باعتبارها واحدة من أكبر الشركات الخاصة التي توظف العمالة في إسرائيل وركيزة أساسية في قطاع التكنولوجيا الفائقة “الهايتك”، فإنّ تحركات شركة إنتل الأخيرة، لها القدرة على التأثير على المشهد الاقتصادي الأوسع في البلاد. تساهم إنتل بشكل مباشر في الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل، كما تسيطر على نسبة كبيرة من صادرات التكنولوجيا الفائقة، ما يجعلها قوة اقتصادية هائلة. ومع وجود ما يقرب من 12,000 موظف واستثمارات كبيرة في التكنولوجيا المحلية والمواهب، يتم مراقبة قرارات إنتل المستقبلية عن كثب لما قد تحمله من تأثيرات على الاقتصاد المحلي وسوق أشباه الموصلات العالمي.
بصمة إنتل الاقتصادية في إسرائيل
تعود علاقة إنتل مع إسرائيل إلى عام 1974، ومنذ ذلك الحين استثمرت الشركة أكثر من 35 مليار دولار في البلاد. على مر السنين، وسعت إنتل عملياتها من خلال إنشاء منشآت كبيرة مثل مصنع تصنيع الرقائق في كريات غات، واستمرت في كونها لاعبًا رئيسيًا في سوق الهايتك في البلاد. تساهم أنشطة الشركة بشكل مباشر بحوالي 2% من الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل، وتمثل حوالي 6% من إجمالي صادرات التكنولوجيا الفائقة في البلاد. تبرز هذه الأرقام الدور الحيوي الذي تلعبه إنتل في دعم النمو الاقتصادي لإسرائيل، خصوصًا في قطاعي التكنولوجيا والابتكار.
ومع ذلك، تشير التطورات الأخيرة إلى تغييرات قد تتردد صداها في جميع أنحاء الاقتصاد. أعلنت إنتل عن خطة لإعادة الهيكلة قد تؤدي إلى تسريح ما يصل إلى 1,000 موظف في البلاد. يأتي هذا التحرك كجزء من استراتيجية الشركة العالمية لتقليص أعمالها في ظل انخفاض الطلب على رقائقها، خاصة في ظلّ تباطؤ النمو وارتفاع التكاليف الذي يواجهه الاقتصاد العالمي. يُذكر أن فرق مطوري البرمجيات في إسرائيل هي المحور الأساسي لهذه التسريحات المخطط لها، مما يثير مخاوف حول التداعيات المحتملة على القوى العاملة في قطاع التكنولوجيا الفائقة في البلاد.
التأثير على العمالة والدخل
يعتبر قطاع التكنولوجيا الفائقة في إسرائيل أحد المحركات الرئيسية للتوظيف للمهنيين ذوي المهارات العالية. وقد وفرت إنتل، بصفتها صاحب عمل كبير في هذا القطاع، رواتب عالية ومزايا جذابة، ما ساهم ليس فقط في الرفاهية المالية لموظفيها، ولكن أيضًا في الصحة الاقتصادية العامة للبلاد من خلال الضرائب على الدخل والإنفاق الاستهلاكي. وإذا استمرت إنتل في تنفيذ خططها لتسريح العمال، فإن التأثير المباشر سيكون زيادة البطالة بين المهندسين والمطورين ذوي المهارات العالية، مع احتمال أن يكون هناك تأثير أوسع على الأجور في جميع أنحاء الصناعة.
قد يكون لتقليص عدد الموظفين في إنتل تأثير أيضًا على سوق العمل في قطاع التكنولوجيا الفائقة في إسرائيل. هذا القطاع، الذي يشكل 10% من القوى العاملة في إسرائيل ويمثل 15% من الناتج المحلي الإجمالي، قد يشهد تدفقًا للعاطلين عن العمل ما يزيد من المنافسة على الوظائف، وبالتالي قد يؤدي إلى انخفاض الرواتب وتقليل إيرادات الضرائب. ونظرًا لاعتماد الحكومة الإسرائيلية بشكل كبير على الضرائب من أصحاب الدخل المرتفع في هذا القطاع، فإن انخفاض هذه الإيرادات قد يؤدي إلى عجز في الميزانية، مما قد يؤثر بدوره على الخدمات العامة ومشروعات البنية التحتية.
