/
/
“تنكة الزيت بـ1500 شيكل” : الجفاف والاحتلال يعكّران موسم الزيتون في بيت جالا

“تنكة الزيت بـ1500 شيكل” : الجفاف والاحتلال يعكّران موسم الزيتون في بيت جالا

أيقون موقع وصلة Wasla
wasla brands
بشير الصوص مزارع في أرضه في بيت جالا تصوير رحمة علي
المزارع بشير الصوص في أرضه في بيت جالا – تصوير: رحمة علي

يشهد موسم قطف الزيتون في بيت جالا هذا العام انخفاضًا حادًا في الإنتاج، نتيجة الجفاف الذي ضرب البلاد خلال الشتاء الماضي، إذ بلغ معدل هطول الأمطار 50% فقط من المعدل السنوي المعتاد. وهو ما يخلق معاناة إضافية أمام المزارعين تُضاف إلى اعتداءات المستوطنين عليهم وعلى محاصيلهم التي تتكرر كلّ عام، وتضييقات جيش الاحتلال على وصولهم إلى أراضيهم.

ووفقًا لتقديرات وزارة الزراعة الفلسطينية، يبلغ عدد أشجار الزيتون في فلسطين نحو 13.2 مليون شجرة، منها 10 ملايين شجرة مثمرة، بينما لم تصل نحو 3 ملايين شجرة بعد إلى مرحلة الإنتاج. كما تبلغ المساحة الإجمالية للأراضي المزروعة بالزيتون حوالي 935 ألف دونم، ويُزرع سنويًا ما يقارب 300 ألف شتلة جديدة.

وهو ما يجعل الزيتون وزيته مصدر دخل، سواءً رئيسيًا أو ثانويًا، لما يتراوح بين 80 إلى 100 ألف أسرة فلسطينية، حيث يسهم في توفير فرص عمل لعدد كبير من العاملين، بينهم أكثر من 15% من النساء. وفي المواسم الوفيرة، يوفر قطاع الزيتون نحو 3.6 ملايين يوم عمل سنويًا، بينما ينخفض هذا الرقم في سنوات الندرة إلى نحو 1.7 مليون يوم عمل.

ووفقًا لبيانات وزارة الزراعة الفلسطينية، يبلغ معدل الاستهلاك المحلي من زيت الزيتون نحو 15 ألف طن سنويًا، يتذبذب بين 13 و18 ألف طن تبعًا للأسعار وقدرة المواطنين الشرائية. أما على مستوى الفرد، فيبلغ معدل استهلاك زيت الزيتون نحو 3 لتر سنويًا للفرد الواحد، ما يعكس أهمية هذا القطاع في الأمن الغذائي الفلسطيني.

“من 70 ألف شيكل ربح إلى 18 ألفًا فقط”

يمتلك المزارع بشير الصوص وأخواه نحو 50 دونمًا من الأراضي الزراعية في منطقتي بيت جالا والمخرور، وتضم أراضيهم قرابة ألف شجرة زيتون بأحجام مختلفة. لكن هذا الموسم كان قاسيًا، بحسبه، إذ لم تتعدى نسبة الإنتاج 15% فقط مقارنة بـ 70% في الموسم السابق. وأضاف الصوص أن 50 شجرة فقط من أشجاره أزهرت هذا العام، مؤكدًا أن أغلب الإنتاج هذا العام في المنطقة سيتجه إلى استخراج الزيت بدلًا من تسويق الزيتون الأخضر بسبب ضعف المحصول.

وأضاف الصوص إلى أنه واجه في السنوات السابقة تحديات في الوصول إلى أرضه في منطقة المخرور بسبب قربها من بؤرة استيطانية صغيرة، حيث يتم أحيانًا منعه من دخول الأرض لاعتبارها “منطقة عسكرية مغلقة” لمدة تتراوح بين يوم إلى ثلاثة أيام. إلا أن الموسم الحالي مرّ دون عراقيل تُذكر عليه، إذ بادر بقطف الزيتون مبكرًا لتفادي اعتداءات المستوطنين.

