارة النقل التي يشرف على المنح للسيارات الكهربائية التي تنتجها تسلا، وحتى إدارة الغذاء والدواء (FDA) التي تراقب أنشطة شركته نيورالينك المتعلقة بزراعة الشرائح في أدمغة البشر.
تعيين ماسك في لجنة حكومية مسؤولة عن مراقبة هذه القطاعات يشكل تهديدًا واضحًا بتداخل المصالح بين الحكومة والأعمال الخاصة. فهو ليس مجرد رائد أعمال؛ بل يمتلك شركات تعتمد على قرارات الحكومات الفيدرالية والمحلية. وإذا تم تعيينه في هذا المنصب، فسيكون أول “أوليغارشي” أمريكي بالمعنى الحرفي، أي شخص يملك تأثيرًا كبيرًا على الحكومة بسبب قوته المالية والعلاقات المتشابكة بين مصالحه الشخصية والمؤسسات الحكومية.
الشراكات والتعاون بين شركات ماسك
على مر السنوات، طور ماسك نموذجًا فريدًا من “الهندسة المالية” التي تتيح له نقل الموارد بين شركاته بطرق مختلفة، وبمعنى آخر تسخير نفوذه في أماكن مختلفة من أجل مصلحته الشخصية. على سبيل المثال، في سبتمبر، تم الإعلان عن صفقة شراكة بين شركته الناشئة xAI، المختصة في الذكاء الاصطناعي، وشركة تسلا، حيث تمنح الأولى التكنولوجيا للأخيرة مقابل حصة من إيراداتها. هذا التعاون، رغم نفي ماسك لبعض التفاصيل، يعكس نمطًا دائمًا من الخلط بين الأعمال المختلفة التي يديرها، سواء كانت نقل موظفين، أو تقاسم الموارد، أو حتى تمويل مشترك بين الشركات.
أحد الأمثلة الشهيرة هو تحويل ماسك لشريحة ضخمة من معالجات نفيديا التي كانت تخص تسلا إلى xAI، رغم نقص هذه المعالجات في السوق. عندما تم الإعلان عن هذا التحويل، اعتبر ماسك أن هذه المعالجات كانت ستبقى “غير مستخدمة” في مخازن تسلا، مما يبرر تحويلها. هذه الأحداث أثارت تساؤلات حول إدارة الموارد بين شركاته، ومدى تأثرها بالمصالح الشخصية لماسك.
ما يميز ماسك عن غيره من رجال الأعمال هو قدرته على استغلال شركاته القوية لدعم تلك الضعيفة منها. على سبيل المثال، عندما كانت تسلا على وشك الإفلاس، حصلت على تمويل من شركة سبيس إكس التي يمتلكها ماسك. وعندما واجهت سولار سيتي، شركة الألواح الشمسية التي يملكها، صعوبات مالية، قامت سبيس إكس بشراء سندات لها. وفي نهاية المطاف، تم دمج سولار سيتي في تسلا لإنقاذها.
هذه الهندسة المالية المعقدة تطرح تساؤلات حول مدى التداخل بين شركات ماسك ومدى تأثير ذلك على أصحاب الأسهم. فبالرغم من نجاح ماسك في إنقاذ شركاته من أزمات كبيرة، فإن هذه العمليات تجعل من الصعب الفصل بين المصالح التجارية الشخصية والمصالح العامة.
النفوذ المتنامي لماسك على السياسة والحكومة الأمريكية
إن تعيين ماسك في لجنة حكومية تشرف على أداء الحكومة الفيدرالية ليس مجرد أمر إداري بسيط. فالتاريخ القريب يظهر كيف أن نفوذ ماسك يتجاوز مجرد الأعمال ليصل إلى المجالات السياسية. بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، قرر ماسك دعم أوكرانيا عبر توفير خدمات الإنترنت عبر الأقمار الصناعية باستخدام شبكة ستارلينك، وهو إجراء لم يكن محايدًا تمامًا. بل إنه ذهب إلى حد اقتراح خرائط جديدة لأوكرانيا ودعوة الحكومة الأوكرانية للتفاوض مع روسيا، وهو ما أثار انتقادات من بعض المسؤولين الأمريكيين.
لقد أصبحت قرارات ماسك ذات تأثير عالمي، وتجاوزت كونها مبادرات شخصية إلى مواقف قد تؤثر على الحكومات والسياسات الدولية. لذا فإن تعيينه في منصب حكومي قد يجعله ليس فقط شريكًا في صنع القرار، بل قد يمنحه نفوذًا لا مثيل له على مستقبل الولايات المتحدة.
مقالات ذات صلة: إيلون ماسك يحذّر بيل غيتس: “الرهان ضدي قد يكلفك ثروتك”!