علاوة على ذلك، يعمل العديد من هؤلاء الموظفين في أدوار البحث والتطوير الرائدة، مما يعني أن تسريح العمال قد يؤدي إلى تباطؤ في الابتكار. وقد يؤدي فقدان هؤلاء العمال ذوي المهارات العالية أيضًا إلى بحث المواهب عن فرص في الخارج، ما يساهم في “هجرة الأدمغة” التي قد تضر بالتنافسية الاقتصادية طويلة الأجل لإسرائيل في سوق التكنولوجيا العالمية.
عائدات الصادرات والشيكل
تتجاوز أهمية إنتل التوظيف المباشر فقط. باعتبارها شركة رائدة في إنتاج أشباه الموصلات، تتحمل إنتل مسؤولية جزء كبير من صادرات التكنولوجيا الفائقة لإسرائيل، ما يجعلها لاعبًا رئيسيًا في الحفاظ على التوازن التجاري للبلاد. أي اضطرابات في قدرات إنتل الإنتاجية، مثل تأخيرات في المشاريع أو تقليص في عدد الموظفين أو إغلاق المنشآت، يمكن أن تؤدي إلى انخفاض في عائدات الصادرات، ما سيؤدي إلى تأثيرات سلبية على قيمة الشيكل ويزيد الضغوط التضخمية.
في السنوات الأخيرة، استثمرت إنتل بشكل كبير في توسيع قدراتها في تصنيع الرقائق في إسرائيل، ولا سيما مع استثمارها بمليارات الدولارات في مصنع جديد في كريات غات. ومع ذلك، جمدت الشركة مؤخرًا هذا التوسيع. وإذا استمرت هذه التأخيرات أو تفاقمت بسبب إعادة الهيكلة، فقد يؤدي ذلك إلى تقليل الإنتاج وزيادة التكاليف، ما قد يمنح المنافسين ميزة في السوق العالمية.
التأثيرات المتتابعة على الاقتصاد
بعيدًا عن عملياتها المباشرة، تمتد بصمة إنتل الاقتصادية في إسرائيل إلى العديد من القطاعات الأخرى، ما يخلق تأثيرًا متتابعًا يتجاوز حدود منشآتها. تشتري إنتل حوالي 3.5 مليار دولار من السلع والخدمات من الموردين والمقاولين الإسرائيليين كل عام. هذا الاعتماد على سلسلة التوريد يعني أن أي تخفيض في أنشطة إنتل المحلية قد يكون له تأثيرات واسعة النطاق على الشركات في مختلف الصناعات، خصوصًا قطاعي البناء والخدمات اللوجستية وموردي المعدات الذين يعتمدون على عقود إنتل.
على سبيل المثال، أدى قرار إنتل بتأجيل بناء مصنع الرقائق الجديد إلى تأثير مباشر على المقاولين المحليين، الذين اضطروا إلى تقليص عملياتهم أو تأجيل التوظيف. من المتوقع أن تتوسع هذه التأثيرات المتتابعة إذا قلصت إنتل من استثماراتها أو أجلت مشاريع أخرى. قد يشهد قطاع البناء المحلي، على وجه الخصوص، انخفاضًا في الطلب، مما يؤدي إلى فقدان الوظائف وانخفاض دخل العمال الذين يعتمدون على المشاريع المرتبطة بإنتل.
علاوة على ذلك، قد تواجه شركات التكنولوجيا الفائقة الأصغر والشركات الناشئة التي تتعاون مع إنتل أو تعتمد على أعمالها تحديات جديدة. لطالما عملت أنشطة البحث والتطوير التي تقوم بها إنتل كمحفز للابتكار في إسرائيل، ما كان يشجع على الشراكات ويفتح الفرص للشركات الناشئة المحلية. قد يؤدي أي تباطؤ في البحث والتطوير الخاص بإنتل إلى إعاقة هذه الجهود التعاونية، ويقلل من حيوية بيئة الابتكار في إسرائيل بشكل عام.
بتصرف عن كالكاليست