أراضي بشير في المجرور تصير رحمة علي
أراضي بشير الصوص وأخواه في المجرور – تصوير: رحمة علي

من الناحية الاقتصادية، يتوقع الصوص أن يبيع تنكة الزيت هذا العام بأسعار تتراوح بين 1200 و1500 شيكل، في حين باعها العام الماضي بأسعار تراوحت بين 800 وألف شيكل، مشيرًا إلى أن ارتفاع السعر هذا العام لا يعوّض الخسارة الكبيرة في كمية الإنتاج. إذ يقدّر أن إجمالي إنتاجه لن يتجاوز 40 تنكة زيت فقط، نصفها سيذهب لاستهلاك عائلته، والنصف الآخر للبيع في السوق المحلي، بعدما توقف عن التصدير إلى الخارج هذا العام، بعد أن كانن يصدّر سابقًا إلى المغتربين في أمريكا اللاتينية وأوروبا.

أما على مستوى الزيتون الأخضر، فقد باع الصوص الكيلو الواحد بـ 25 شيكلًا، والرطل بـ75 شيكلًا. وأوضح أن مدة القطف هذا العام لم تتجاوز عشرة أيام بمساعدة ثلاثة عمّال فقط، مقارنة بالموسم السابق الذي استمر شهرًا ونصف تقريبًا بمشاركة 15 عاملًا.

واختتم الصوص حديثه بتقدير الخسائر الاقتصادية لهذا الموسم بين 70 إلى 80%، متوقعًا أن يبلغ صافي أرباحه حوالي 18 ألف شيكل فقط، مقارنةً بـ70 ألف شيكل في الموسم السابق، ما يعكس حجم التأثير السلبي للجفاف والمناخ على القطاع الزراعي في بيت جالا هذا العام.  

القطاع التعاوني: تراجع الإنتاج من 45 إلى 14 طنّ يوميًا

قال فلاديمير خروفه، رئيس الجمعية التعاونية لعصر الزيتون في بيت جالا، إن الموسم الحالي يشهد تراجعًا حادًا في كميات الزيتون الواردة للمعصرة مقارنة بالعام الماضي، ما تسبب في أزمة إنتاجية واقتصادية غير مسبوقة. وأوضح أن المعصرة عالجت حتى الآن نحو 130 طنًا من الزيتون، أُنتج منها 24 طنًا و600 كيلوغرام من الزيت، في حين أنه خلال الفترة نفسها من الموسم الماضي تم عصر 253 طنًا، أي ما يقارب ضعف الكمية الحالية خلال 13 يومًا فقط من بدء موسم القطف. وفيما يتعلق بالإنتاج اليومي، أوضح خروفه أن المعصرة كانت تعصر العام الماضي نحو 45 طنًا يوميًا في ذروة الموسم، بينما لا تتجاوز الكمية الحالية 14 طنًا في أفضل الأيام، وتصل أحيانًا إلى 8 أو 10 أطنان فقط،

وأشار خروفه إلى أن الموسم الماضي استمر 59 يومًا من العمل المتواصل، بينما هذا العام لا تزال فترة التشغيل محدودة بـ 13 يومًا فقط حتى الآن، ما يعكس بوضوح ضعف المحصول وتراجع النشاط الإنتاجي. وأضاف أن هذا الانخفاض الكبير تسبب في أزمة تشغيلية ومالية، مؤكدًا أن الجمعية لا تعمل على أساس الربح التجاري، الأمر الذي يجعل هذا الموسم صعبًا ماليًا وقد يترتب عليه خسائر مقارنة بالأرباح التي حققتها في العام السابق.

فلاديمير خروفه تصوير رحمة علي
فلاديمير خروفه – تصوير: رحمة علي

وبيّن خروفه أن معصرة الجمعية تُعد الأكبر من حيث القدرة الإنتاجية مقارنة ببقية المعاصر في المنطقة، إذ تقدم خدماتها للمزارعين بأسعار مدعومة للقطاع الزراعي. فالمشترك في الجمعية يدفع 4 أغورات فقط عن كل كيلوغرام من الزيتون، بينما يدفع غير المشترك 6 أغورات، في حين أن بقية المعاصر تتقاضى نحو 8 أغورات، مؤكدًا أن الجمعية لم تغيّر أسعار العصر رغم ارتفاع التكاليف التشغيلية من ماء وكهرباء وصيانة. ويشر خروفه إلى أن بعض المعاصر الأخرى تمتنع عن عصر الكميات الصغيرة، بينما تواصل الجمعية استقبال أي كمية من الزيتون دعمًا للمزارعين في ظل الموسم الأصعب منذ سنوات.

وأضاف خروفه أن المعصرة تعمل حاليًا بـ 7 عمّال فقط في وردية واحدة يوميًا، مقارنة بـ 18 عاملًا في ورديتين خلال الموسم الماضي، ما يعكس الانخفاض في حجم العمل. كما أشار إلى أن التكاليف التشغيلية اليومية بلغت هذا العام نحو 2435 شيكلًا في أفضل الأيام، مقابل 3600 شيكل يوميًا في الموسم السابق، نتيجة انخفاض حجم التشغيل.

معصرة الجمعية التعاونية في بيت جالا لعصر الزيتون تصوير رحمة علي
معصرة الجمعية التعاونية في بيت جالا لعصر الزيتون – تصوير: رحمة علي

المستوطنون والجيش يد واحدة 

قال محمد حميدة، المدير العام لوزارة الاقتصاد الوطني وأمين سر حركة فتح في بيت جالا، إن نصف أراضي المدينة مزروعة بأشجار الزيتون، إلا أن العديد من أصحاب الأراضي يواجهون صعوبات كبيرة في الوصول إليها بسبب تواجد المستوطنين في الجهة القريبة من قرية بتير، الأمر الذي أدى إلى منع المزارعين من قطف الزيتون في بعض المناطق أو حتى إهمال مساحات واسعة من الأراضي، نتيجة الاعتداءات المتكررة التي ينفذونها بمساندة جنود الاحتلال.

وأوضح حميدة أن زيت بيت جالا يُعد الأغلى على مستوى فلسطين، مشيرًا إلى أن إنتاج الزيتون في المدينة أصبح موسميًا نتيجة التضييقيات المستمرة على المزارعين ومصادرة الأراضي، إلى جانب الظروف الاقتصادية العامة الصعبة التي تمر بها المنطقة. وأضاف أن ارتفاع تكاليف إنتاج زيت الزيتون في بيت جالا سيدفع العديد من سكانها إلى شراء الزيت من مناطق أخرى مثل جنين وطولكرم والخليل، حيث يباع زيت بيت جالا عادة لمستهلكين من خارج المدينة أكثر من داخلها.

حميده
محمد حميدة، المدير العام لوزارة الاقتصاد الوطني – صورة خاصة

وبحسب حميدة، يُمنع الفلسطينيون على مدار العام من الوصول إلى أراضيهم الخاصة الواقعة قرب المستوطنات والبؤر الاستيطانية الإسرائيلية، إذ لا يُسمح لهم بالدخول إليها سوى مرتين سنويًا ولأيام معدودة، الأولى في الربيع لحرث الأرض، والثانية في الخريف لقطف ثمار الزيتون. وخلال هذه الأيام المحدودة، يُفترض أن يرافق الجيش الإسرائيلي المزارعين لحمايتهم من اعتداءات المستوطنين، إلا أن الواقع يظهر عكس ذلك.

ففي موسم قطف الزيتون، خلال شهري تشرين الأول وتشرين الثاني (أكتوبر ونوفمبر) من عام 2023، وثقت منظمة “يش دين” الحقوقية 113 حادثة عنف قام بها المستوطنون والجنود ضد المزارعين وأراضيهم في مناطق الضفة الغربية الغنية بأشجار الزيتون كبيت جالا. وأظهرت المعطيات أن 46% من تلك الحوادث كانت قوات الجيش الإسرائيلي حاضرة خلالها، لكنها بدلًا من حماية المزارعين قامت بطردهم ومنعهم من الحصاد، وفي بعض الحالات انضم الجنود إلى المستوطنين وشاركوا في الاعتداءات، وغالبًا لم يكونوا يرتدون الزي العسكري الكامل أو الأحذية العسكرية.

ونتجة للاعتداءات المتكررة والقيود المشددة، إضافة إلى تعقيد إجراءات التنسيق الأمني من أجل السماح للمزارعين للوصول إلى أراضيهم خلال الأيام المعدودة خلال العام، يُحرَم المزارعون من المتابعة الزراعية المستمرة، ويضطر العديد منهم إلى التخلي عن زراعة المحاصيل التي تتطلب عناية مكثفة، والاكتفاء بزراعة أشجار الزيتون التي تحتاج إلى معالجة أبسط، ما يغيّر طبيعة النشاط الزراعي في هذه المناطق.

“50 تصريح لـ200 مزارع”

قال نديم سمعان، المدير العام لبلدية بيت جالا، إن البلدية تنسّق مع الارتباط الفلسطيني لإصدار تصاريح دخول للمزارعين إلى أراضيهم الواقعة خلف الجدار الفاصل في منطقة وادي أحمد، لتمكينهم من قطف الزيتون خلال الموسم الزراعي الحالي. وأوضح أن البلدية قدّمت قائمة تضم 200 اسم من المزارعين لسلطات الاحتلال عبر الارتباط الفلسطيني، إلا أنه تمت الموافقة فقط على دخول 50 مزارعًا بحجة أن الموسم “غير وفير” ولا حاجة لدخول جميع المزارعين.

وأشار سمعان إلى أن البلدية تواجه صعوبة في تحديد أسماء المزارعين الخمسين الذين سيُمنحون التصاريح، في ظل محدودية العدد المسموح به، لافتًا إلى أن مدة التصاريح قصيرة ومحددة بفترة زمنية ضيقة لا تتيح للجميع الوصول إلى أراضيهم وقطف كامل المحصول. وأضاف أن البلدية تسلمت القائمة الأولية بالأسماء، وتنتظر الآن الموافقة النهائية التي تصدر عادة في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) من كل عام.

ويؤكّد سمعان أن منطقة وادي أحمد تُعد من أغنى المناطق بإنتاج الزيت في بيت جالا، وتشكل مصدرًا رئيسيًا للمحصول المحلي، لكن تأخير إصدار التصاريح حتى نهاية الموسم يجعل المزارعين عُرضة لخسائر فادحة نتيجة سرقة أو تخريب المحاصيل من قبل المستوطنين، إذ لا تُمنح التصاريح إلا بعد فوات فترة القطف المثالية، ما يحرم المزارعين من الاستفادة من موسمهم ويؤثر سلبًا على العائد الاقتصادي للمدينة.

معصرة الجمعية التعاونية في بيت جالا لعصر الزيتون تصوير رحمة علي 1
زيتون في معصرة الجمعية التعاونية في بيت جالا – تصوير: رحمة علي

وتعد منطقة وادي أحمد مثالًا على المناطق الواقعة ضمن منطقة التماس في الضفة الغربية، وهي أراضٍ تعتبرها سلطات الاحتلال الإسرائيلي “مناطق مغلقة بأوامر عسكرية”، ما جعل الوصول إليها مرهونًا بتصاريح خاصة أو تنسيق مسبق منذ عام 2002، أي منذ الشروع في بناء الجدار الفاصل. وقد فُرضت قيود مشددة على حركة المزارعين حتى أولئك الذين يحصلون على تصاريح رسمية، إذ يُسمح لهم بدخول بساتين الزيتون لفترات محدودة لا تتجاوز 40 يومًا سنويًا.

ووفقًا لبيانات وزارة الزراعة الفلسطينية، حُرم المزارعون الفلسطينيون خلال عام 2023 من الوصول إلى نحو 110 آلاف دونم من الأراضي الزراعية الواقعة خلف الجدار في مختلف مناطق الضفة الغربية، ما أدى إلى تركها دون قطاف، وتكبّد المزارعون خسائر اقتصادية كبيرة نتيجة ضياع المحصول، في واحدة من أبرز القيود المفروضة على القطاع الزراعي الفلسطيني.

مقالات ذات صلة: هكذا يُنقذ الوقف أملاك المقدسيين من مخططات التهويد والخلافات العائلية

مقالات مختارة